مصـــر و«حمــاس» إلــى أيـن؟

images (2).jpg
حجم الخط

 

هذا السؤال من المفترض أن ينطوي على كل الوضوح الممكن، لكنه في الواقع ما زال ينطوي على الكثير الكثير من الغموض. كل الذين يتحدثون عن «مرحلة جديدة» في العلاقة بين حركة «حماس» وجمهورية مصر العربية لا يرغبون لأسباب نعرفها وأخرى نجهل الكثير عنها الإفصاح عما يدور في أذهانهم من أسئلة، تلحقها أسئلة وأجوبة ممكنة لا تلبث أن تفتح على أسئلة جديدة ومتجددة:
لو أن مصر أمام سياسة جديدة فيما يتعلق بأمنها القومي، ولو أنها غيرت أو عدلت أو تراجعت عن سياساتها تجاه تنظيم الإخوان وفروعه ومشتقاته لأمكن أن نجد ما يكفي من الإجابات عن سؤال العلاقة بين مصر و»حماس».
ولو أن حركة «حماس» راجعت وتراجعت بصورة حقيقية عما كانت تراه وتمارسه وتدعو له من دعم كامل ومطلق للإخوان في مصر في «معركتهم» ضد مصر لأمكن هنا، أيضاً، أن نجد بعض الإجابات (حتى وإن كانت غير كافية) عن تفسير «لغز» العلاقة التي يتم الحديث عنها في المرحلة الجديدة.
الواقع أن هذا لم يحصل لا بالنسبة لمواقف الدولة المصرية الثابتة والراسخة في التصدي للإخوان وكل ممارساتهم في مصر وفي إعطاء الأولوية الكاملة والمطلقة للأمن القومي المصري بما في ذلك معركة مصر المشرّفة ضد الارهاب والجماعات الارهابية ليس في مصر وحدها وإنما في عموم المنطقة، وهو الأمر الذي لم يحصل لدى حركة «حماس» إذ ما زالت الحركة عند ذات المواقف وذات الارتباطات وذات المنطلقات، حتى وإن حاولت من خلال الوثيقة الأخيرة أن توحي بأن ثمة تغيرات ومراجعات قد جرت على هذا الصعيد.
إذا كان الأمر كذلك ـ وهو فعلاً لا قولاً فقط كذلك ـ فنحن هنا لسنا أمام «مرحلة جديدة» ولسنا أمام تغيرات جوهرية على المواقف الحقيقية.
إذن كيف نفسر العلاقة القائمة اليوم؟
ما هي طبيعتها وإلى أين يمكن أن تصل؟، وهل هي مرشّحة للتحول إلى علاقة تعكس تغيراً جوهرياً في مرحلة جديدة وحقيقية؟
أغلب الظن أن مصر لم ترغب أبداً بأن تكون حركة حماس هي الجهة المسيطرة على قطاع غزة، حتى وإن لم تتدخل أبداً في الشأن الداخلي الفلسطيني، لأن ذلك التدخل لم يكن يوماً جزءاً من التعامل المصري مع القضية الفلسطينية، ومصر لم تكن مرتاحة أبداً لتعثر إنهاء الانقسام، خصوصاً وأنها رعت مسيرة المصالحة على مدى أكثر من عشر سنوات، وبقي ملف المصالحة معطلاً بالكامل بعد ثورة 25 يناير وثورة الثلاثين من يونيو، وكل المحاولات التركية والقطرية وغيرها كانت تهدف بالأساس إلى التقليل من الدور المصري في ملف إنهاء الانقسام طوال الفترة التي أعقبت هاتين الثورتين.
ومصر أصبحت معنية أكثر بإنهاء الانقسام وعودة الشرعية الفلسطينية إلى القطاع في ضوء ما تبين من علاقات تربط ما بين الإرهابيين في سيناء وجماعات إرهابية تعيش إما في كنف حركة «حماس»، أو تحت سيطرتها المطلقة، لا بل يمكن القول بأن حركة «حماس» كانت تحتفظ بعلاقات مصلحية مع هذه الجماعات لاستخدامها في الوقت المناسب ـ إذا لزم الأمر ـ أو للانقضاض عليها إذا تطلّب الوضع ذلك.
أما وان المصالحة قد راوحت في مكانها، بل وما كادت تخرج من تعثر حتى تدخل في تعثرات أخرى، فقد أصبحت مصر تفتش عن الطريقة التي من خلالها تعيد ضبط الحدود مع قطاع غزة، إلى أن يتم إنهاء الانقسام وتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل انقلاب حركة «حماس» وسيطرتها على القطاع.
هنا لا بدّ من التذكير بأن القوات المسلحة المصرية قامت بجهود خارقة وجبّارة عسكرياً لتدمير الأنفاق، وتخفيض حركة المنظمات الإرهابية بين القطاع وشبه جزيرة سيناء.
إذن، العلاقة القائمة اليوم يقف في صلبها وفي عمقها وفي كامل مضمونها وجوهرها الأمن القومي المصري ومعركة مصر ضد الارهاب.
لم يحدث أي تغير مطلقاً على المواقف المصرية من التصدي للارهاب ومنع تواصل جماعات الارهاب من قطاع غزة ومن ليبيا ومن السودان، وكل محاولة لتفسير العلاقة بين مصر وحركة حماس خارج اطار هذا الفهم هي محاولة فاشلة أولاً وتحاول الاصطياد في الماء العكر ثانياً، وهي أقرب إلى افتعال الأسباب وفبركتها لتنطبق مع الرغبات والأهواء وإشاعة أجواء «الخروج» من المأزق والأزمات المتلاحقة.
حركة «حماس» في ضوء تفاقم أزماتها المتلاحقة بما في ذلك الأزمة المالية، وأزمات قطر وتركيا في منطقة الإقليم، وفي ضوء ما تمخض عنه مؤتمر الرياض أدركت أن أمامها خيارات ضيقة للغاية.
فإن هي اختارت الإبقاء على سيطرتها على قطاع غزة لا بدّ لها من الاستجابة الكاملة للشروط المصرية إلى حين معرفة تطورات الإقليم كله، وإن هي اختارت التخلي عن هذه السيطرة فإنها ستعمل على أن يكون هذا «التخلي» بأقل الخسائر وبأكبر ما هو ممكن من المكاسب الحالية والمستقبلية. لكن خيارات حركة «حماس» هذه هي خيارات تكتيكية للخروج من الأزمات، وهي ليست عملية مراجعة شاملة لكامل السياسات التي أدارتها على صعيد الانقسام والخسائر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الهائلة التي ألحقتها بقطاع غزة وأهل القطاع تحديداً.
حركة «حماس» خياراتها الاستراتيجية ليست مصر، وليست الشرعية الفلسطينية وإنما الإخوان وقطر وتركيا وإيران وهذه هي أزمة حركة «حماس» الكبرى والأساسية، لأن حركة حماس ليس لديها في الواقع أية أزمة إن هي اختارت طريق المصالحة والمشاركة الوطنية والانضمام التام إلى النظام السياسي والموافقة على العيش والتعايش معه كفصيل وطني فلسطيني مستقل.
لهذا كله العلاقة بين مصر و»حماس» هي علاقة الاعتبارات الخاصة والراهنة والملحة بالشروط المؤقتة والأبعاد المؤقتة، إلى أن يتم إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي. ليس هناك أحجية في كل هذه الاعتبارات، وليس هناك من تغيرات دراماتيكية على هذا الصعيد.
الغموض الذي تحاول إشاعته بعض الأطراف في هذه العلاقة هو غموض مقصود منه التشكيك في دور مصر، ومحاولة وضع الأسافين في العلاقة المصرية الفلسطينية، وليس هناك ما هو أصعب على أصحاب هذا الاتجاه من النجاح في ذلك. 
لأن مصر كبيرة فهي تبقي كل ما هو كبير للمسائل الكبيرة، أما الاعتبارات الخاصة والصغيرة فمن الطبيعي أن تتحول إلى دائرة الفروع.
لا شكّ أن العرب يَودُّون لو أنهم يمنعون حركة «حماس» من الالتحاق والارتهان لإيران، ولا شكّ أن العرب قد طلبوا من مصر محاولة استمالة حركة «حماس» لإبعادها عن السيطرة والتحكم الإيراني والقطري، ولا شكّ أن لدى مصر رغبة في إبعاد حركة «حماس» عن هذه التجاذبات.
أما وان الأمور لا تسير وفق الرغبات دائماً، فليس أمامنا سوى أن تدرك حركة «حماس» قبل غيرها الأخطار التي تنطوي على هذه التجاذبات على الحركة أولاً وعلى مستقبلها وعلى القضية الوطنية وعلى كامل الأمن القومي العربي.