المستوطنات من المنديل إلى الكعب العالي

thumbgen (12).jpg
حجم الخط

 

نشرت صحيفة واشنطن بوست، ضمن صفحات الأمن القومي (الأميركي) تقريراً عن المساعي الأميركية لمنع الأمم المتحدة من نشر قائمة سوداء باسم الشركات التي تعمل في المستوطنات الإسرائيلية. ونشرت الصحيفة بعض أسماء الشركات الأميركية التي وردت في القائمة. ويتضح من قراءة أسماء هذه الشركات أنّه سيكون بإمكان الأفراد المؤيدين للمقاطعة الحصول على قائمة معتمدة بمن يستثمر في الاحتلال. في الوقت ذاته، فإنّ الجدل الحالي هو "هل إسرائيل فوق المساءلة والقانون؟". 
تربط الولايات المتحدة نفسها من خلال الفريق "الدبلوماسي" الصهيوني الذي اختاره دونالد ترامب خصوصاً للتعامل مع الشأن الإسرائيلي بالاحتلال في خطوة متقدمة تتفوق على سياسات الإدارات السابقة، التي لم تتوانَ يوما عن دعم الجانب الإسرائيلي، ولكن في هذه الإدارة يوجد من يدافع عن الاستيطان والاحتلال بشكل غير مسبوق. ويمكن الإشارة لشخصين يعملان لخدمة الاحتلال بشكل خاص؛ الأول هو ديفيد فريدمان، السفير الأميركي لدى الإسرائيليين، وأحد داعمي ونشطاء بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، والذي كان يعمل محامي إفلاس والذي خطا خطوة جديدة في تشريع الاحتلال، عبر استخدامه عبارة "الاحتلال المزعوم"، في لقاء صحافي مؤخرا، للإشارة للأراضي المحتلة عام 1967 واعلانه تمسكه بإديولوجيته المؤيدة للاستيطان. والشخص الثاني هو نيكي هيلي، مندوبة الولايات المتحدة الأميركية، لدى الأمم المتحدة، التي حذرت في خطابها أمام لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية (إيباك) المعروفة أيضاً باسم اللوبي الإسرائيلي، في شهر آيار (مايو) الفائت، أنّ حذاءها ذو كعب عال، "لا من أجل الموضة، بل لتضرب به كلما كان هناك خطأ"، والخطأ برأيها هو انتقاد إسرائيل. ولعبت "صاحبة الكعب العالي" دوراً رئيسياً في الحملة ضد تقرير اللجنة الاجتماعية والاقتصادية  لغربي آسيا (الإسكوا) الذي يوثق الأبارتهايد الإسرائيلي في آذار (مارس) الفائت، وفي منع تعيين الفلسطيني سلام فياض، في موقع مندوب الأمم المتحدة إلى ليبيا. 
عندما تضع "واشنطن بوست" الصحيفة الرصينة، خبر الجهد الأميركي لمنع نشر قائمة الشركات فإنّها تعكس الموقف الأميركي الذي يتعامل مع الشأن الإسرائيلي باعتباره شأنا أميركيا خالصا، خصوصاً في ظل مثل هذه الإدارة الأميركية الحالية. 
قبل نحو عشرين عاماً، وتحديداً في نهاية العام 1998، أمسك مسؤول ملف المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات، بيد طفلة تدعى نهاد، وجعلها تتحدث مع الرئيس الأميركي بل كلينتون عن والدها الأسير محمد زقوت، وأبكت الطفلة وما ترجمه عريقات من كلماتها، الرئيس الأميركي فمسح دموعه بمنديل أعطاه لنهاد لتمسح دمعها، ووعدها أن يعمل على إطلاق سراحه خلال شهر، ما كان سيصادف عيد الفطر. ولكن الموعد مضى وسنوات تلته دون تحقق الوعد. على أنّ من المهم التوقف عند كيف كان خطاب الأسرى وإطلاقهم يكسب شرعية وتعاطفاً حتى عند رئيس الولايات المتحدة، الحليف والداعم الأول لدولة الاحتلال، وكيف بات الحديث عن الأسرى وأنهم إرهابيون وأي مساعدات لأسرهم دعما للإرهاب هو في جوهر الخطاب الأميركي اليوم.
تتضمن الشركات التي تضمها قائمة مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، شركات كما جاء في "واشنطن بوست" مثل كتربلر، وشركات ومواقع السياحة على الإنترنت "ترب أدفايزر"، و"برايس لاين"، وغيرها، ما يعني أنّ المقاطعة قد يقوم بها أفراد الآن، مثلما تقوم بها دول وشركات. وينوي مجلس حقوق الإنسان، إنهاء القائمة مع نهاية العام، ويطالب مسؤولون أميركيون بعدم إعلان القائمة للعلن. 
ما يخشاه الأميركيون، وهو ما صرحت به نيكي هيلي ذاتها، أنّ القائمة التي لا يوجد لها قوة قانونية على الدول الأعضاء، ستشرّع فكرة المقاطعة، وقد يتبناها مجلس الأمن في الأمم المتحدة يوماً، وستكون مقدمة لتقبل العالم لفكرة عقاب ومقاطعة إسرائيل ككل، وليس المستوطنات فقط. 
سيكون لإعلان القائمة أهمية كبرى، من ضمنها إخراج موضوع اتهام الشركات بدعم الاحتلال، من حيز الدعاية والتوقعات، إلى عملية رسمية فيها إدانة فعلية لهذه الشركات، ما يفرض عليها التراجع عن استثماراتها وسياساتها الداعمة للاحتلال، ويفرض على الوكلاء العرب لهذه الشركات أن ينقذوا أسواقهم بالضغط على الشركة الأم لتنسحب من سوق الاستيطان والاحتلال، وسيتيح للأفراد قائمة معتمدة لمقاطعتها.

عن الغد الأردنية