علمت "القدس العربي" أن هناك محاولات وخططا من قبل جهات وأطراف دولية، تهدف إلى تغيير واقع عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، من خلال نزع الصفة عنها كجهة دولية مختصة بمعالجة "قضايا اللاجئين فقط"، في محاولة لوقف عملية "توريث" صفة لاجئ، وأن جزءا من تلك الخطط بدأت المنظمة الدولية بتطبيقه منذ أشهر داخل مؤسساتها العاملة في المناطق الفلسطينية وبالأخص في قطاع غزة، وهو الأمر الذي دفع الرئيس محمود عباس للتحذير من الأمر في خطابه الأخير في الأمم المتحدة.
الخطة البديلة
وفي تفاصيل الملف، يتضح أن الخطة الأولية التي أعلن عنها مؤخرا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ونادت بحل "الأونروا" وإنهاء عملها بشكل كامل، وإلحاق اللاجئين الفلسطينيين بالمفوضية العامة للاجئين في العالم، باءت بالفشل، كون أن أنظمة المفوضية تقضي بإعادة اللاجئين إلى أوطانهم التي هجروا منها، على غرار أعمالها الحالية في بعض بلدان أفريقيا التي شهدت نزاعات مسلحة، وفي سوريا، ما دفع إسرائيل إلى توجه جديد، تعمل حاليا على تمريره من خلال الضغط على الأمم المتحدة، ويقوم بالأساس على وقف عملية "توريث صفة اللاجئ»، بحيث يتساوى أطفال اللاجئين الجدد مع غيرهم من الفلسطينيين ممن لا يحملون هذه الصفة مستقبلا، في خطوة تهدف إلى إنهاء الملف تماما.
وقد ظهر «فشل حل الأونروا» حين لم تتمكن أحزاب يمينية أوروبية في تمرير طلب بحل "الأونروا" في البرلمان الأوروبي قبل أيام، ما دفع إسرائيل ومناصريها بعد تأكد عدم قدرتها على تمرير هذه الخطة، لبدء اللعب بأوراق الخطة الجديدة، القائمة على إلغاء "توريث صفة اللاجئ"، التي تحتاج إلى وقت من أجل تطبيقها.
لكن مسؤولا دوليا قال لـ "القدس العربي"، إن ذلك سيسبقه العديد من الأفعال التي ستنفذ بصمت من أجل تمرير القرار مستقبلا، مشيرا إلى أن شيئا من هذه المخططات بدأ تطبيقه فعليا. وتطرق المسؤول إلى الأزمة المالية الكبيرة التي تعيشها "الأونروا" منذ أعوام، وتهدد مجمل خدماتها، وتحدث عن الأزمة الأخيرة التي عبر عنها المفوض العام خلال حضوره قبل أيام اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير في مقر الجامعة العربية في القاهرة، حيث يقدر العجز بـ 126 مليون دولار حتى نهاية العام الجاري فقط.
ولا تعاني باقي مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في العالم من مثل هذا العجز، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات مشروعة، تؤكد وجود مخطط تقوده دول وجهات متنفذة في العالم، تهدف في النهاية إلى تغيير مهام "الأونروا"، وهو أمر لم تخفه القيادة الفلسطينية، وعبرت عنه خلال الأسابيع القليلة الماضية أكثر من مرة، آخرها في خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة الأربعاء الماضي.
استشعار رسمي بالخطر
وكان الرئيس عباس قد ناشد في خطابه المجتمع الدولي لمواصلة تقديم الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، حتى تتمكن من الاستمرار في تقديم خدماتها الإنسانية، وحذر من "محاولات تغيير مهام الوكالة وأنظمتها"، كما حذر من شطب البند السابع في مجلس حقوق الإنسان.
وقبل ذلك حذرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيان لها من المخاطر المترتبة على الحملة السياسية التي باشرتها الحكومة الإسرائيلية لتغيير التفويض الممنوح لـ «الأونروا» في مناطق عملها، وأكدت أنها سوف تتصدى بكل قوة مع جماهير الشعب الفلسطيني وخاصة في مخيمات اللجوء، لهذه الدعوات التي تطالب بتفكيك وكالة الغوث ودمجها في منظمات أخرى للأمم المتحدة، كذلك استنكرت الحكومة الفلسطينية المخططات الإسرائيلية الحالية، وأكدت على موقف القيادة والمنظمة المبدئي والثابت تجاه حل قضية اللاجئين الفلسطينيين بتطبيق القرار (194)، ورفض كل أشكال التوطين.
و»الأونروا» هي إحدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة، تم إنشاؤها من قبل الجمعية العمومية عام 1949 وولايتها تقديم العون والحماية للاجئين الفلسطينيين، الذين يصل تعدادهم إلى حوالى خمسة ملايين لاجئ مسجل. وتشمل مهمة «الأونروا» مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة من أجل تقديم أقصى ما يمكن تقديمه في التطور الإنساني حتى إيجاد حل عادل لمحنتهم.
تغيير خطط التوظيف
إلى ذلك علمت «القدس العربي» أن «الأونروا» غيرت من خططها الخاصة بعمليات التوظيف الجديد في مؤسساتها العاملة في قطاع غزة، وذلك من خلال فتح الباب بشكل أكبر أمام توظيف «غير اللاجئين». وعينت «الأونروا» في غزة بإسناد ودعم من قبل مسؤولين أجانب كبار يشرفون على عملها في القطاع، موظفين جددا يعملون في حقل التعليم من فلسطينيين لا يحملون «صفة لاجئ» من قطاع غزة، إضافة إلى تعيين آخرين بوظائف إدارية أخرى، حيث لوحظ زيادة العدد هذا العام بشكل كبير.
وأكد ذلك أحد العاملين في إدارة عمليات «الأونروا» في غزة، موضحا أن الأمر تسبب في حالة جدل كبير، ودفع المعارضين للقرار للاحتجاج خلال اجتماعات عدة عقدت داخل أروقة «المبنى الأزرق»، وهو مقر إدارة عمليات «الأونروا» المركزي في القطاع، والموجود بناحية مبنى آخر لمفوض «الأونروا»، ويحمل اللون ذاته المستمد من علم الأمم المتحدة، كون الأمر لم يحدث من قبل بهذا الشكل الكبير.
وتحظر «الأونروا» على موظفيها الإدلاء بأي تصريحات للصحافيين، كما قامت مؤخرا بتنفيذ خطة قيدت من إبداء موظفيها لآرائهم حول ما يجري من حولهم، على مواقف التواصل الاجتماعي، ولجأت إلى معاقبتهم من خلال إنذارهم بالفصل، وخصم جزء من رواتبهم، وهو أمر حال دون قدرتهم حاليا على انتقاد السياسات الجديدة لهذه المنظمة الدولية.
خلاف داخل المبنى الأزرق
اتساع عملية «التوظيف الجديد « دفع البعض من المشرفين على ملف «خدمات اللاجئين» في مقر غزة للتعبير عن خشيتهم من وجود مخطط يجري تطبيقه بشكل هادئ، لجعل «الأونروا» منظمة دولية تقدم خدماتها لكافة الفلسطينيين دون تمييز بين لاجئ ومواطن، وذلك بخلاف التفويض الذي منح لها عند تأسيسها عام 1949، في أعقاب طرد العصابات اليهودية الفلسطينيين من أراضيهم التي هجروا عنها قبل عام واحد من تأسيس هذه المنظمة، وبشكل يثير الشكوك حول العملية، ومخالفة «جهات متنفذة»، داخل المنظمة الدولية لما يجري بخصوص تغيير التفويض الممنوح لـ»الأونروا» بشكل تدريجي، فإنه رغم التوظيف، لا يسمح لغير اللاجئ تلقي العلاج أو المساعدات الغذائية أو التعليم من مؤسسات «الأونروا»، حيث هناك منظمات دولية أخرى إضافة إلى المؤسسات الحكومية تقدم لهذه الشريحة الخدمات اللازمة.
يذكر أن عدد لاجئي غزة يقدر بأكثر من ثلثي عدد السكان البالغ تعدادهم ملوني شخص، تتفشى بينهم البطالة بمعدلات كبيرة، غالبيتها بحكم العدد من اللاجئين، وترتقع نسب البطالة بشكل كبير في صفوف الخريجين الجامعيين، حسب بيانات وأرقام قدمتها جهات محلية ودولية.