سجن غزة الرحيب

000
حجم الخط

بقلم/ توفيق أبو شومر

أجريتُ مقارنة  بين أسرانا المسجونين في سجون الاحتلال، وبين الفلسطينيين في غزة، فوجدتُ أنَّهما متماثلان، ومتطابقان.

فبعد مرور أكثر من عشر سنوات على الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وبعد أن نجح المحتلون في إقناع كثيرين في العالم بأن غزة لم تعد محتلة، أيقنتُ بأن إسرائيل لم تنجح فقط في تمرير هذه الخدعة في المحافل الدولية، بل نجحت أيضا في الوسط الفلسطيني نفسه!

فسكان غزة مسجونون منذ زمن طويل في زنزانة مساحتها، ثلاثمائة وخمسة وستون كيلومترا مربعا،ولم يكن الانسحابُ الإسرائيلي، سوى إعادة انتشار، كما قال شارون، وهو فقط عملية تجميل، أُجريتْ على هيكل غزة، بتمديد مساحة السجن الكبير، وإزالة الحواجز بين سجون غزة العديدة، مما يُعزز ادعاء الاحتلال!

فكما يطالب الأسرى والسجناءُ الفلسطينيون بزيادة مساحة الحريات الممنوحة لهم، كذلك، الغزيون صاروا يطالبون أيضا بزيادة حصتهم من الهواء، والماء، والطعام!

ومثلما يطالب السجناء أن يُمنحوا فرصة للخروج ورؤية الشمس، كذلك يطالب الغزيون أن يأخذوا نصيبهم في التهدئة، ووقف القصف.

ليس خافيا على أحد أن سقف مطالبنا، قد هبط لدرجة أننا لم نعد نُطالب بأساس هذه الحقوق وجوهرها!

وإليكم أبرز مطالبَنا الجديدة:

توسيع مساحة الصيد في بحرنا، ومقابل شواطئنا،المثبتة في خرائطنا، من ثلاثة أميال بحرية، إلى ستة أميال!!

أما غُلاةُ  المسؤولين الفلسطينيين، فيُنادون بتوسعةٍ أكبر، اثني عشر ميلا بحريا،من مُنطلق، أنهم حريصون على الوطن أكثر من حرص مسؤولين فلسطينيين أقل تشدُّدا منهم، يُطالبون فقط بستة أميال !!

كما أننا نُطالب أيضا بتوسيع  المساحة العازلة بين غزة والبلدات الإسرائيلية، من ثلاثمائة متر، إلى ألف متر على الأقل، مع العلم بأن إسرائيل تملك وحدها جهاز مقياس الأمتار المسموح بها، لأننا لانملك مقياسا خاصا بنا!

 من مطالبنا أيضا، أن نزيد عدد الشاحنات المحملة بأكياس الطعام إلى غزة، أي أننا نطالب كما الأسرى بشيئين:

تحسين وجبات الطعام، وزيادة الجرعات الممنوحة لنا، مع العلم أننا نختلف عن الأسرى، فنحن ندفع أثمانها مضاعفة، وفق الشروط الإسرائيلية!

نحن نطالب أيضا بحرية التواصل مع بقية أهلنا الأسرى، في معازل الضفة الغربية، ولم نعد نطالب بممرٍ آمن خاصٍ، بل نرجو الاحتلال أن يسمح لنا بالمرور، من خلال معبر، يشرف أيضا عليه الاحتلالُ!!

ومن مطالبنا اليوم أن نفتح المعابر المغلقة، لتمكين أبنائنا من الخروج للدراسة، كما يفعل السجناءُ في سجون الاحتلال، حين تسمح لهم سلطات السجن، لإثبات ديمقراطيتها وعدلها، أن ينتسبوا للجامعات، وهم داخل السجون الإسرائيلية، فيغادرون السجن نفسيا بالانتساب للجامعات، ولا يغادرون السجون جسديا!!

ومن مطالبنا أيضا أن نتقاضى مرتباتنا عن جهودنا، كما يتقاضى أي موظف في العالم مرتبه الشهري في آخر كل شهر.وقد برعَ الاحتلالُ، عندما شطرَنا الاحتلالُ إلى نصفين:

موظفين، لا يعملون، ويتبعون السلطة في رام الله، وهؤلاء يحصلون على مستحقاتهم الشهرية، أو أجزاء منها بالتقسيط المريح،وموظفين  في غزة، يعملون، ولا يتقاضون مرتباتهم، وليسوا محسوبين كموظفين!

هكذا أصبح الموظفون كلهم عالات على الحكومتين، اللتين هما عالتان على العالم!

ولا أحد اليوم في غزة راغبٌ في الثورة على جوهر الظلم، والجور، والعسف، والاحتلال، الذي لا يسجننا في الجغرافيا فقط، بل يسجننا في تجمعنا الوطني، ويجرى بذكاء عمليات تعذيبٍ نفسيةً ، متعددة الأشكال والألوان!

قليلون الذين يتذكرون اليوم جذور المشكلة؛ وهي أننا شعبٌ محتلٌ يرغب في تمزيق أثواب السجن وأغلال القيد، شعبٌ يُريد أن يسترجع حقوقه، ويطالب بالتحرر، والانعتاق، واسترجاع الحقوق، وهو الهدف الرئيس!!

إنَّ الفروقَ بين مطالب السجناء والأسرى، ومطالب التحرر الوطني فروقٌ كبيرة!!

فمن يطالبون بتوسيع مساحة الزنزانة، ليس كمن يطالبون باستعادة حقوقهم المسلوبة، فالطرف الأول يُثير الشفقة،شفقة دول العالم، ومحبي الحريات، وراعيي حقوق الإنسان، وعندما يتضامن معهم الآخرون، فهم  يتضامنون مع حالة إنسانية، وهذا ما يحدث في واقعنا الراهن!

 أما حين يطالبون باسترجاع حقوقهم الوطنية المسلوبة، فإنهم يثيرون الإعجاب بصفتهم ثائرين على العبودية، والقيد، والأسر، وحينما يتضامن معهم الآخرون، فإنهم يتضامنون مع قضية حقوقية، تستحق التضحية، والنصرة، والدعم، وهذا ما كان في الألفية الماضية، حينما تطوَّع كثيرون لنصرة القضية الفلسطينية!

 نعم  نجح المحتلون الإسرائيليون في حرف انتباهنا عن قضيتنا الأزلية، قضية الحقوق الفلسطينية المشروعة في التحرر والاستقلال، باختراع آلاف المشكلات الجانبية، المتمثلة في  الأسر، والسجن، وخنق كل وسائل الحياة، فهم يستهدفون  مراكز عقولنا!!