هل تأتي البشرى من القاهرة؟

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

في الوقت الذي تعيش فيه مصر أحداث دامية وبرغم العملية الإجرامية التي نفذها تنظيم «داعش» الإرهابي ضد قافلة أمنية مصرية قرب العريش والتي أدت إلى سقوط 18 شرطياً مصرياً وإصابة عدد آخر من رجال الأمن، لا تزال ترد الأخبار من القاهرة التي تحمل نبرة إيجابية تصدر عن اجتماعات المكتب السياسي لحركة «حماس»، وهذا إنما يؤكد على دور مصر الحيوي في رعاية المصالحة الفلسطينية ودفعها إلى الأمام وربما نجاحها الكامل لاحقاً، حيث فشلت عواصم أخرى في هذه المهمة.
البيان الذي صدر عن حركة «حماس» في اعقاب اجتماع وفدها مع وزير المخابرات المصري اللواء خالد فوزي يتحدث عن استعداد «حماس» الفوري لحل اللجنة الإدارية وتمكين حكومة التوافق من ممارسة صلاحياتها الكاملة في قطاع غزة وإجراء الانتخابات، وأنها مستعدة للجلوس والحوار مع حركة «فتح» لإبرام اتفاق ووضع آليات التنفيذ. كما أن موقف «حماس» من الأمن في مصر واعتبار تنظيم الدولة الإسلامية عدواً مشتركاً وقيامها بالخطوات المطلوبة منها في الجانب الفلسطيني من الحدود وخاصة إقامة المنطقة العازلة ووضع الأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة ومنع التهريب بشكل ملموس، كلها أمور تشير إلى تطور العلاقة بين مصر و»حماس»، وهو أمر يبعث على الارتياح ويبشر بنجاح الجهود المصرية في ملف المصالحة.
هذه الأجواء الإيجابية التي تعكسها تصريحات قيادة «حماس» يجب أن تنعكس في خطوات ملموسة وفورية تجاه انجاز ملف الوحدة الوطنية، خاصة وأن مسألة المصالحة المجتمعية بين ضحايا الانقلاب، أهالي القتلى والقتلة تتقدم أيضاً. واليوم حركة «حماس» مطالبة بحل اللجنة الوزارية فوراً ودون تأخير وإفساح المجال أمام وقف الإجراءات العقابية التي اتخذتها السلطة تجاه قطاع غزة وخاصة تقليص الرواتب وإخراج أعداد كبيرة من الموظفين إلى التقاعد المبكر، وقطع الرواتب، ووقف بعض الموازنات. فإذا قامت «حماس» بالخطوة الأولى فإنها ستساهم بصورة جدية في خلق الأجواء لمصالحة ووحدة وطنية تحتاجها القضية الوطنية بشدة في هذه الأيام، حيث تشتد الهجمة الاستيطانية، وعملية تهويد القدس ومناطق واسعة من الضفة الغربية، وحيث تقترب الإدارة الأميركية من تقديم اقتراح لاستئناف العملية السياسية قد لا يرقى إلى الحد الأدنى المقبول فلسطينياً حتى للبدء في المفاوضات.
قد يقول قائل: ما هي الضمانات التي يمكن تقديمها لـ»حماس» بأن الإجراءات التي أقدمت عليها السلطة سيتم التراجع عنها، وتلك التي ستساهم في حل مسألة الموظفين الجدد، أو عقد الإطار القيادي المؤقت والذهاب لانتخابات عامة؟، في الواقع لا توجد ضمانات، ولكن «حماس» تستطيع التأكد من قيام القيادة بهذه الخطوات بعد أن تبادر هي بالخطوة الأولى، وإذا أخلت القيادة تعود «حماس» للجنتها الإدارية ولخطواتها الأحادية. وعلى الأقل تكون قد أثبتت حسن نواياها وجديتها في موضوع المصالحة وتغيير الواقع المأساوي القائم في القطاع المسكين والبائس.
يوجد سبب حقيقي للاعتقاد أن الأمور تتغير نحو الأفضل، فسماح القاهرة باجتماعات المكتب السياسي لحركة «حماس» على الأراضي المصرية واللقاءات رفيعة المستوى التي جرت، تشير كلها إلى تطور في العلاقة المصرية مع «حماس» وهذا يتيح هامشا أكبر لمصر للانتقال من الملف الأمني إلى ملفات سياسية أخرى ربما يكون من أهمها ملف المصالحة. وإذا صدقت التصريحات التي أطلقتها «حماس» ربما تكون هناك فرصة أكثر جدية من أي وقت مضى لإحداث اختراق في هذه الملف السيئ الذي يستنزف الشعب الفلسطيني.
        تصريحات «حماس» ينبغي أن تقابل بتصريحات إيجابية من قبل السلطة الوطنية تعكس الترحيب والاستعداد للتجاوب مع الخطوة الأولى التي يمكن أن تقدم عليها «حماس» وهي حل اللجنة الإدارية، علماً بأن السلطة أبت في السابق استعداداً لوقف وإلغاء الإجراءات العقابية في حال إقدام «حماس» على حل اللجنة الإدارية. وإذا كانت «حماس» مطالبة بالإثبات بأنها تعني ما تقول فواجب السلطة أن تقدم كل ما يمكن لإنجاح عملية المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية بين شقي الوطن وبين مختلف القوى السياسية.
           أي خطوة باتجاه الوحدة يجب أن تنعكس في إعادة ترتيب الوضع الداخلي بدءا من تأمين إعادة تشكيل المجلس الوطني وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة، وإجراء الانتخابات العامة وضخ الدماء في المؤسسات الفلسطينية المختلفة، وانتهاءً بوضع برنامج وطني جديد للتصدي لواقع الاحتلال والاستيطان والتهويد، بل والاستعداد والجاهزية لعملية سياسية قد تكون متاحة في المستقبل المنظور. وإذا ما أنجزت الوحدة الوطنية ستحدث تطورات مهمة على الملف السياسي بدون شك أقلها أن الشعب الفلسطيني سيصبح أقوى وأقدر على التعامل مع الاحتلال، وسيبدأ الأعداء والأصدقاء بأخذنا على محمل الجد، وسيتغير سلوكهم نحونا. وسنثبت للعالم أجمع أننا شعب مؤهل ومستعد لإدارة نفسه بنفسه، بل وجاهز تماماً للاستقلال والدولة وقادر على تحمل المسؤولية وحفظ الأمن والاستقرار في هذه المنطقة فور انتهاء الاحتلال وحصوله على الحرية. ولا معنى للحديث عن مطالبة العالم بالانتصار لنا لأن قضيتنا عادلة وهي بحق عادلة ولا توجد أية شكوك دولية بها، طالما أننا لا ننتصر لأنفسنا ونقوم بواجباتنا البيتية.