في السابع والعشرين من سبتمبر 1982، استشهد سعد صايل "أبو الوليد"، في مستشفى المواساة بدمشق بعد أن توقف قلبه إثر النزيف الشديد الذي تعرض له بعد إصابته بنيران مسلحين بالفخذ الأيمن وتعرضه لقطع في الشريان الفخذي بين بلدتي طاليا وسفري في بعلبك في الجنوب اللبناني.
في الوقت الذي كان فيه وزير الجيش الاسرائيلي آريئل شارون يراقب خروج منظمة التحرير من برج "رزق" أعلى أبراج بيروت، قرر سعد صايل تنفيذ عملية أخيرة ضد الإسرائيليين، الأمر الذي زاد من إصرار إسرائيل على جعله ضمن الدائرة الأولى للاغتيال.
عندما همّ المقاتلون بمغادرة بيروت تعطلت الباخرة المتجهة إلى تونس، وأمر حينها أبو الوليد بأسر جندي إسرائيلي، وبالفعل تمكن المقاتلون من أسر جندي إسرائيلي، وتم مبادلته مقابل إطلاق سراح الباخرة المتوقفة والتي كانت تحمل معدات عسكرية، وحصلت التسوية بأن يتم تنزيل جزء من المعدات في قبرص والبعض الآخر في تونس. يقول نبيل عمر عضو المجلس التشريعي السابق.
ترأس الشهيد سعد صايل المفاوضات التي كانت تجرى بعد حصار الجيش الاسرائيلي لبيروت، حيث كانت تجري المفاوضات مع وفد أميركي برئاسة الدبلوماسي فيليب حبيب ذو الأصول اللبنانية في بناية سكنية في بيروت، وفي بيت رئيس الوزراء اللبناني آنذاك شفيق الوازن.
بعد انسحاب مقاتلي منظمة التحرير من بيروت عام 1982 بعد التوصل لاتفاق، توجه خليل الوزير (أبو جهاد)، وصلاح خلف (أبو إياد)، وهايل عبد الحميد (أبو الهول)، وسعد صايل إلى سوريا من أجل التخطيط لتجميع القوات الفلسطينية المنسحبة من بيروت.
كان أبو الوليد يركز بأن تعود القوات الفلسطينية إلى منطقة البقاع اللبنانية حتى يعاد تشكيلها بالشكل الصحيح، وأن تباشر عملها العسكري ضد الاحتلال الاسرائيلي، وكان فكره بتوجيه العمليات المباغتة ضد القوات الاسرائيلية المتواجدة في البقاع الغربي، أو عمليات قصف بالأسلحة الصاروخية.
من أبرز العمليات التي أشرف عليها أبو الوليد كان أسر ثمانية جنود إسرائيليين، والتي مكنت الثورة الفلسطينية من تحرير أسرى معسكر أنصار.
كان صايل يعتبر من أبرز العسكريين والمناضلين الفلسطينيين في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، وقد لقب "بمارشال بيروت"
"من لم يعش حصار بيروت سنة 1982 ومن لم يزامل أبو الوليد في إدارته شبه الخفية وخفيفة الظل لهذا الوضع المقاوم الصلب، كأنه لم يعش محطة من محطات النضال العربي الجميل"، يقول عضو لجنة الوساطة اللبنانية عام 1982 مروان حمادة.
وصلت برقية إلى اللواء إسماعيل علبة من الشعبة اللبنانية، مفادها بأن الموساد الاسرائيلي سيقدم على تنفيذ عمليات اغتيال بحق القيادات الفلسطينية الموجود في البقاع اللبناني، والذي من المفترض عدم وجودهم بناءً على اتفاقية فيليب حبيب.
على إثر ذلك نبه أبو الوليد القيادات الفلسطينية بأنهم في دائرة الاستهداف والاغتيال، وكان على دراية بأنه في صلب هذه الدائرة. يقول سلطان أبو العينين عضو اللجنة المركزية لحركة فتح.
تفاصيل الاغتيال:
في يوم الاثنين 27 أيلول عام 1982 أول أيام عيد الأضحى، وفي ظل تواجد الشهيدين الراحلين أبو عمار وخليل الوزير في الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج، قرر أبو الوليد المعايدة على القوات الفلسطينية المتواجدة في البقاع رغم زيارته لهم قبل يوم واحد.
رئيس مكتبه محمد بركات يقول إنه في الجولة ذهب إلى قوات اليرموك، وقوات القسطل التي يقودها الحج إسماعيل، وإلى الجبهة الشعبية برئاسة أحمد فؤاد، والقوات اللبنانية المشتركة، ثم قيادة بار الياس بالمستشفى، وذهب إلى قيادات قوات الكرامة ثم اتجه إلى بعلبك.
ويضيف: "منذ اللحظة الأولى لدخوله بلدة رياق في بعلبك كانت قوات أمل تراقب تحركات أبو الوليد وعند وصوله مدخل المدينة كان الوقت بعد العصر، وكان هناك سيارة زرقاء تحمل لوحة لبنانية وفيها أربعة أشخاص، كانت تراقب أبو الوليد في الدخول والخروج".
وعلى بعد 500 متر من حاجز للجيش السوري بين بلدتي طاليا وسفري في بعلبك، فتح مسلحون النار على موكب أبو الوليد والذي كان يحتوي على ثلاثة سيارات، واستشهد فيه السائق في المركبة الأولى، وأصيب أبو الوليد الذي كان في السيارة الثانية بالفخذ الأيمن وتعرض لقطع في الشريان الفخذي.
نقل اللواء سعد صايل إلى موقع سوري يبعد نحو 400 متر عن موقع الكمين، وأخبرهم طبيب سوري برتبة ملازم أنه بحاجة إلى عملية سريعة، فاتصل مع قائد اللواء 91 العميد محمد غانم، والذي أمر بإرسال طائرة لنقله إلى المستشفى، لكنه بعد دقائق اتصل ليعتذر لعدم وجود مروحية.
اضطر الوفد المرافق لنقله إلى مستشفى الراهبات، لكنهم رفضوا استقباله كونهم لا يستقبلون حالات تعرضت لإطلاق نار، وبعدها تم نقله إلى مستشفى المواساة بدمشق بواسطة سيارة إسعاف، وعند وصوله رفضوا تقديم الاسعافات الأولية له، معللين ذلك بأنهم بحاجة إلى موافقة أمنية.
استشهد أبو الوليد في تمام الساعة الحادية عشرة مساء يوم الاثنين في السابع والعشر من أيلول سبتمبر عام 1982 ، في مستشفى المواساة بدمشق بعد أن توقف قلبه إثر النزيف الشديد الذي تعرض له.
ولد أبو الوليد في قرية كفر قليل جنوب نابلس عام 1932، وانضم إلى صفوف الثورة الفلسطينية عام 1970، على إثر أحداث أيلول التي وقعت في الأردن، بعد أن كان ضابطا كبيرا في الجيش الأردني، وتشهد له سيرته العسكرية بقدراته وكفاءته العالية والمميزة في هذا المجال.
تلقى دراسته في مدارس نابلس، وحصل على شهادة الثانوية العامة عام 1950، ثم التحق بالكلية العسكرية الأردنية عام 1951، حيث تخصص في الهندسة العسكرية.
وكان قد التحق بالعديد من الدورات العسكرية ذات المستوى الرفيع والمتطور، التي عقدت في بريطانيا، ومصر، والولايات المتحدة، والعراق، والاتحاد السوفييتي، والعديد من الدول الاشتراكية، ذات العلاقة بجوانب متعددة من بينها الدفاع الجوي، وتصميم الجسور، وتصنيفها.