تحلّ هذا الأسبوع الذكرى الثانية لهبّة 2015 2016، الفلسطينية، ورغم أن هذه الهبّة لم تعمّر طويلا، وتخللها الكثير من الارتباك والتشويش إلا أنّها أوجدت تحولا شعبياً مهماً جداً لصالح العودة للحماس لنهج المقاومة، حتى وإن كان قائماً على مبادرات فردية سرعان ما تتحول لموجة فيها عمليات "استنساخ"، يضاف لذلك وجود تحولات في الفكر السياسي الفلسطيني، نحو المزيد من الوطنية، رافقه تراجع نسبي في التضامن الدولي المنظم.
في عام 2013 برزت ظاهرة كتبتُ عنها حينها أكثر من مرة، وتتمثل في محاولة إنكار أهالي وفصائل لبعض العمليات أو "الحوادث"، وتجريدها من دوافعها الوطنية، من مثل استدراج فلسطيني لجندي إسرائيلي وقتله، وإلقاء جثته في بئر في قرية بيت أمين؛ إذ شكك والد منفذ العملية في فيديو مسجّل بدوافع ابنه، واعتبرها غير وطنية. وعندما اقتحم الشاب يونس الردايدة معسكرا للاحتلال، في شمال القدس، بجرافته شككت عائلته أن تكون هذه عملية، (رغم أنّ شقيقه قام بعمل شبيه في العام 2009)، وقالت العائلة إن يونس ربما دخل المعسكر بالخطأ. وكذلك عندما دخل شبان وقتلوا ضابط احتياط إسرائيليا بارزا في بيته في مستوطنة في الأغوار، جاء من يقول إنّ العملية ذات خلفية جنائية وليست وطنية. ورغم أنّه لا يوجد تحقيقات واضحة، خاصة من طرف فلسطيني، تعلن حقيقة هذه العمليات، إلا أنّه كاد يتطور اتجاه يرفض المقاومة العنيفة.
تراجع هذا الاتجاه أو لم يتطور فعلا، وبدأ المزاج الشعبي يتغير مع العام 2015، قبيل الهبة التي بدأتها عملية طعن قام بها الشاب مهند الحلبي، يوم 3 تشرين أول (أكتوبر) 2017. ومن هنا مثلا رأينا مؤخراً تصاعد الموقف الشعبي غير المنكر، بل المحتفي، والمحتضن، لعملية عمر العبد في مستوطنة حلاميش، في شهر تموز (يوليو) الفائت، وعملية نمر جمل في مستوطنة هار أدار، نهاية شهر أيلول (سبتمبر) الفائت.
يمكن عزو هذا التحول إن كان حدث حقاً، إلى عوامل أهمها، حالة الالتفاف والاحتضان الشعبي لأهالي الشهداء في هبة 2015 2016، سواءً من بدأوا عمليات مقاومة فعلاً، أو قتلهم الإسرائيليون وادّعوا أنّهم كانوا يقومون بعمليات مقاومة. والواقع أنّ الممارسات الإسرائيلية في التعسف بالقتل السريع للشبان الفلسطينيين لأي سبب، وربما دون سبب أحياناً، وجّه رسالة للفلسطينيين أنّه حتى الصمت والامتناع عن المقاومة لا يعني الحماية من القتل الإسرائيلي.
السبب الثاني للاتجاه نحو الاحتفاء بالمقاومة بهذا الشكل، أنّ أشكال النضال الأخرى تراجعت، فمن جهة لا تحقق القضية الفلسطينية مكاسب تنعكس على الأرض عملياً في الساحة الدولية، وثانيا تراجعت حركة التضامن الدولية، وحركات نشطاء السلام (المتضامنين) لأسباب عديدة منها، عدم تطور هذه الحركات، والهجمة الإسرائيلية المضادة، والخلافات الداخلية في حركة التضامن، وغيرها من الأسباب.
السبب الثالث، أنّ هبّة 2015 2016 كرّست ضعف وترهل الفصائل الفلسطينية وبالتالي أفسحت المجال نحو تقبل أكبر لفكرة النضال الفردي، والعمليات الفردية. ولكن الحقيقة أّنّ المبادرة من قبل أفراد لنمط عمل مقاوم معين سرعان ما يؤدي إلى أن يتبع آخرون ذات النمط، فيما يشكل موجات من الأعمال الفردية المتشابهة.
في سياق متصل يمكن لمس المزيد من التركيز على العامل الذاتي فلسطينياً، وتراجع المراهنة على أي دعم عربي أو دولي، بكلمات أخرى تعمقت الفكرة الوطنية الفلسطينية، ومن مظاهر هذا التعمق، وثيقة حركة "حماس" في آيار (مايو) الفائت، عندما أبرزت استقلاليتها التنظيمية عن جماعة الإخوان المسلمين، وقدمت نفسها كحركة تحرر وطني.
لقد ساهمت هبّة 2015 2016 بتكريس نوع من التقاليد النضالية الجديدة، قوامها شيوع فكرة المبادرات الفردية في المقاومة، ويلي ذلك عملية موجات الاستنساخ، أي أن يستنسخ شبان النمط ذاته، فعملية مهند الحلبي والطعن تبعتها عمليات شبيهة، وتعددت محاولة استخدام السيارات للدهس، وعملية عمر العبد تبعتها عملية نمر جمل.
هذه العمليات الفردية التي تلقى احتضاناً شعبياُ ألغت ما بدا عام 2013 نفورا من المبادرات الفردية، التي يتبعها عادة عقوبات جماعية ضد أهالي المنفذين، وهذه العمليات رد فعل على غياب العمل المنظم السياسي والسلمي من قبل الفصائل والمقاومة الشعبية وحملات التضامن الدولية، ورد فعل على تعثر العملية السياسية.
عن الغد الاردنية