في بيتنا عيد؟!

qw6w3.jpg
حجم الخط

كما هو الحال في الأعوام الأخيرة يحل علينا عيد الأضحى المبارك والوضع الفلسطيني في أصعب حالاته، ليس من الناحية السياسية فحسب، وإنما من مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية، غير أن الوضع الاقتصادي بالذات يفاقم من صعوبات الحياة.
ليس هناك من جديد يتعلق بخريطة الانقسام الداخلي الفلسطيني، الذي أثر بشكل أو بآخر على الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً في الآونة الأخيرة، ولا يزال لسان حال فرقاء الانقسام يعيد تكرار خطاب الاقتتال وتكريس الفرقة.
وحده المواطن من يكتوي بنار هذا الانقسام اللعين، لأنه مع الأسف الشديد لا يصيب القيادات السياسية، سواء في الصف الأول أو تلك التي في الصف الثاني، فمن الطبيعي أن تظل شرائح من النخب في قصور عاجية بعيدة عن مآسي الحياة وغلاء الأسعار وتدهور القوة الشرائية.
يأتي العيد علينا هذا العام والمواطن مفلس من جميع الجهات، لا يكترث بالسياسة الداخلية ولا إلى الصراع مع الاحتلال، وأكثر ما يعنيه هو تأمين قوت يومه وأسرته، ففي النهاية حين يرى سوء الأداء السلطوي والحزبي والاستهتار في التفاعل مع قضايا جد وطنية، فإنه سينزوي للبحث حول ما يخصه تحديداً.
القيادات السياسية وفرقاء الانقسام لم يفعلوا شيئاً مفيداً للمواطن، باستثناء خروج قرارات هي في أغلبها ضد رزقه، وإذا ما أريد مناقشة واقع الانقسام وتداعياته الخطيرة بجدية، ووضع مجهر كبير عليها، نجد أن كل طرف يسرد قائمة طويلة من الاتهامات للطرف الآخر.
مع الأسف الشديد حين يجري الحديث عن مبادرة لإعادة الصف الوطني واللحمة بين فرقاء الانقسام، تصبح هذه المبادرة مادة لتعميق الانقسام والكراهية بين هؤلاء، والشواهد كثيرة جداً على وجود مبادرات شكلت وقوداً لزيادة الفرقة الداخلية، فهناك اتفاق مكة والقاهرة والشاطئ وإعلان الدوحة، وجميعها جاءت في مراحل مختلفة، وزادت من الطين بلة.
السلطة الفلسطينية تكافح من أجل البقاء صامدة في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية التي تسعى إلى جعلها سلطة دون أدوات ولا ما يحزنون، سلطة منزوعة القرار السياسي ولديها قدرة بسيطة من المناورة اقتصادياً لضبط الوضع الاقتصادي الفلسطيني.
أما سلطة "حماس" في قطاع غزة، فعدا كونها خاضعة لحصار دولي لم يؤثر كثيراً على وضعها بالعموم، فإنها ارتأت أن تُرحّل هذا الحصار إلى الشعب الفلسطيني الذي فقد القدرة على التعايش مع واقع صعب لا يحسد عليه أبداً.
"حماس" لا تعيش حصاراً في قطاع غزة، لأنها تتمتع بقدر من المرونة الذي يُحوّل أعداءها إلى أصدقاء أو أطراف محايدة في أسوأ الحالات، فإذا كانت العلاقة مع إيران في أسوأ حالاتها من قبل فإنها اليوم علاقة حب من طرفين.
قائد الحركة في غزة يحيى السنوار قال بعظمة لسانه: إن "حماس" أصلحت العلاقة مع إيران وإن الأخيرة الداعم الأكبر لـ"حماس" بالمال والسلاح، وليست طهران البلد الوحيد الذي يدعم الحركة الحمساوية، فهي تحصل على دعم من قطر وتركيا.
لا تشعر "حماس" بأنها تعيش في "طنجرة ضغط" وهي التي يمكنها أن تقدم بعض التنازلات السياسية في سبيل بقائها في الحكم، فالمهم بالنسبة لها هو الدوام على رأس السلطة حتى لو كلفها ذلك التحول من مقاومة تضرب في العمق الإسرائيلي وتُلوّح بالقذائف العسكرية، إلى مقاومة ناعمة تعتمد رد الفعل وحسب طبيعة المرحلة.
لا يهمنا كيف تعيش السلطة الفلسطينية أو "حماس"، بل إن الأهم في كل هذا هو المواطن الفلسطيني الذي لا ينظر إليه أحد، خصوصاً ذلك المواطن الذي يعيش في غزة أوضاعاً لا يعيشها الإنسان الطبيعي، وفي حقيقة الأمر لا يمكن القول: إن الناس في غزة طبيعيون.
هؤلاء لم يعودوا طبيعيين بالفعل لأنهم اضطروا إلى التكيف مع ظروف في غاية التعقيد والصعوبة، بطالة مرتفعة ومطردة تزيد على 50% من حجم السكان في القطاع، وضعف قدرة شرائية كبير وأزمة كهرباء ومياه تنعكس على الحالة النفسية للجميع.
لا يمكن بأي حال من الأحوال توصيف المشهد الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة، ذلك أن الوضع المعيشي وصل مرحلة الخطر، وفي ظل الأوضاع الحالية لا يمكن لأي فلسطيني أن يعيش في هذا المربع الساخن.
ولو أن معبر رفح البري يفتح لأيام طويلة مع بقاء الحال على ما هو عليه، سنلحظ بالتأكيد موجة من الهجرة الفلسطينية إلى خارج قطاع غزة، بحثاً عن حياة آدمية ممكنة، تعطي أملاً لجيل الشباب الذي يمتلك قدرات كبيرة لا أحد يستفيد منها.
الناس بحاجة للتنفس الطبيعي، هذا الذي فقدته في ظل الانقسام الملعون وفي ظل حالة الحصار الدولي والداخلي الذي بات في حقيقة الأمر يغير في هويتهم ونظرتهم للحياة والنضال الوطني، وفي نسيجهم الاجتماعي.
يخشى من أن يأتي يوم على الفلسطينيين يندمون فيه على فلسطينيتهم وهويتهم بسبب هذا الاقتتال الذي يبغضونه ويكفرون فيه ليل نهار، فهو المتسبب في تراجع الحماس الوطني وهو المتسبب في تدهور الحال المعيشي وزيادة الحساسية الاجتماعية من التنظيمات الحاكمة.
يمر العيد كئيباً على الفلسطينيين الذين لا يمتلك الأغلب منهم نقوداً كافية لشراء مستلزمات العيد لأسرته وإسعاد أبنائه وأقاربه، فقد غابت مظاهر الفرحة في منازل كثيرة، بينما أخرى تعاني من كرب وضيق شديدين على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
أغلب الظن أننا سنتفاجأ يوماً من الأيام بوجود انتفاضة داخلية ترفض هذا الانقسام الصعب الذي حوّل كل شيء، بما فيها الأعياد إلى مآتم وأحزان، فإذا ظل الحال على ما هو عليه، فمن المرجح ألا يتمكن الفلسطينيون من قبول هذا الواقع.
قطاع غزة لا يصلح للعيش أبداً، ولا تكفي مناشدات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي زار القطاع مؤخراً وتحدث عن ضرورات الوحدة الداخلية واستئناف عملية السلام، ووصف الوضع في غزة بأنه "أحد أسوأ الأزمات الإنسانية التي شهدها خلال سنوات عمله الطويلة في المجال الإنساني بالأمم المتحدة".
غزة تغلي وكل مواطن فيها هو بمثابة برميل بارود، وصرختها حاضرة كل الوقت، غير أنها بحاجة إلى سرعة حركة واستجابة من قبل القائمين على الانقسام الداخلي، إما للعودة عن هذا الانقسام أو أقله لتخفيف الحصار عنها واستثنائها من تناقضاتهم وبرامجهم الخاصة.