06 حزيران 2015
«نحن في صراع كبير ضد دولة اسرائيل، فثمة حملة دولية لتشويه صورتها. لا يرتبط هذا بأفعالنا، بل يرتبط بمبدأ وجودنا»، هذا ما قاله نتنياهو في افتتاحية جلسة الحكومة. «ليس مهما ما نفعله؛ المهم ما نمثله. هذه ظاهرة عرفناها في تاريخ شعبنا. ما الذي لم يُقل عن الشعب اليهودي؟ قيل عنا إننا نسمم الآبار، نشرب دماء الاطفال الصغار. وكل ذلك يُقال عنا اليوم».
تحدثت وزيرة العدل الجديدة، اييلت شكيد، في الكنيست. حملة المقاطعة حسب اعتقادها مصدرها اللاسامية: «في القرن الماضي قاموا بنزع الشرعية عن اليهود». وأضافت، «اليوم ينزعون الشرعية عن دولة اليهود».
يوجد نوع من الحقيقة في هذا الادعاء، فمحاولات مقاطعة وعزل اسرائيل في الساحة الدولية ليست مفرغة من اللاسامية، ومن الاخلاق المزدوجة. هناك من هم أفضل مني لتفسير وتفصيل اخطاء العالم في هذا الموضوع، وكل كلمة يقولونها تكون مدروسة ومثبتة.
إن كلام ستيفن ريشار، مدير عام «اورنج» العالمية في مؤتمر صحافي في القاهرة، مثال على ذلك. «اورنج» التي كانت في السابق «فرانس تلكوم»، تقدم خدمات الاتصال لـ 230 مليون زبون في العالم. وتقدم لـ»أورنج» الاسرائيلية الاسم فقط. منظمات المقاطعة في فرنسا تطلب منها مرة تلو الاخرى الانفصال عن إسرائيل، وهذا الطلب يثقل على مديريها. قال ريشار في القاهرة إنه سيكون مسروراً بالانفصال عن شركة بارتنر الاسرائيلية، لكنه يخشى من الثمن الذي سيدفعه بسبب الدعاوى في المحاكم الاسرائيلية. في الولايات المتحدة كان مدير كهذا سيُقال خلال يوم. سيكتفي ريشار على الاغلب بالاعتذار.
عودة الى نتنياهو. «ليس مهما ما نفعله»، قال، «النضال ضد اسرائيل لا يرتبط بأفعالنا؛ إنما يرتبط بمبدأ وجودنا».
الصهيونية التي تربيت عليها تختلف عن ذلك. مهم جدا ما نفعله، سلبا أو ايجابا. من المريح التفكير أن انتقاد اسرائيل في العالم ينبع من دوافع لاسامية، من المريح التفكير هكذا لأنه يحررنا من الحاجة الى تقييم أفعالنا وإخفاقاتنا. مكتب الاستخبارات والاستراتيجية أعد قبل أن يُقسم اقتراح ميزانية بمبلغ 150 مليون شيكل لمحاربة المقاطعين. وأثرياء يهود في الخارج سيُطلب منهم التبرع بمبلغ مشابه، اذا لم يكن أكثر من ذلك. لن يذهب شيكل واحد الى فحص سؤال كيف تؤثر أفعالنا بين الخليل وجنين، بين رأس العمود وأريحا، على حركة المقاطعة ضد اسرائيل.
«ميلاد»، هو جسم للابحاث في الوسط – اليسار، وقد نشر مؤخرا استعراضا حول حركة المقاطعة، حيث يزعم أن 90 بالمئة من مطالب المقاطعة في الغرب مصدرها أفعال اسرائيل في «المناطق». الـ 10 بالمئة الباقية تتعلق بمبدأ وجود اسرائيل، وتنضوي تحت لواء «بي.دي.اس»، وهي حركة مقاطعة اسرائيل. «في جميع المجالات التي تم فحصها وجد أن العوائق الموجودة، وتلك التي يتوقع أن تنشأ في المستقبل، مصدرها السيطرة الاسرائيلية على المناطق والسكان الفلسطينيين»، قال أعضاء «ميلاد»، ويشرحون: أولا وقبل كل شيء، انتقاد المستوطنات، التي تعتبر مخالفة شديدة للقانون الدولي، وانتقاد اعمال اسرائيل العسكرية في المناطق، والجهاز القضائي وما أشبه. ليس هناك دولة في الغرب تشك في مصداقية وجود اسرائيل، لكن ليس هناك دولة مستعدة للاعتراف باستمرار البناء في المستوطنات.
الواقع على الارض أكثر تعقيداً. الدعاية ضد اسرائيل في الجامعات في الولايات المتحدة وغرب اوروبا لا تقف عند الخط الأخضر. الاحتلال هو الادعاء، ولكن العدو هو إسرائيل. الطلاب الذين يتحدثون بهذه المواعظ سيجلسون في المستقبل في البرلمانات، والاتحادات الدولية والمحاكم، وسيكونون العمود الفقري للجالية اليهودية. أحزاب سياسية وجمعيات حقوق الانسان تتبنى بالتدريج تعميمات مشابهة. وحينما تعوض اسرائيل بالمال أي مصلحة تجارية في المستوطنات وكل معهد يتأثر من المقاطعة الجزئية، فإن هذا يعمل على تسريع المقاطعة الشاملة. الدعاية سامة وكاذبة، لكن الحكومة تقوم بالتسهيل عليها.
باستثناء بضعة زوار من الكنائس الافنغلية، لا توجد طريقة لاقناع الجمهور في الغرب أن المستوطنة في «المناطق» صادقة. ليس مهما عدد المحاضرين الذين يتم ارسالهم اليهم، وليس مهما حجم الاموال التي تستثمر في الحملة. لا توجد طريقة. نائبة وزير الخارجية الجديدة، تسيبي حوطوبلي، ستقول لهم إن الله وعدها بكل «ارض اسرائيل»، من نهر الفرات في العراق وحتى البحر. الله الذي يخصها ليس إله سلام.
سادت اللاسامية في العالم ايضا قبل 10 – 20 عاما. ومع ذلك لم يعتبر الغرب أن المقاطعة هي أمر يمكن قبوله. كانت المقاطعة العربية جزءاً من اقتصاد النفط، وليس جزءاً من صناعة حقوق الانسان. عندما تعززت اسرائيل اقتصاديا اختفت المقاطعة. وبدون أن نكون أقوياء في مجال حقوق الانسان فإن المقاطعة الحالية لن تختفي.
أجرت ايلانا ديان مقابلة مع الرئيس باراك اوباما، وقد بثتها القناة الثانية، هذا الاسبوع. أظهر باراك في المقابلة الخوف مقابل الأمل: نتنياهو يقترح على الاسرائيليين الخوف – الخوف من ايران، الخوف من التنازلات للفلسطينيين، الخوف من التغيير...
لقد اعتقدت في السابق أن المعادلة كالآتي: الخوف مقابل الأمل. نتائج الانتخابات أثارت شكوكي. لست متأكدا أن الخوف هو الكلمة الصحيحة. يمكن أن الاسرائيليين أو بعضهم على الأقل، قريبون في روحهم من مشجعي فريق رياضي. بيتار القدس على سبيل الافتراض. ليس الخوف هو الذي يدفع مشجعي بيتار الى الخروج عن اطوارهم في مباراة ضد سخنين. الكراهية، هذه هي القصة. نتنياهو ينجح، وبكفاءة عالية، في تجنيد عدد كبير من الجمهور حول عدو مشترك. ليس دولة مقابل دولة، بل شعب مقابل شعب، قبيلة مقابل قبيلة. العرب هم عدو ممتاز، وغير اليهود ايضا. كلهم لاساميون.
يضع اوباما أمام هذه الصورة البشعة اسرائيل التي كانت قبل 1967. إنه يشبهها بنوع من المثالية: التصقت بالسلام وبالقيم الانسانية وبحقوق الانسان. بالطبع هذه اسطورة. من نواح عديدة اسرائيل اليوم هي مكان أفضل للعيش فيه مقارنة مع سنواتها الاولى. والامر الأساسي الذي فقدناه هو الثقة بأن المستقبل سيكون أكثر عدلا هنا، أكثر تطورا وأكثر انسانية. نحن نعيش في مستنقع قمنا بإنشائه، نعيش في ما هو موجود.
نُفاجأ عندما يقوم أحد في العالم بتشويه هذه الصورة للاسطورة: واحد كان متطوعا في الكيبوتس وهو الآن وزير خارجية، وثانٍ سمع قصصا عن اليهود في حركة حقوق الانسان، والثالث أحب كل ما قرأه في التوراة، والرابع يذكر الكارثة، جميعهم يقارنون الصورة ويستصعبون تقبلها. يريدون اسرائيل الجميلة، وهذه غير موجودة. واسرائيل القبيحة يريدون معاقبتها.
نداء التهيؤ
يسعى غادي آيزنكوت، رئيس الاركان، الى هدفين. الاول، زيادة الاستعداد للحرب في مواجهة مجموعة من التهديدات التي توجد على أبوابنا اليوم، من ايران وحتى «داعش». والتحدي ليس بسيطا. الهدف الثاني هو المنع: كيف يمكن منع اجراءات في الطرف الثاني في نهايتها تترصدنا الحرب.
أنا من يستطيع تحليل الماضي، أنا فقط. المسؤولية عن حدوث حرب «الايام الستة» لم تكن من نصيب الزعماء العرب فقط، فقد سبقت الحرب تصريحات اشكالية لرئيس الاركان، اسحق رابين، واجراءات عسكرية قامت بتضليل الطرف الثاني بأن وجهة اسرائيل هي الحرب. حول الجزء الذي لعبته حكومة غولدا مائير في قرار السادات للخروج في حرب «يوم الغفران» لا يوجد جدال: الشيء ذاته ينطبق على حرب لبنان الاولى وبدرجة أقل على حرب لبنان الثانية، وبجزء كبير على العمليات العسكرية في لبنان وغزة. الامر يتعلق بقرارات الجيش الاسرائيلي. نعم. نعم للاعمال التي تنشئ الردع، ولا للاعمال التي تنشئ التصعيد. والسؤال هو كيف يمكن عمل الردع دون إحداث التصعيد.
ذهبنا الى «الجرف الصامد»، بالطريقة التي ذهبنا بها، بسبب بضعة أخطاء من جانبنا، والامور معروفة. نحن نعطي «حماس» اليوم ما كنا نرفض اعطاءه قبل العملية. هناك من يعتقد في الجيش أنه حان الوقت للقيام بخطوة اخرى، التوصل الى هدنة، اتفاق وقف اطلاق النار لخمس سنوات مع «حماس»، من شأن هذا الاتفاق تخفيف الضغط على غزة، وسيُمكن الناس من العيش. ليس من اجل اعتدال أحد والتصالح معه بل لمنع التدهور باتجاه عملية عسكرية كبيرة كل سنتين. الصواريخ التي أطلقت في الايام الاخيرة من غزة هي نداء تهيؤ: يجب فعل شيء أكثر من مجرد المزيد من القصف الجوي الاسرائيلي.
عن «يديعوت»