قوبلت زيارة حكومة رام الله، برئاسة رامي الحمد الله ، لقطاع غزة يومي 2 و 3 تشرين أول 2017، بالترحيب الشديد والاحتفال الجماهيري والرهان السياسي، لعلها تضع مقدمات الحلول الواقعية لنتائج الانقلاب الدامي الذي قادته حماس منذ عشر سنوات، في حزيران 2007، ولازالت مظاهره فاقعة بالتفرد والهيمنة وتسلط اللون الواحد، ولعلها تحقق الانفراجات المطلوبة على حياة المحاصرين بالذل والقهر والجوع والدمار الذي سببته ثلاث حروب همجية قادها جيش الاحتلال الإسرائيلي على القطاع أعوام 2008 و 2013 و2014، مخلفاً حياة وصفتها مؤسسات الأمم المتحدة على أن قطاع غزة لن يكون صالحاً للحياة البشرية منذ بداية العام 2020 .
زيارة حكومة رامي الحمد الله المسماة تجاوزاً حكومة الوفاق الوطني، خطوة إجرائية احتفالية، ومقدمة مطلوبة حظيت بالإرتياح والترحيب، ولكنها انتهت بالإحباط الجماهيري كونها لم تحقق ما هو مطلوب منها لأهل القطاع من فك الحصارات، وإعادة الرواتب المقطوعة، وتشغيل الكهرباء وإنهاء العقوبات التعسفية، أو على الأقل تقديم الوعود المؤرخة، وكل ما قاله رئيس الوزراء بعد أن تسلم الوزراء إدارة وزاراتهم، إن الإجراءات المطلوبة مؤجلة حتى يتم اللقاء الثنائي بين فصيلي الخلاف والصراع الفتحاوي الحمساوي في القاهرة، ما يفتح الباب للتذكير بقدرة هذه الحكومة على تحقيق ما يتطلع إليه أهل القطاع، فقد تشكلت هذه الحكومة يوم 2 حزيران 2014، بعد مشاورات بين مختلف الفصائل وخاصة بين فتح وحماس وسبق لها وأن اجتمعت في غزة أول مرة يوم 9 تشرين أول 2014، أي بعد أربعة أشهر من تشكيلها، واقتصر نشاطها في حينه على تفقد الدمار الذي خلفته حرب تل أبيب، والاجتماع مع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أنذاك إسماعيل هنية، وهكذا إلى اليوم لتعيد الزيارة والإجتماع والتصور الإحتفالي بلا نتائج على حياة الناس، بذكرى تلك الزيارة اليتيمة بعد أن توقفت الحكومة منذ ذلك الوقت على أداء مهامها على قطاع غزة، وانفرد عملها على الضفة الفلسطينية من دون مؤسسات القطاع، بل وأقدمت على قطع التمويل المالي عن القطاع شاملاً المؤسسات والأفراد الموظفين بشكل أو بأخر، وكان ذلك بمثابة عقوبة جماعية رادعة بحق القطاع وأهله وإدارته الحمساوية .
حركة حماس من جهتها أقدمت على ثلاث خطوات تراجعية متلاحقة شكلت الأرضية التي يمكن البناء عليها، والاعتماد عليها لما يمكن السير عليه وتحقيق الشراكة المطلوبة بديلاً عن التفرد الحمساوي في إدارة القطاع، والتفرد الفتحاوي في إدارة منظمة التحرير وسلطتها في رام الله
أولاً : أجرت تغييرا في برنامجها السياسي ووثيقتها التنظيمية التي أعلنها في الدوحة خالد مشغل في الأول من أيار 2017، أنهت من خلالها ارتباطها التنظيمي مع حركة الإخوان المسلمين وقدمت نفسها باعتبارها فصيلا فلسطينيا يخوض معركة التحرر الوطني في إطار جبهة وطنية عريضة من مختلف المكونات والفصائل والتيارات الفلسطينية، كما انتخبت قيادة جديدة نتاج خبراتها العملية في العمل الكفاحي المباشر ضد الإحتلال ومن خريجي سجون الإحتلال ومعتقلاته، تتسم بالواقعية السياسية والصلابة الوطنية : صلاح العاروري المطارد نائباً لرئيس الحركة، ويحيى السنوار قائداً للحركة في قطاع غزة، وإسماعيل هنية بديلاً عن خالد مشعل .
ثانياً : توصلت علناً لما يسمى بالتفاهمات الوطنية مع تيار الإصلاح الديمقراطي الذي يقوده النائب محمد دحلان في صفوف حركة فتح، ولم يكن ذلك بديلاً عن حركة فتح ورئيسها محمود عباس ولجنته المركزية أو نقيضاً له، بل جاءت تفاهمات 11 حزيران 2017، وتأكيداً لها يوم 11 أب 2017، كخطوة محفزة لما تم في الخطوة الثالثة اللاحقة.
ثالثاً : استجابت للمبادة المصرية وأعلنت قبولها لشروط الرئيس الفلسطيني الثلاثة وهي: 1- حل اللجنة الإدارية الحزبية التي تقود قطاع غزة منفردة وتم ذلك رسمياً يوم 17 أيلول 2017، 2- تسليم مؤسسات قطاع غزة لحكومة رام الله ونفذت ذلك يوم 3/10/2017، 3- قبول إجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية، وهو إجراء مؤجل إلى أن يتم الإتفاق الكامل وفق ما أطلقت عليه من جانبي : اجتماع الاستحقاقات التنظيمية والسياسية والوطنية.
بدأت مفاوضات القاهرة ثنائية مباشرة، يوم الثلاثاء 10/10/2017، برعاية المخابرات المصرية، ومن دون تدخل من جانبهم، إلا إذا تطلب الأمر من قبل الطرفين بهدف إزالة معيقات، وتسهيلاً لهما، وتطبيقاً لوثيقة مجمع عليها كل الأطراف وهي وثيقة القاهرة التي صاغها المصريون أنفسهم ووقع عليها قادة كافة الفصائل الثلاثة عشر وهي المتفق عليها لأن تكون مرجعية المفاوضات الثنائية الآن.
وفيما يلي النص الحرفي لورقة المصالحة المصرية الذي وقعت عليها الفصائل الفلسطينية يوم السابع والعشرين من نيسان إبريل 2011، والمعنونة بـ “ الرؤية المصرية لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني “ :
1ـ ركز الحوار الوطني الفلسطيني على معالجة كافة القضايا التي نجمت عن حالة الانقسام الفلسطيني، وذلك من خلال حوار شامل شاركت فيه كافة الفصائل والتنظيمات والقوى المستقلة، حيث تم تشكيل خمس لجان رئيسة (المصالحة ـ الحكومة ـ الأمن ـ الانتخابات ـ المنظمة)، بالإضافة إلى لجنة التوجيه العليا التي تشكلت من الأمناء العامين للتنظيمات أو نوابهم، وقد عملت هذه اللجان بشكل مكثف ومتواصل بمشاركة مصرية فاعلة وناقشت كافة القضايا الرئيسة وتفصيلاتها، ثم تم عقد جلسات حوار ثنائي في القاهرة بين حركتي فتح وحماس اقتضتها الظروف وطبيعة الموقف حينئذ (6 جولات حوار ثنائي بين الفصيلين ) .
2ـ تحركت مصر خلال الحوار في إطار مجموعة من المحددات كان أهمها أن مصلحة الشعب الفلسطيني يجب أن تكون الهدف الرئيس لانجاز أي اتفاق، والحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية حتى يكون الجسد الفلسطيني بعيداً عن أية تجاذبات أو مصالح حزبية وتنظيمية، بالإضافة إلى الحرص على عدم المساس بالمكتسبات الفلسطينية التي تحققت طوال السنوات الماضية ولا سيما الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
3ـ تواصل الحوار الفلسطيني بكل الجدية المطلوبة، وبذلت فيه مصر جهودا حثيثة واضعة نصب أعينها أن لا مجال أمام الجميع سوى إنهاء الانقسام، وقامت بدور توفيقي كبير خلال كافة الجلسات، ما أدى إلى التوصل إلى معالجة نهائية ومتوافق عليها للعديد من القضايا التي طرحت، في حين تبقت بعض الخلافات التي نرى أنها تندرج كلها تحت إطار (خلافات قابلة للحل) .
4ـ وفي ضوء استمرار هذه الخلافات، وعدم قدرة الأطراف على التوصل إلى حلول لها رغم جلسات الحوار المطولة التي خصصت لهذا الشأن ورغم مطالبة مصر الأطراف أن تُعلي المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، فقد واصلت مصر جهودها من خلال جولات مكوكية بين الطرفين لتذليل العقبات والحفاظ على قوة الدفع التي نجمت عن الحوار، ثم قررت مصر ارتباطا بما سبق طرح رؤية تتضمن حلولا وسطا واقعية وعملية من اجل إنهاء هذه الخلافات، وبما يمهد المجال أمام عقد حوار فلسطيني شامل في القاهرة لتوقيع اتفاق المصالحة.
5ـ لا شك أن مصر وهي تطرح هذه الرؤية، فإنها على قناعة أن كافة الأطراف تعاني من سلبيات الانقسام وتسعى إلى إنهائه، كما أن المسؤولية التي تتحملها هذه الأطراف ستجعلها تتعامل مع الرؤية المصرية بالموضوعية الكاملة والموافقة عليها من اجل مصلحة الشعب الفلسطيني.
أولاً: القضايا التي تم التوافق عليها
6ـ تم التوصل خلال أعمال اللجان الخمس وجولات الحوار الثنائية إلى الاتفاق على العديد من المبادئ والقضايا لتكون هي الأساس الذي ستبنى عليه وثيقة القاهرة للوفاق والمصالحة، ويمكن تحديد ما تم التوصل إليه في ما يلي:
أ ـ لجنة المنظمة:
1- الاتفاق على تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وفق أسس يتم التراضي عليها بحيث تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية وفقا لاتفاق القاهرة مارس 2005.
2- ترسيخ مكانة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة بما يعزز قدرة المنظمة على القيام بمسؤولياتها.
3- انتخاب مجلس وطني جديد وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل وبقانون يتفق عليه، وبالتوافق في المواقع التي يتعذر فيها إجراء الانتخابات على أن تنتهي انتخابات المجلس الوطني بشكل متزامن مع انتخابات المجلس التشريعي وبما لا يتجاوز (عام من تاريخ توقيع الاتفاق) .
4- الاتفاق على قيام اللجنة المكلفة بتطوير منظمة التحرير حسب إعلان القاهرة 2005 باستكمال تشكيلها كإطار قيادي مؤقت لحين انتخاب المجلس الوطني الجديد (مع التأكيد على صلاحيات اللجنة التنفيذية وسائر مؤسسات المنظمة) .
ب ـ لجنة الانتخابات:
1- إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في جميع مناطق السلطة الفلسطينية بما فيها القدس.
2- تحديد آلية الرقابة على الانتخابات وتشكيل محكمة الانتخابات وفقا لأحكام القانون.
3- تحديد موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني بحيث تجرى متزامنة بما لا يتجاوز ( عام من تاريخ توقيع الاتفاق) .
4- تشكيل اللجنة المركزية للانتخابات.
5- توفير الضمانات اللازمة لإجراء وإنجاح الانتخابات في توقيتاتها.
ج ـ لجنة الحكومة:
1- الاتفاق على طبيعة الحكومة الانتقالية الجديدة (حكومة توافق وطني انتقالية مؤقتة تنتهي ولايتها بانتهاء ولاية المجلس التشريعي الحالي وإجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة ) .
2- تحديد مهام هذه الحكومة والتي يتمثل أهمها في الآتي:
(أ) متابعة إجراءات إعادة بناء الأجهزة الأمنية.
(ب) الإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية.
(ج) إعادة اعمار قطاع غزة.
(د) معالجة كافة القضايا الإدارية والمدنية الناجمة عن الانقسام بين الضفة الغربية والقطاع.
في ضوء تحفظ حركة حماس على أن يشمل البرنامج السياسي لتلك الحكومة الالتزام بالتزامات منظمة التحرير وهو ما رفضته حركة فتح والعديد من الفصائل باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى استمرار الحصار، فقد تدخلت مصر واقترحت تشكيل لجنة مشتركة في قطاع غزة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه (حظي هذا الاقتراح بقبول من الأطراف وتم التوافق على العديد من البنود المتعلقة بتشكيل اللجنة ومرجعيتها وإطارها القانوني، في حين لا تزال هناك خلافات بالنسبة لمهام هذه اللجنة، وقد أكدت حركة فتح أهمية ألا تؤدي هذه اللجنة إلى استمرار الحصار ) .
د ـ لجنة الأمن:
1- الاتفاق على عدد الأجهزة الأمنية (قوات الأمن الوطني ـ قوى الأمن الداخلي ـ المخابرات العامة) وان أي قوة أو قوات أخرى سواء موجودة أو يتم استحداثها تكون ضمن القوى الثلاث.
2- تحديد تعريف ومهام كل جهاز أمني ومرجعيته.
3- الاتفاق على معايير وأسس إعادة بناء وهيكلة الأجهزة الأمنية.
4- التوافق حول المبادئ العامة لعملية إعادة بناء وهيكلة الأجهزة الأمنية.
5-الاتفاق من حيث المبدأ على تشكيل لجنة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية تحت إشراف مصري وعربي.
6- وضع آليات المساعدة العربية في بناء المؤسسات الأمنية.
هـ ـ لجنة المصالحة:
توافقت لجنة المصالحة تماما على كافة المهام المنوطة بها وذلك من خلال الاتفاق على ما يلي:
1- تشكيل وهيكلية اللجنة الدائمة للمصالحة الداخلية.
2- ميثاق شرف ينص على عدم العودة للاقتتال الداخلي.
3- تحديد آليات ووسائل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
ثانياً: القضايا الخلافية
والتي سيتم بحثها نظراً لأن القضايا السابقة لم تعد هي القائمة مثل المعتقلين والأجهزة الأمنية والإشراف على المعابر والموظفين، فالرؤية اختلفت عما كانت عليه عام 2011 .