04 حزيران 2015
عام كامل مر على ولادة حكومات الوفاق الوطني، لكنها لم تحتفل، ولا مجال لأن نقول لها: «كل عام وأنت بخير». الحكومة معنية بتقديم كشف حساب لما أنجزته أو فشلت في إنجازه من المهمات التي أنيطت بها، ولكن إن سألت المواطن في غزة، خصوصاً فإنه سيقول بملء الفم إن المحصلة صفر.
يستفيض الكتاب والصحافيون، والسياسيون والمراقبون، في تحميل الحكومة المسؤولية عما وقع، ولكنني أعتقد أن هذه الحكومة بريئة مما ينسب إليها من فشل أو بالأحرى من عجز عن تحقيق ما تشكلت لتحقيقه. كانت الحكومة التي تشكلت من شخصيات وطنية محترمة وكفؤة لكي تنجز خلال ستة أشهر ثلاثة ملفات أساسية هي دمج الموظفين في هيكليات وزارية موحدة، والتحضير للانتخابات العامة، بالإضافة إلى إعادة الإعمار ورفع الحصار.
بعد تشكيل الحكومة بحوالي الشهر، شنت إسرائيل عدوانها البشع على قطاع غزة، وكانت المصالحة، وعنوانها الحكومة، واحدة من استهدافات العدوان، الذي أراد الإطاحة بها، وتعميق حالة الانقسام فيما أدى العدوان إلى تضخيم ملف إعادة الإعمار، وإخضاعه لاشتراطات معقدة وصعبة، لخص تعقيداتها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالقول إن هذه العملية ستظل صعبة طالما لم يستتب الهدوء.
وزير الخارجية الألماني الذي زار قطاع غزة هذا الأسبوع برفقة وفد كبير لخص هو الآخر، رؤيته بطرح معادلة ليست بعيدة عما طرحه كي مون حين قال «التنمية مقابل الأمن».
والسؤال هل تستطيع الحكومة أن تجيب عن السؤال الذي طرحه كل من بان كي مون، ووزير الخارجية الألماني.
يتعلق الأمر بموضوع المقاومة وسلاحها، وهو موضوع معقد لكل الأطراف وتجنبت اتفاقيات المصالحة تناوله، والحوار بشأنه.
من الواضح أن السلطة الفلسطينية الملتزمة باتفاقيات أوسلو، لا تستطيع تحمل المسؤولية عن هذا الملف، الذي ترى إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي وأميركا انه مخالف لقيود واشتراطات أوسلو، وفي الوقت ذاته لا تستطيع السلطة أن تمارس دورها في قطاع غزة، فيما لا تستطيع التقرير بشأن هذا الملف. ومن الواضح، أيضاً، أن لا المقاومة تستطيع التكيف مع سلطة ملتزمة بأوسلو، ولا سلطة تستطيع التكيف مع وجود مقاومة فاعلة، قوية مدججة بالصواريخ والوسائل القتالية.
الأوروبيون منذ بعض الوقت يقومون باتصالات مباشرة وغير مباشرة مع حركة حماس، وملف المقاومة والسلاح هو الملف الحاضر دوماً، وان كان يطرح بطرق مبطّنة في بعض الأحيان. لا يخفى أن بعض الأطراف الدولية، كما إسرائيل راهنت على أن العدوان السابق على قطاع غزة، قد يحل هذه العقدة، وكانت إسرائيل قد ادعت أنها دمرت شبكة الأنفاق الهجومية، وأكثر من 70% من القدرات الصاروخية والقتالية للمقاومة.
غير أن إسرائيل عادت بعد الحرب، وقبل مرور عام عليها لتشكو من أن كتائب القسام، قد أعادت بناء وترميم شبكة الأنفاق، وأنها تواصل تدريباتها، وإجراء التجارب على صواريخ جديدة، ما يعني ان الملف لا يزال قائماً بقوة. على أن الطروحات الأوروبية على غرار ما طرحه وزير خارجية ألمانيا، لا تقدم حلولاً ومعالجات معقولة، فهي تطلب من حركات المقاومة، أن تتخلى عن سلاحها ودورها، وأن تقوم بحراسة أمن إسرائيل مقابل الخبز، وتدفق مواد إعادة الإعمار. الثمن بخس، بل إنه يرتب على الطرف الفلسطيني، أن يدفع ثمن عذاباته، وضحاياه وما ارتكبته إسرائيل بحقه من جرائم حرب. في الواقع لم يقدم أي طرف فلسطيني أي مقاربة أو معالجة لهذا الملف ولو على الطريقة الفلسطينية بما يسهل عملية المصالحة وتوحيد المؤسسة الوطنية والقرار، فكل الاتفاقيات التي صدرت تحت مسمى المصالحة لم تقترب من قريب أو بعيد لهذا الموضوع.
تعرف كل الأطراف الفلسطينية المعنية وغير المعنية، مدى أهمية وخطورة وإلحاحية هذا الملف، ومدى علاقته بملف المصالحة.
إذا كان هذا الملف ينطوي على كل هذه التعقيدات، فإن الملف الأساسي الذي جرى تجاهله، وتأجيل البحث فيه هو الملف السياسي.
السؤال هل تستطيع الحكومة أن تمارس مهماتها، ومهماتها في جوهرها وأبعادها سياسية، بدون أن يكون هناك توافق سياسي؟
حتى موضوع الرواتب، ودمج الموظفين، فهو موضوع سياسي طالما أنه يتطلب مالاً، والمال الذي يصل إلى السلطة هو مال سياسي.
المشكلة ليست عند الحكومة، فهي جادة ومستعدة للقيام بالوظائف التي أوكلها إليها التوافق الحمساوي الفتحاوي، وبالتالي فإن مسألة فشلها أو عجزها مرده في الأساس لغياب التوافق السياسي. يستطيع أي طرف من الطرفين حماس وفتح أن يضع «فيتو» كبيرة أمام عمل الحكومة، في أي وقت حين يشعر أن عملها لا يتفق مع مصلحته أو رؤيته للمصالحة.
وفي ظل غياب الحوار السياسي، وتغييب المرجعية القيادية المؤقتة لمنظمة التحرير، التي يمكن أن تشكل إطاراً للحوار والتوافق، فإن الحكومة يمكن أن تستمر في مربع المراوحة والانتظار. غير أن هذه الوضعية ستعطي إسرائيل ومن يعاونها ويتعاون معها من الأطراف الدولية الفرصة لملء الفراغ والتقدم بمشاريعها ومخططاتها السياسية التي تقصف بكل الوسائل الحقوق الوطنية الفلسطينية. المسؤولية الوطنية والتاريخية تقتضي من عنوان المسؤولية الوطنية، المبادرة لاستدراك هذه الاختلالات الكبيرة، قبل أن يصبح ما هو ممكن اليوم غير ممكن غداً.