الفن البدوي الأصيل المعروف بإسم الدحية ينتشر مثل النار في الهشيم معيدأ التراث الثقافي بأشعار وأداء وموسيقى جديدة، حيث باتت الدحية مطلب أساسي في حفلات الأعراس والمناسبات السعيدة المختلفة من إحتفالات وطنية مروراً بحفلة عيد الميلاد. ما جعلنا نسمع صدى أغاني الدحية بصوت مرتفع في كل مكان، وبأغلب شوارع المدن الفلسطينية تستمع لها إمّا من خلال المحلات التجارية المتنوعة أو السيارات، وأيضاً كنغمات للهواتف النّقالة.
عند استماعك للدحية ستجد نفسك منسجم معها بشكل سريع وتُدندن حتى ولو لم تفهم الكلمات، والجميل في الأمر أنه في الأعراس والحفلات لمجرد أن تسمع الدحية يبدأ الشباب بالثوران والإنتفاض كأنهم منتصرين بعد معركة، وهذا هو تاريخ الدحية حيث كانت تغنى قبل المعارك والغزوات كعملية شحن المقاتلين وتشجيعهم، أو بعد المعارك ابتهاجاً بالنصر ليتم وصف المعركة والبطولات من خلال الدحية.
وفي واقعنا الحالي؛ أجد بأن أغاني الدحية إنتقلت إلى أبعد من كونها فن وتراث بدوي، حيث أصبحت أداة يتم اسقاطها على حياتنا _السياسية والإقتصادية والإجتماعية_ وتفرعاتها من أجل تحقيق الهدف المراد الوصول له بأسرع الطرق وأسلسها وأقل تكلفة، فقط ما عليك عمله أن تتقن الدحية بما يتلاءم مع ما تريد تحقيقه، مع ضمان عدم وجود منافس أقوى منك في أداء الدحية.
وبما أن أداء الديحة يعتمد على الكلمات والتصفيق_التسحيج_ وهز الرأس، تم ترجمة ذلك في العالم الإفتراضي بواسطة وسائل الإتصال الإجتماعي، ما أدى الى نقل الدحية لمستوى مختلف من خلال التسحيج بكلمات المديح التي وصلت عند البعض التعظيم والتمجيد أو /و هجاء من يجب قذفه وتدمير صورته من أجل تحقيق المكاسب التي يسعى له.
أغلب السياسيين من جميع الألوان، الإقتصاديين، "المثقفين"، أصحاب النفوذ بشكل عام لهم جماعاتهم الذين تم تجنيدهم من أجل أداء الدحية بناءً على احتياجات مختلفة، وهناك من يقوم بالدحية تطوعاً لغايات الوصول الى ما يطمح الوصوله له كما ذكرت سابقاً!!
هذا التجييش من أجل أداء الدحية، جعلنا نشاهد الفرق المختلفة متنوعة الأداء على سبيل المثال لا الحصر: دحية المصالحة، دحية الحركات والفصائل، دحية تمجيد الشركة، دحية المعالي وأصحاب السيادة، دحية تجّار الوطنية، دحية الدفاع عن الفاسد، دحية الإسلام السياسي، دحية الخطابات، دحية زراعة الأوهام، دحية الحفاظ على التابوهات، دحية التغني بالماضي، دحية تكفير المعارضين، دحية أشباه المثقفين..
والمضحك بالأمر بأن هناك من يريدون إثبات قدراتهم الأدائية الخاصة بالدحية في جميع المجالات السابقة، لتكون النتيجة مسلسل من الهزائم والإخفاقات، ومع ذلك لا يعاقب أو حتى توبخيه؛ بل على العكس تماماً يتم مكافأته من أجل أن يكون مستعد بحماسة عالية لأداء الدحية بالزمان والمكان المطلوب منه.