فرص وتحديات التقارب الإيراني - التركي

thumbgen (15).jpg
حجم الخط

 

تفرض الأحداث الكردية المتسارعة حالياً، سواء في العراق أو في سوريا، نفسها كمتغير شديد الأهمية على العلاقة بين إيران وتركيا، وهي العلاقة التي تشهد توترات شديدة أحياناً بسبب تنازع المصالح داخل سوريا، على الرغم من كونهما قوتين ضامنتين مع روسيا للمحادثات التي بدأت في العاصمة الكازاخستانية «أستانة».

التطورات الكردية بدأت تتحول إلى خطر مشترك يتهدد الأمن القومي في البلدين، لكن هل يمكن أن يتحول التعاون في مواجهة هذا الخطر المشترك إلى «تحالف سياسي- عسكري» بينهما؟ وهل يمكن أن ينعكس هذا التحالف على الأزمة السورية.. وفي أي اتجاه.. وكيف ستتعامل الأطراف الأخرى الدولية والإقليمية مع مثل هذا التطور إن حدث؟ وماهي العوامل المحفزة لحدوثه.. وماهي العوامل المعرقلة؟ بتحديد أكثر ماهي الفرص وماهي التحديات أمام هذا الاحتمال؟
الإجابة عن هذه الأسئلة تتوقف بالطبع على مستوى ما يمثله الحدث الكردي من خطورة في إدراك صانع القرار في كل من طهران وأنقرة على الأمن القومي في البلدين من ناحية، وعلى مستوى الحوافز والمعوقات من ناحية أخرى.
فبعد مسيرة طويلة وصعبة من الأزمات المتصاعدة بين حكومة إقليم كردستان العراق في أربيل وبين الحكومة المركزية العراقية في بغداد، كان آخرها الصدام السياسي والإعلامي بينهما إثر قرار حكومة أربيل رفع العلم الكردستاني على المنشآت الحكومية في كركوك المتنازع عليها، قررت حكومة أربيل إجراء استفتاء حول حق تقرير المصير للشعب الكردي في مدن وقرى الإقليم والمناطق الأخرى المتنازع عليها يوم 25 سبتمبر/‏أيلول 2017، الأمر الذي فجر أزمة مازالت متصاعدة بين الحكومة العراقية وبين إقليم كردستان العراق.

خطورة هذا التطور من جانب أكراد العراق وزعيمهم مسعود برزاني تفاقمت مع حدوث تطور مشابه على جبهة الأكراد السوريين، ففي توقيت متزامن تقريباً، حددت ما تسمى ب «الجمعية التأسيسية ل (اتحاد شمال سوريا) روج آفا - شمال سوريا» في 12 يوليو/‏تموز 2017، أي بعد أقل من شهر من إعلان مسعود برزاني تحديد موعد إجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير لأكراد العراق، موعد إجراء أول انتخابات على مختلف المستويات للإدارات المحلية والمناطق التي تديرها في شمال سوريا على طول الحدود مع تركيا، في خطوة اعتبرت تمهيداً لإعلان إقليم كردي مستقل في شمال سوريا. ضربتان في الرأس مرة واحدة بالنسبة لتركيا وإيران مازالت تفاعلاتهما مستمرة ولم تنقطع ردود أفعالهما على كافة المستويات. لذلك نلحظ توافقاً مشتركاً في رفض الاستفتاء الكردي في العراق جرى التعبير عنه بشكل منفصل في كل من طهران وأنقرة، ثم جاءت زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال محمد باقري لأنقرة ولقاؤه نظيره التركي الجنرال خلوصي أكار (الأربعاء 2017/‏8/‏16) فرصة لبلورة موقف إيراني - تركي إزاء الخطر الكردي المتصاعد وتوظيف هذا التعاون المشترك لصالح مزيد من التعاون والتنسيق الذي قد يتصاعد إلى تحالف في السياسات الإقليمية، أو قد ينتكس ويتراجع كما هي العادة في مسار العلاقات بين البلدين، خصوصاً على ضوء ما ورد من تصريحات على لسان الجنرال باقري (2017/‏8/‏21) من أنه جرت أثناء زيارته لأنقرة «مباحثات مفيدة وكاملة بشأن الأمن الإقليمي، وكذلك بشأن سوريا والعراق» كما تم الحديث عن دور إيران وتركيا في إرساء الأمن في سوريا وتقوية عملية «أستانة».
هناك إذاً فرص لإحياء التعاون العسكري والسياسي التركي - الإيراني، وتطوير مجالات التعاون الاقتصادي كدعائم لخيارات التعاون العسكري والسياسي، لكن هذه الفرص تواجَه بتحديات حقيقية.
في مقدمة هذه التحديات يأتي إدراك واشنطن لخطورة اتساع فجوة عدم الثقة بينها وبين تركيا، ولذلك بادرت في أوج تداعيات التقارب التركي - الإيراني المشار إليه بإيفاد وزير الدفاع الأمريكي إلى أنقرة التي وصلها قبل أن يصل إلى بغداد وأربيل (2017/‏8/‏23). وكان البنتاجون حريصاً على توضيح أن ماتيس سيلتقي الرئيس التركي خلال وجود في أنقرة لتأكيد «التزام الولايات المتحدة القوي بدعم تركيا كشريك مهم في حلف الناتو، كما سيبحث مع المسؤولين الأتراك سبل تعزيز الأمن الإقليمي لتركيا والمخاوف الأمنية لأنقرة، ومن بينها ما يتعلق بحربها ضد حزب العمال الكردستاني».

إضافة إلى ذلك يأتي تركيز الأطراف المناوئة للتقارب التركي- الإيراني على التضخيم من مخاطر «الأطماع الإيرانية في سوريا» وانعكاساتها سلبياً على تركيا خصوصاً إذا نجحت إيران في تنفيذ خطتها بإقامة الخط البري الممتد من إيران إلى شواطئ البحر المتوسط في سوريا ولبنان عبر الأراضي العراقية والسورية. إضافة إلى حرص واشنطن على توسيع شقة الخلاف بين روسيا وإيران يواجه بتحديات من إيران التي تعرقل هذا المسعى لصالح الخيار العسكري لتوسيع سيطرة الجيش السوري على أوسع مساحات من الأراضي السورية على حساب المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وعلى الأخص مناطق انسحاب تنظيم «داعش» واقترابه بالتالي من الحدود التركية.
هذه العوامل التي قد تدفع تركيا للتراجع، أو على الأقل للتريث، في تصعيد تعاونها مع إيران تقابلها عوامل أخرى تحفز إيران على الإمساك بالفرصة المتاحة لتعميق العلاقة مع تركيا من أبرزها أجواء الأزمة المتصاعدة التي تخوضها إيران مع الإدارة الأمريكية حول ملفها النووي، وهذه الأزمة تجعل إيران في حاجة إلى حلفاء مثل تركيا، إلى جانب الحرص الأمريكي على تجديد الوجود والنفوذ العسكري في العراق على حساب النفوذ الإيراني.
أسباب وحوافز مهمة تدفع إيران إلى التقارب مع تركيا لكنها تواجَه بعراقيل قد تفسر هذه الطموحات، وهذا ما سوف تظهره، الزيارة المحتملة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لطهران.
عن الخليج الاماراتية