وهم الوساطة التركية

التقاط.PNG
حجم الخط

 

«لا دولة فى غزة ولا دولة بدون غزة»، جملة يكررها الرئيس الفلسطينى محمود عباس كثيراً فى الآونة الأخيرة، ولم يكتف بتكرارها، بل سارع باتخاذ إجراءات عقابية قاسية تجاه القطاع للضغط على حماس ورضوخها لإنجاز المصالحة. وكما كان قطاع غزة، على مدار تاريخ الاحتلال، العقبة والشوكة فى حلق إسرائيل وأمنها واستقرارها، لا يزال يشكل المعضلة ومحور الخلاف الفلسطينى لإنهاء ملف الانقسام والعودة إلى صفوف الوحدة والمشروع الوطنى الفلسطينى، ورغم أن منطلق الرئيس الفلسطينى، كما يقول، هو محاصرة الخلافات وتوحيد الوطن ومؤسساته لشهور عدة فقط، ومن ثم من يفوز فى الانتخابات فليحكم البلاد، سواء كانت فتح أو حماس أو أى جهة أخرى، فإن الإجراءات العقابية التى اتخذها أبومازن بحق غزة انعكست سلباً على المواطنين وزادتهم حصاراً وعزلة وفقراً وتجويعاً بما ينذر بانفجار مقبل لا محالة.

يحاول الرئيس عباس الخروج من المأزق الذى يحاصره فى ضوء تراجع التنسيق مع مصر، الراعى الأساسى والمحورى للقضية الفلسطينية، وفى ضوء التقارب الأخير الذى جمع بين حماس والقاهرة من خلال التفاهمات التى جرت بينها وبين محمد دحلان الذى يقود التيار الإصلاحى فى حركة فتح، فاتجه أبومازن بدوره إلى فضاءات إقليمية أخرى طارقاً أبوابها بحكم تأثيرها على حركة حماس (تركيا وقطر)، وزيارته الأخيرة لتركيا تأتى أملاً فى دعمها وضمانها لتنفيذ المبادئ السبعة التى يحاول عباس إقناع حماس بقبولها، فهناك خريطة طريق وضعها الرئيس لحماس تبدأ بحل اللجنة الإدارية وتمكين حكومة التوافق من عملها ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها حماس، ومن ثم الذهاب إلى انتخابات عامة تتم بعد 3 أشهر، ومن دون ذلك لا يوجد حلول. ورغم أن حركة فتح تطرح زيارة عباس لتركيا من جهة مناقشة ملفات عدة غير المصالحة، من بينها التوجه إلى الأمم المتحدة وطلب الدعم التركى فى المرحلة المقبلة، متذرعة بأن السلطة لم تطلب من تركيا التحرك باتجاه ملف المصالحة الفلسطينية، كون مصر المكلفة من جامعة الدول العربية برعاية المصالحة والجهة الأكثر اطلاعاً على الملف والوحيدة المكلفة بإدارة هذا الملف، لكنها لا تمانع أن تلعب تركيا دور الوسيط فى ملف إنهاء الانقسام السياسى الفلسطينى كأى طرف آخر يريد إنهاء المشكلة، ويبدو أن السلطة الفلسطينية تحاول مسك العصا من المنتصف وامتصاص الغضب المصرى من التوجه إلى تركيا وقطر بالحفاظ على شعرة معاوية، بعد أن فقدت الكثير من الدعم المصرى رداً على الإجراءات العقابية التى اتخذها أبومازن بحق قطاع غزة والذى يشكل تهديداً على استقرار الأوضاع على الحدود مع مصر.

إن توجه القيادة الفلسطينية لتركيا لتكون الضامن لقيام حماس بحل اللجنة الإدارية محل الخلاف الكبير فى الساحة الفلسطينية رغم شكوك فتح فى قدرة تركيا فى هذا الوقت بالذات على التأثير على حماس بسبب التغييرات التى حدثت فى قيادة الحركة وظهور اتجاهات جديدة داخلها وتدخل قوى إقليمية جديدة على خط العلاقة مع حماس، فالتقارب بين حماس والإمارات من شأنه أن يضعف دور تركيا فى التأثير على الحركة من أجل إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، فضلاً عن التقارب الأخير بين حماس ومحمد دحلان الذى يُعد أحد المقربين جداً من نائب رئيس الإمارات، وتمثل ذلك فى تفاهمات أُبرمت بين الطرفين، من بينها قيام الإمارات بتمويل مشاريع فى قطاع غزة!

فيما وضعت حماس هدفاً استراتيجياً أمامها رداً على إجراءات أبومازن ضد القطاع دون التخلى عن المشروع الوطنى والمقاومة، بما فى ذلك طرق كل الأبواب باستثناء باب الاحتلال لحل مشاكل قطاع غزة، وتعتبر أن التفاهمات مع دحلان هدفها حل مشاكل القطاع، فلا يوجد توتر مع دحلان كما يشاع، بل إن لقاءات القاهرة برعاية دحلان ساهمت فى تفكيك الأزمات السابقة بين حماس والقيادة المصرية وأحدثت اختراقاً كبيراً فى طبيعة العلاقة بين الجانبين، ولدحلان فضل لا يُنكر فى ذلك.

مشكلة أبومازن الحقيقية مع حماس هى اللجنة الإدارية التى يعتبرها بمثابة حكم مواز للسلطة، لكن حماس تعتبر تشكيل اللجنة الإدارية جاء لمنع الفراغ الذى أحدثه غياب حكومة «الحمد الله» بهدف تحسين العمل المؤسسى وحل الإشكاليات التى أعاقت الأداء الحكومى، وتتهم الرئيس عباس باستخدام اللجنة «قميص عثمان» كذريعة لتشديد الحصار على غزة، فالمشكلة تتمثل فى سعى السلطة إلى سحب حماس من مربع المقاومة والتخلى عن سلاحها، لذا فإن حل اللجنة الإدارية بمثابة انتحار لأنه سيزيد المشاكل ويُحدث فراغاً فى قطاع غزة.

إن عرض الرئيس التركى أردوغان وساطته لإنهاء الانقسام بين السلطة وحماس وحل الخلاف بخصوص قطاع غزة وتعهده بأنه سيضمن إعطاء صلاحيات لحكومة التوافق فى غزة يأتى فى إطار علاقته القوية بحماس، لكن هل باستطاعته ذلك؟ لقد طلب أردوغان من أبومازن مقابل ذلك بحث كيفية تلبية طلب حماس الخاص بإبقاء موظفيها فى المناصب التى يشغلونها حالياً لأن حماس التى تميل إلى الاستجابة للتدخل التركى طلبت ضمانات بألا يُمس موظفوها، وهى النقطة الخلافية التى سيكون من الصعب حلها، فالسلطة الفلسطينية لم تعد صرافاً آلياً لهم، والحل المطروح الوحيد الآن هو ما طرحه الرئيس عباس ورئيس وزرائه رامى الحمد الله، ومن هنا فإن كل الوساطات لن تفضى إلا للمزيد من الابتعاد عن الخلاف الرئيسى وهو الانقسام والتفرغ للجدل حول الفروع لتظل غزة «بلا غزة».

عن الوطن المصرية