دعا أساتذة التاريخ والآثار في قطاع غزة إلى وقف كل أعمال التجريف في موقع تل السكن جنوب مدينة غزة، وإلغاء قرار تخصيص أراضيه للموظفين، وتعويضهم في أماكن أخرى.
وأوضح هؤلاء في بيان مشترك أن الآثار تكتسب أهمية عظمى في تاريخ الشعوب، لكنها في الحالة الفلسطينية تحظى بأهمية إضافية؛ نظراً لأن التاريخ القديم حلبة من حلبات الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي الذي استطاع أن يلفِّق وجوداً مزوراً له على أرض فلسطين.
وأشارت الحفريات التي نُفِّذت في عام 1931م إلى أن موقع تل السكن الأثري الواقع في مدينة الزهراء في مدينة غزة يعود إلى بداية الوجود الكنعاني في فلسطين حوالي 3500 ق.م.
وبالتالي صنفت حكومة الاحتلال البريطاني هذا الموقع ضمن المواقع الأثرية، ثم حصلت تنقيبات في الموقع عام 1999م، وتمتلك وزارة السياحة والآثار لُقىً كثيرة تم استخراجها من هذا الموقع.
وأظهرت الحفريات في هذا المكان وجود مبان من الطوب اللبِن، وتم حفر ثلاث حفريات في ذلك التل (مجسّات) عُثر فيهن على أسوار ومبان تم تصويرها، نُشرت في التقرير الذي كتبته البعثة الفرنسية والموجود لدى وزارة السياحة والآثار.
وتزداد أهمية هذا الموقع بأنه واحد من ثلاثة مواقع أثرية في قطاع غزة تنطبق عليها شروط الترشيح للإدراج على لائحة التراث العالمي في اليونسكو تحت اسم فلسطين، وتقدمت وزارة السياحة والآثار في عام 2004م بطلب إلى اليونسكو لإدراج 21 موقعاً في الضفة وغزة، منها موقع تل السكن حيث يُعد أكثرها أهمية. كما أشارت خرائط بلدية مدينة الزهراء إلى أن موقع تل السكن موقع أثري.
وقال البيان إن موقع تل السكن تعرض لجملة من التعديات، وتمت إقامة مبانِ على أطرافه قبل سنوات عديدة، لكننا فوجئنا في الشهرين الأخيرين بالشروع في أعمال تجريف وتسوية لأرض الموقع، تنفيذاً لقرار حكومي بتخصيص 13 دونماً من أصل 50 دونماً في هذا الموقع لصالح سداد ديون الموظفين على الحكومة.
وتابع "حينها ناشدنا رئيس اللجنة الإدارية في قطاع غزة، ورئيس المجلس التشريعي بإيقاف عملية التجريف وإبقاء المنطقة موقعاً أثرياً، ثم جرى وقف أعمال التجريف مؤقتاً وتشكيل لجنة حكومية لإعادة النظر في مدى صحة قرار تخصيص أراضي في ذلك الموقع، وقد أوصت اللجنة التي غلب عليها غير المتخصصين باستمرار أعمال التجريف، ضاربة بعرض الحائط كل الأدلة والمؤشرات التي تفيد بأن هذا موقع أثري يستحق المحافظة عليه وحمايته والتوصية باستكمال أعمال التنقيب العلمي فيه."
وطالب الأكاديميون بمنح وزارة السياحة والآثار الوقت والموازنة الكافيين لاستكمال التنقيب في موقع تل السكن، أو منحها الفرصة لجلب تمويل من جهات دولية مختصة في أعمال التنقيب.
وأكدوا أن استمرار أعمال التجريف في الموقع الأثري هو جريمة حسب القانون الفلسطيني الخاص بالآثار القديمة، رقم 51 لعام 1929، وتعديلاته التي آخرها رقم 462 لعام 1973م ولاسيما المادة (18) منه التي تمنع القيام بأية أعمال في موقع أثري دون إذن الجهة السيادية المسئولة عن الآثار وهذه المخالفات جريمة لا تسقط بالتقادم.
وحذروا من أنه إذا تم تخصيص أراضي الموقع لموظفين أو مؤسسات، فإنه وفق قانون الآثار القديمة (المادة 19)، يحق لوزارة الآثار وضع يدها على الملكيات الخاصة حفاظاً على الآثار مع تعويضهم بشكل مكافئ.
وحملوا الجهات الحكومية المسؤولية التاريخية والوطنية عن العبث بهذا الموقع الأثري الذي هو بمثابة إعلان تخلِ عن مسؤولية أخلاقية ووطنية تجاه حماية ركائز الرواية التي تدعم الحق التاريخي الفلسطيني.
وقالوا إن ما نسب إلينا كأساتذة متخصصين من أن المكان الذي تم توزيعه على بعض الموظفين، وما تم تجريفه، وما يراد استكمال تجريفه ليس ضمن موقع المدينة الأثري، ادعاء عار عن الصحة تماماً، ومحاولة للتغطية على جريمة قانونية وأخلاقية ووطنية فاحشة، للهروب من المساءلة القانونية والمسئولية التاريخية والوطنية والأخلاقية.
وطالب الأكاديميون الموقعون على البيان بالملاحقة القانونية لكل من ثبت تورطه في هذه الجريمة.