في مثل هذا اليوم الثامن والعشرين من سبتمبر عام 2000 اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى"، عقب اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون المسجد الأقصى ومعه قوات كبيرة من جيش الاحتلال.
وتجول "شارون" آنذاك في ساحات الأقصى، وقال خلال جولته "إن المسجد الأقصى سيبقى منطقة إسرائيلية" وهو ما أثار استفزاز مشاعر الفلسطينيين، فاندلعت المواجهات بين المصلين والجنود الإسرائيليين.
وشهدت مدينة القدس مواجهات عنيفة أسفرت عن إصابة العشرات، وسرعان ما امتدت إلى كافة المدن في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسميت بـ"انتفاضة الأقصى".
وفي اليوم الأول لأحداث الانتفاضة أصيب 25 جنديًا وشرطيًا احتلاليًا بعد رشقهم بالحجارة وعلب النفايات والأحذية من قبل الشبان الغاضبين بباحات الأقصى، فيما أصيب نحو 20 فلسطينيًا بجراح.
واشتدت المواجهات في اليوم الثاني للانتفاضة والذي وافق الجمعة 29 سبتمبر بعد انتهاء صلاة الجمعة، مما أسفر عن استشهاد ستة شبان و300 جريح، والشهداء هم: أسامة جدة من القدس، وبلال عفانة من أبو ديس، وحمد فراح من أم الفحم، ويحيى فرج من بيت صفافا، وهيثم عويضة من القدس، أما الشهيد السادس فظل مجهول الهوية حتى اليوم التالي.
وفي 30 سبتمبر أخذت المواجهات في الاتساع والاشتداد خاصة بعد مشهد إعدام قوات الاحتلال للطفل محمد جمال الدرة في قطاع غزة، بعد أن حاصرته ووالده أمام كاميرات التلفاز وأطلقت النار عليهما، في مشهد اهتزت له مشاعر ملايين الشعوب العربية والعالمية، فأصبح الطفل رمزًا للانتفاضة منذ ذلك الحين.
وعم إضراب شامل وحداد عام واتسعت رقعة المواجهات لتشمل كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، مما أسفر عن استشهاد 13 مواطناً واصابة 623، من بينهم الطفل الدرّة.
وفي الأول من أكتوبر، استشهد عشرة مواطنين وأصيب 227 آخرين، واستخدم الاحتلال في تلك المواجهات المروحيات وصواريخ اللاو.
وخرجت مظاهرات في أرجاء عربية وعالمية مساندة للشعب الفلسطيني في تصديه لقوات الاحتلال، ورفضه المساس بمقدساته الاسلامية، فكانت مظاهرة مخيم عين الحلوة، تلاها مظاهرة حاشدة في مخيم اليرموك القريب من دمشق، وامتدت إلى معظم العواصم والمدن العربية والاسلامية والغربية، حيث شهد بعضها مسيرات مليونية، وبدأت حملات تبرعات ضخمة عبر شاشات التلفزة العربية، حيث تم تخصيص أيام مفتوحة للتبرع لصالح الانتفاضة، وخرج عشرات الجرحى للعلاج في المستشفيات العربية.
وطبقاً لأرقام فلسطينية رسمية، أسفرت الانتفاضة الثانية عن استشهاد 4412 فلسطينياً إضافة لـ 48322 جريحاً، بينما قتل 1069 إسرائيلياً وجرح 4500 آخرون حسب بيانات رسمية إسرائيلية.
وتعرضت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خلال انتفاضة الأقصى لاجتياحات عسكرية وتدمير آلاف المنازل والبيوت، بالإضافة إلى تجريف آلاف الدونمات الزراعية.
ومن أبرز أحداث الانتفاضة الثانية اغتيال وزير السياحة بالحكومة الإسرائيلية رحبعام زئيفي على يد مقاومين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وعمل شارون على اغتيال أكبر عدد من قيادات الصف الأول بالأحزاب السياسية والعسكرية الفلسطينية، في محاولة لإخماد الانتفاضة التي اندلعت عام 2000 ولإضعاف فصائل المقاومة وإرباكها، وفي مقدمتهم مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين.
وشهدت الانتفاضة الثانية تطوراً في أدوات المقاومة الفلسطينية مقارنة بالانتفاضة الأولى التي كان أبرز أدواتها الحجارة والزجاجات الحارقة.
وتميزت الانتفاضة الثانية بتوسيع الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، فطوّرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" سلاحها في تلك الانتفاضة، وتمكنت من تصنيع صواريخ لضرب المستوطنات الإسرائيلية.
وأطلق القسام أول صاروخ فلسطيني محلي الصنع على مستوطنة "سديروت" جنوبي "إسرائيل"، وذلك بعد عام من انطلاقة انتفاضة الأقصى وتحديدًا يوم 26 أكتوبر 2001، لتطور الكتائب بعد ذلك وبوتيرة متصاعدة من قدراتها في تصنيع الصواريخ حتى وصل مداها إلى كبرى المدن في "إسرائيل".
وفي السابع عشر من أكتوبر اتفق ياسر عرفات وباراك على وقف إطلاق النار وسحب القوات الإسرائيلية، خلال قمة عقدت في منتجع شرم الشيخ المصري بإشراف الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت كلينتون.
ولكن استشهاد تسعة مواطنين وجرح أكثر من مائة آخرين في مواجهات عنيفة في الحادي والعشرين من أكتوبر جدّد المواجهات، التي ازدادت وتيرتها كما ونوعاً بانفجار سيارة مفخخة في أحد أسواق مدينة القدس في 2/11، مما أدى إلى مقتل عدة إسرائيليين.
وتصاعدت المواجهة لتدخل طائرات الاحتلال معتركها باستهدافها للناشط البارز في حركة فتح حسين عبيات، بتاريخ التاسع من تشرين الثاني، بعد قصف سيارته بالصواريخ في مدينة بيت لحم، لتكون بمثابة الفاتحة في سلسلة الاغتيالات الاسرائيلية للنشطاء الميدانيين وقادة الفصائل والعمل الوطني، وكان أمين سر حركة فتح في مدينة طولكرم ثابت ثابت، الهدف الثاني للاغتيال بعد عبيات.
وتزايدت وتيرة الاغتيالات الاسرائيلية، وشملت معظم الفصائل الفلسطينية وقادتها، وأبرزهم اغتيال ياسر عرفات بالسم بعد محاصرة مقره في رام الله، واغتيال الزعيم الروحي لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وخلفه عبد العزيز الرنتيسي، ثم اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، ومئات النشطاء البارزين من مختلف التنظيمات.
وفي 18 مايو قصفت طائرات أل اف 16 المقاتلة معترك الانتفاضة، وقصفت مقرات للشرطة الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أسفر عن استشهاد عشرة مواطنين، وجاء ذلك بعد أن نفذت عملية تفجير في مركز تجاري سياحي بمدينة نتانيا الساحلية وأسفرت عن مقتل خمسة اسرائيليين واصابة آخرين.
وتعتبر عملية "السور الواقي" التي اجتاحت من خلالها الدبابات الاسرائيلية مدينة رام الله في 29-3-2002، ومحاصرة مقر الرئيس ياسر عرفات، وكنيسة المهد وابعاد المقاتلين الذين تحصنوا فيها إلى غزة والأردن ودول اوروبية، وأعادت فيها "اسرائيل" احتلال جميع مدن الضفة الغربية، من أبرز محطات الانتفاضة.
وبالرغم من توقف انتفاضة الأقصى في الثامن من فبراير 2005 بعد اتفاق هدنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قمة "شرم الشيخ". إلا أنها لم تتوقف على أرض الواقع، بل لا يزال امتدادها مستمر حتى اليوم، الذي تتزامن ذكراها فيه مع محطات جديدة لها.
وتتزامن الذكرى الـ 17 لـ"انتفاضة الأقصى" هذا العام، مع حلقة جديدة لانتفاضة القدس التي اندلعت في أكتوبر عام 2015 والتي تعتبر امتداد لانتفاضة الأقصى، لتؤكد عبر مرّ السنين أن القدس والأقصى هما قلب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأنه لا مجال لإخراجها من هذه المعادلة.
فعشية هذه الذكرى نفذ الشاب الفلسطيني نمر الجمل (37 عاما) عملية فدائية صباح الثلاثاء أدت مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وإصابة رابع بجراح حرجة، بعد أن هاجم الاستشهادي الجنود في عملية إطلاق نار وطعن على مدخل مستوطنة "هار أدار" شمال غرب مدينة القدس المحتلة.
ويزيد عدد شهداء انتفاضة القدس المندلعة منذ أكتوبر 2015 عن الـ 350 شهيدًا.
واعتبرت كافة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية أن هذه العملية تعتبر ردًا على محاولات إخراج المدينة المقدسة من معادلة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
كما تأتي العملية ردًا على استمرار اقتحام قطعان المستوطنين لباحات المسجد الأقصى ليل نهار ومواصلة سياسة التهجير القسري للمقدسيين، وقتل الفلسطينيين بدم بارد على حواجزها المنتشرة في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧.
ومثلما قلبت انتفاضة الأقصى في ذلك العام الموازين الإسرائيلية، فإن قادة وضباط إسرائيليين من بينهم نائب وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، أبدو تخوفهم من أن تهدد عملية مستوطنة "هار أدار" التي وقعت الثلاثاء بقلب النظرية الأمنية في المستوطنات.
وذكر الضباط أن العملية "خلقت أجواء من الخوف من قيام عمال آخرين باستغلال تصاريحهم لغايات تنفيذ عمليات مماثلة".