تداعيات الإستفتاء الكردي

thumbgen (27).jpg
حجم الخط

 

جرى أمس الأثنين الإستفتاء في كردستان العراق على إستقلال الأقليم عن الدولة المركزية، رغم التحذيرات من العالم بما في ذلك الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا الإتحادية والإتحاد الأوروبي بالإضافة للدول ذات الصلة بالمسألة الكردية (العراق، تركيا، إيران وسوريا) وجامعة الدول العربية من النتائج التي يمكن ان يتمخض عنها هذا التطور، الإستثناء الوحيد كان وقوف إسرائيل إلى جانب الإستفتاء لإسباب معروفة للجميع، لإن عينها وخيارها تقسيم دول وشعوب الأمة العربية.وهذا لا يتعلق بحق الأكراد في تقرير المصير، وإنما في التداعيات التي قد تنجم عن الإستفتاء.

وكما يعلم المراقبون أن المسألة الكردية ليست حديثة العهد، إنما هي نتاج إتفاقية سايكس بيكو التي قسمت شعوب الأمة العربية إلى دول عام 1916 وشملت الأكراد الذين يعيشون في غرب آسيا شمال الشرق الأوسط بمحاذاة جبال زاكروس وجبال طوروس في المنطقة التي يسميها الأكراد كردستان الكبرى، وهي تتوزع على الدول التالية شمال شرق العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا. وعدد الأكراد قرابة ال38 مليون نسمة موزعين على الدول المذكورة بشكل اساسي مع وجود متناثر في دول أخرى، ما يزيد عن ستة ملايين منهم في العراق، ويشكلون الأغلبية في محافظات داهوك وأربيل والسليمانية بالإضافة لثلث سكان كركوك، ولهم تواجد في محافظتي نينوى وديالي بنسبة لا تزيد عن 10% من سكانها.

وتعتبر المسألة الكردية في العراق من المسائل الأكثر جدلا وتعقيدا، كونها نشأت مع تاسيس الدولة العراقية 1923. حيث مرت مع الأنظمة السياسية والحكومات العراقية المتعاقبة بصراع مسلح في أكثر من مرحلة لم تحمل حلا للمسألة، وأقصى ما منحتة تلك الحكومات وخاصة زمن نظام الرئيس الراحل صدام حسين الحكم الذاتي لهم. وبعد الحرب الأميركية العالمية على العراق 2003 ونتيجة الحظر الجوي الأميركي أتيح للإقليم التحرر النسبي، حيث اقام قادة القوى والأحزاب الكردية مؤسسات أمنية ووزارات خاصة بالإقليم، ثم مع إقامة النظام السياسي الجديد تم إعتماد الفيدرالية فأمست كردستان العراق جزءا اساسيا منها. لكن القوى الكردية المتنفذة لم تعد تقبل بالواقع الجديد، وإتجهت إلى خيار الإستفتاء على الإستقلال السياسي وإقامة دولة كردية. مع انه لا يعني بلوغ الإستقلال مباشرة، لإنه يحتاج إلى وقت من الزمن حتى لو كانت نسبة الموافقة بنعم 100%. فضلا عما يحمله من تداعيات سياسية وعسكرية لا تقتصر عند حدود الدولة العراقية، فتركيا على سبيل المثال لا الحصر أعلنت رفضها للإستفتاء من حيث المبدأ، وأغلقت حدودها مع إقليم كردستان، وأوقفت التعامل والتعاون معه، رغم ان لها إستثمارات كبيرة هناك، ولوحت بوقف ضخ النفط الذي ينتج في الإقليم إلى العالم عبر الأنبوب التركي،وتلازم مع بداية الإستفتاء مناورات عسكرية مشتركة للجيشين التركي والعراقي على الحدود المتاخمة للبلدين، والأهم تهديد الرئيس اردوغان اليوم الثلاثاء إقليم كردستان، عندما قال:" إن كل الخيارات متاحة من الإجراءات الإقتصادية والخطوات العسكرية البرية والجوية رداً على الإستفتاء" .كما ان إيران أغلقت اجواءها امام الملاحة الجوية من وإلى كردستان، وهذة مؤشرات اولية على ما يمكن ان يحمله المستقبل المنظور.

وهنا لا يكفي أن يكون المرء مع حق تقرير المصير للشعب الكردي، فهذا حق كفله القانون الدولي لهم إسوة بشعوب الأرض قاطبة. لإن المشكلة أعقد من الإستفتاء، وله أخطار على الشعب الكردي خصوصا وشعوب المنطقة عموما، لجهة الذهاب بالصراع بعيدا نحو دوامة الحروب مع الدول التي يعيش بين ظهرانيها الأكراد، وكون إستقلال كردستان مرهون بالإرادة الدولية ايضا التي لم تستجب حتى الآن لطموحات الشعب الكردي. صحيح ان الشعب الكردي من خلال كفاحه القومي، هو القادر على تحديد اهدافه السياسية. غير ان الشعب الكردي ليس موحدا، ولا يعيش في كنف دولة واحدة، ولا توجد لغة كردية واحدة، فهناك أكثر من لغة لا يوجد قاسم لغوي مشترك بينها، وهناك إتجاهات مختلفة داخل الأكراد بما في ذلك داخل كردستان العراق نفسه، حتى الرئيس العراقي معصوم وهو كردي رفض الإستفتاء، وحذر من تداعياته. وبالتالي أية صراعات جديدة لن تكون في مصلحة الشعب الكردي ولا شعوب الأقليم عموما، وليس العراق فقط. وهذا يستدعي من القيادة الكردية التفكير مليا في العواقب المترتبة على إستفتائهم، وفي المصالح القومية العليا للإكراد عموما. بتعبير أدق الحق في تقرير المصير ضروري وواجب للأكراد، لكن قد تكون اللحظة السياسية غير مناسبة.