بعد عشر سنوات من انشطار «دولة السلطة الوطنية الفلسطينية تحت الاحتلال» عام 2007 إلى دولتين، تتخذ إحداهما من «رام الله» عاصمة لها، ومن محمود عباس رئيساً لها، وتتخذ الأخرى من مدينة غزة عاصمة، ومن إسماعيل هنية زعيماً، أعلنت السلطات المعنية فى الدولتين بشكل مفاجئ، عن نجاح الوساطة المصرية، فى التقريب بين وجهتى نظريهما، فقررت «حركة حماس» التى كانت تحكم قطاع غزة باسم «اللجنة الإدارية»، حل حكومتها، ودعت حكومة «رام الحمد الله» التى تحكم «رام الله» إلى ممارسة مهامها فى القطاع، وعبرت عن استعدادها لتلبية الدعوة المصرية، بالدخول فى حوار مع حركة «فتح» تشارك فيه الفصائل الفلسطينية، حول آليات تنفيذ اتفاق القاهرة لعام 2011 وملحقاته، ومن بينها تشكيل حكومة وحدة وطنية!
وليست هذه أول مرة، يتصاعد فيها التفاؤل باقتراب التوصل إلى اتفاق للمصالحة الوطنية بين «فتح» و«حماس».. ولن تكون الأخيرة، وفى كل مرة، كان الطرفان يعلنان أن الوساطة بينهما قد نجحت، وأنها قادتهما إلى التوصل إلى اتفاقيات والتوقيع على وثائق، ثم تظل هذه الوثائق والاتفاقيات مجرد حبر على ورق ويكتفى كل طرف باتهام الآخر بأنه ليس صادقاً فى سعيه للاتفاق أو حرصه على المصالحة، على نحو ساد معه الاعتقاد، لدى كل الأطراف التى يعنيها أمر القضية الفلسطينية، بأن كلاً من الطرفين الفلسطينيين المتخاصمين، حريص على استدامة الخلاف حتى لا يفقد ما يعتقد أن الخصام قد حققه له من مكاسب!
وعلى العكس مما يعتقد الطرفان، فإن السنوات العشر التى استمر فيها الانقسام بين «دولة رام الله الفتحاوية الديمقراطية المحتلة» و«إمارة غزة الحمساوية المحاصرة براً وبحراً وجواً»، قد أسفرت عن خسارة كل الأطراف الفلسطينية، وعن فقدها كل ما حققته من تعاطف لدى الرأى العام العربى والعالمى.. بعد أن تحولت من قضية حقوق وطنية، تدعمها كل قوى التحرر الوطنى فى العالم، إلى قضية طائفية بين اليهود والمسلمين، وبعد أن عجزت خلال هذه السنوات وما قبلها، عن التوصل إلى رؤية تقودها إلى تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة، سواء كان ذلك اعتماداً على نفسها أو كان بالمشاركة مع غيرها.. مما اضطرها إلى القيام بمغامرات عسكرية تفوق قدرتها على مواصلة الصراع.
وقد يكون من السابق لأوانه، الآن، أن يتوقع أحد أن تسفر هذه الجولة من المصالحة الفلسطينية بين «فتح» و«حماس» عن نتائج أسرع وأفضل مما حققته الجولات السابقة، إذ لايزال فى جدول أعمال المصالحة، عدد من العقبات التى لم يتم التوصل بين الطرفين إلى تفاهمات بشأنها، وفى الطليعة منها قضية أمن قطاع غزة، ومستقبل تسليح كتائب عزالدين القسام - الجناح العسكرى لحماس- وغيرها من الفصائل المسلحة.. إذ تتمسك «حماس» بأن تظل قضية أمن القطاع فى إطار مسؤوليتها، ولن تفرط فيه وتتنازل عنه، إلى أن تتم تسوية المسألة الأمنية.
من العوامل الإيجابية التى يرى بعض المراقبين أنها قد تدعو إلى درجة من التفاؤل الحذر، بأن ينتهى فتح ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية هذه المرة، إلى نتائج تختلف عن النتائج المخيبة للآمال التى انتهى إليها كل مرة، التأكيد الأمريكى بأن هناك ضوءاً أخضر صدر عن البيت الأبيض، يربط بين اتخاذ خطوات جادة على طريق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وبين الشروع فى إجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى برعاية من الرئاسة الأمريكية.. ومن بين هذه العوامل - كذلك - أن «حماس» وافقت على أن تكون حكومة الوفاق الوطنى الفلسطينية هى المسؤولة عن إدارة معبر رفح البرى، والتى تتولى مصر إدارة الجانب المصرى من المعبر.
أما المؤكد فهو أن التطورات المفاجئة التى شهدتها العلاقات بين «فتح» و«حماس» خلال الأسبوع الماضى، لم تكن بعيدة عن التطور فى العلاقات بين «حماس» و«القاهرة»، خلال العام الحالى، وهو التطور الذى بدأ بإعلان انفصال «حماس» عن جماعة الإخوان المسلمين، فى مايو الماضى، ثم بإعادة صياغة العلاقات بين الحركة والعاصمة المصرية، خاصة ما يتعلق منها، بضبط الحدود بين البلدين بما يحول دون استغلالها فى تهريب السلاح إلى العناصر التى تمارس العنف والإرهاب فى سيناء.. وهى كلها تطورات يصعب معها الجزم بأن العلاقات بين العواصم الثلاث، فى القاهرة ورام الله وغزة، قد وصلت إلى درجة تدعو للتفاؤل، كما يصعب- كذلك- الجزم بأنها لاتزال تراوح - كما كانت قبل ذلك، مكانها.
عن المصري اليوم