القى أمس الثلاثاء الرئيس ترامب خطابه الأول في الجمعية العامة للامم المتحدة مع بدء دورة اعمالها ال72. وإنتظر العالم ان يحمل الخطاب جديدا ما لتعزيز جسور السلام والتعاون بين الأمم والشعوب، والتأصيل لصفقة القرن على المسار الفلسطيني الإسرائيلي. لكن ساكن البيت الأبيض نضح جيدا من الوعاء الذي نهل منه تاريخيا مواقفه السياسية غير الإيجابية تجاه شعوب الأرض قاطبة. وجاء منسجما مع توجهات أميركا البوليسية كشرطي وجلاد على العالم، حيث حمل خطاب الرئيس دونالد ترامب أكثر من تهديد، وتلويح بإستخدام القوة العسكرية واسلحة الدمار الشامل لتدمير دولة كوريا الشمالية، وهدد إيران بالغاء الإتفاق الدولي بشأن الملف النووي إرضاءا لإسرائيل وأقطاب الإيباك واللوبي الصهيوني في أميركا، ومجد قوة ومكانة الأمة الأميركية، وتحدث عن إنجازاته "غير المسبوقة" منذ عقود....إلخ
خطاب طويل جال فيه الرئيس ترامب على مدار ثلاثة ارباع الساعة تقريبا على مختلف قضايا اميركا الداخلية والعالم في القارات الخمس، ولم يترك شاردة او واردة إلآ وتعرض لها. ومع انه تحدث عن ضرورة إصلاح منظمة الأمم المتحدة، وضرورة إشرافها وتوليها مكانتها كمرجعية للسلام ونشره في اصقاع العالم المختلفة، وندد وهاجم الإرهاب والدول المنتجة للإسلحة النووية، إلآ انه لم يتطرق لقضية السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وكأنها قضية "غير موجودة"، أو كأنه غير ذي صلة بها، وهذا بحد ذاته يكشف بؤس وعقم خطاب الرئيس الأميركي. واي كانت التباينات والإجتهادات بينه وبين الفلسطينيين والعرب، هذا إن كان هناك تباينات من اصله (فهو لم يبلور موقفا محددا حتى يكون تباين او توافق) حول هذه النقطة او تلك، فكان الأجدر براعي عملية السلام الأول ان يقول كلمة وموقفا واضحا ومحددا تجاه عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية ولو بشكل عام. كأن يؤكد على اهمية وأولوية التعايش والسلام بين شعوب المنطقة على حساب سياسات الإستعمار الإستيطاني، التي تساهم في خلق المزيد من التوتر وإشعال الحرائق في المنطقة والعالم. وايضا طالما اشار لما يجب على الأمم المتحدة ان تكون عليه تجاه قضايا السلام في العالم، فكان الأجدر ان يعلن اهمية واولوية دورها كمرجعية للسلام في العملية السياسية الفلسطينية الإسرائيلية، وان يفسح لها المجال لممارسة دورها كمرجعية أممية للشرعية الدولية بدل فرض المواقف والسياسات الأميركية المتواطئة مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، والتي لم تحرك حجرا إستعماريا واحدا من مكانه، بل تواصل سياسة الضغط والإبتزاز للشعب والقيادة الفلسطينية، وتسعى لفرض الخيارات السياسية والأمنية عليه، التي تخدم الأجندة الإستعمارية الإسرائيلية.
والهروب الترامبي المكشوف من التطرق لموضوع السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، ليس له علاقة باللقاء (الذي يفترض ان يتم بعد قليل او قد يكون تم الآن مع كتابة هذا المقال في العاشرة من صباح أميركا) الذي سيجمعه مع الرئيس ابو مازن وقبيل إلقائه خطابه بثلاث ساعات. ولو كان معنيا بتعزيز مناخ اللقاء مع رئيس دولة فلسطين لكان مهد لذلك بالتعهد والإلتزام ببناء الصفقة الكبرى على اساس خيار حل الدولتين على حدود ال67. لكن عندما لا يتعرض من قريب او بعيد للمسألة الفلسطينية، وكأنه يقول للرئيس عباس والشعب الفلسطيني، انتم وقضيتكم لستم اولوية للولايات المتحدة. وكل قضايا العالم سابقة عليكم في الأهمية والمكانة. ومن سمع خطاب نتنياهو، رئيس حكومة الإئتلاف اليميني الحاكم في تل ابيب، لاحظ انه ايضا تهرب من الحديث عن السلام. وركز جل خطابه على الملف الإيراني. وكأن هناك تناغم وتوافق بين الحليفين الإستراتيجيين الأميركي والإسرائيلي على طمس قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبالتالي إلقاء الظلال على قضية العصر، والقضية الأهم في العالم، والتي دون حلها لا يمكن ان يكون هناك سلام وإستقرار في المنطقة والعالم.
المحصلة خطاب ترامب كان خطابا بائسا وضعيفا ومفككا، ولا يليق برئيس الولايات المتحدة. لإنه خطاب عدواني وإستفزازي وتسلطي، وخطاب يحمل التغني بالنرجسية الأميركية، وهو ما يشي بطغيان البعد العنصري، كونه أعلا من شأن المكانة الأميركية على حساب الأمم والشعوب الأخرى