ذكرى 17 أكتوبر.. كاتم الصوت الذي أوجع "إسرائيل"

عملية اغتيال زئيفي.jpg
حجم الخط

تمر اليوم الذكرى السادسة عشرة للعملية النوعية لاغتيال الوزير الصهيوني، رحبعام زئيفي، التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتعتبر أكبر عملية اغتيال ينفذها فصيل فلسطيني رداً على اغتيال الاحتلال "الإسرائيلي" الأمين العام للجبهة، أبو علي مصطفى.

ورغم مرور كل هذه السنوات، إلا أن هذا الاغتيال ما زال يُشكل نقطة بارزة في التصدي للاحتلال، على الرغم من أن الجبهة الشعبية ما زالت تدفع ثمن العملية الفدائية حتى اليوم، عبر اعتقال أمينها العام أحمد سعدات وقياداتها والمؤثرين في الجبهة، في أحكام قطعية عالية أو إدارية تعسفية لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، إذ يعتقل الاحتلال نحو 40 من قيادات الجبهة الشعبية في أحكام إدارية (بلا تهمة) يتم تجديدها بشكل دائم، فضلاً عن تفكيك كل محاولات إعادة بناء التنظيم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وشَكَلَ اغتيال زئيفي، الجنرال السابق في جيش الاحتلال، والوزير الصهيوني الذي دعا إلى سياسة "الترانسفير" ضد الفلسطينيين وأحد أهم مؤسسي دولة الاحتلال، ضربة كبيرة لدولة الاحتلال، التي لم تتخيل يوماً أن فصيلاً فلسطينياً سيتجاوز التهديد إلى الرد المباشر واغتيال أبرز جنرالاتها رداً على اغتيال أبو علي مصطفى في مكتبه في رام الله عبر صواريخ موجهة أصابت رأسه بشكل مباشر وهو خلف مكتبه في 27 أغسطس/آب 2001، ليأتي الثأر سريعاً في 17 أكتوبر/تشرين الأول في العام ذاته باغتيال زئيفي في فندق "ريجنسي" في القدس المحتلة، باستخدام مسدس كاتم للصوت.

وترجم اغتيال زئيفي كلمات أحمد سعدات في حفل تأبين أبو علي مصطفى في سرية رام الله، حين قال "قسماً يا رمز عزتنا، الرأس بالرأس، والعين بالعين"، لتتم بعد اغتيال زئيفي ملاحقة السلطة الفلسطينية لسعدات والخلية المنفذة، قبل اعتقالهم لاحقاً لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي في 14 مارس/آذار 2006 بعد اقتحام سجن أريحا شرقي الضفة الغربية.

وأدرك أبو علي مصطفى أن إسرائيل قد بدأت فعلياً باغتيال رؤوس التنظيمات الفلسطينية، ولم تعد تكتفي بالقيادات الميدانية. وكانت ذروة غضبه حين أقدم الاحتلال على اغتيال القياديين في حركة "حماس"، جمال سليم وجمال منصور، عبر صواريخ موجهة من طوافات "الأباتشي" في 31 يوليو/تموز 2001. حينها قال أبو علي مصطفى للمقربين منه "بدأت عملية تصفية رؤوس الشعب الفلسطيني، وليس الكوادر الميدانية فقط".

عُرف أبو علي مصطفى بإجراءاته الحذرة في التحرك، إذ كان يتحرك عبر سيارة "مشطوبة"، أي لا تحمل ترخيصاً ولا تأميناً، وتحمل رقماً إسرائيلياً، مفضلاً التحرك بها وعدم استخدام سيارته الفخمة التي وضعتها منظمة التحرير الفلسطينية تحت تصرفه حين عاد إلى أراضي السلطة الفلسطينية في العام 1999، ولم يتمتع ببطاقة الرجل المهم مثل غالبية قيادات الفصائل الفلسطينية. وحين عاد إلى أرض الوطن، قال أبو علي مصطفى كلمته الشهيرة "لقد عدنا لنقاوم وندافع عن شعبنا وحقوقنا، ولم نأت لنساوم".

وكانت هذه التصريحات، التي عكستها الجبهة الشعبية في عملها الميداني المقاوم في أكثر من عملية نوعية، كافية لتضع أمينها العام على لائحة الاغتيالات الإسرائيلية. والوزن التاريخي والوطني لأبو علي مصطفى، جعل الرد يأتي عبر اغتيال شخصية إسرائيلية وازنة في دولة الاحتلال، والتي ما زالت تفاصيلها مجهولة حتى الآن، إذ رفضت الخلية التي تم اعتقالها بتهمة اغتيال زئيفي الاعتراف أمام محكمة الاحتلال، وتم الحكم عليها بأحكام عالية.

وشكل اغتيال زئيفي ضربة كبيرة لصورة دولة الاحتلال أمام الفلسطينيين أولاً، الذين رفعت العملية من الروح الوطنية لديهم، بغض النظر عن انتماءاتهم في فلسطين والشتات. وشكلت صدمة للاحتلال، إذ عبّر عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، آرييل شارون، في ذلك الوقت، حين قال: "كل شيء تغيّر"، مع إطلاقه وابلاً من التهديدات ضد الفلسطينيين ورئيسهم في ذلك الوقت الراحل ياسر عرفات. السلطة الفلسطينية بدورها بدأت تستنكر وتدين عبر وزير إعلامها في ذلك الوقت، ياسر عبد ربه، الذي قال "نأسف لعملية الاغتيال هذه، ونرفض كل أشكال الاغتيال السياسي".

وأضاف "نريد أن نضع حداً لدائرة القتل المفرغة، وإن كان زئيفي قد اتخذ مواقف وسياسات معادية ضد شعبنا، لكننا لا نزال نعتقد أن الاغتيال السياسي ليس هو الرد"، فيما بدأت أجهزة السلطة الأمنية، بأوامر من عرفات، تلاحق بشكل محموم قيادات وعناصر الجبهة الشعبية بحثاً عن الفاعلين.

وقالت عبلة سعدات، زوجة الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، لـ"العربي الجديد"، "بعد مقتل زئيفي حاولت السلطة أن تجد أحمد لكنها لم تستطع. وخضعت عائلتنا بأكملها للمراقبة من أمن السلطة، واعتقلوا شقيق أحمد وحققوا معه ولم يخرجوا بنتيجة". وأضافت "لولا ما قام به رئيس الاستخبارات الأسبق، توفيق الطيراوي، من استدراج لأحمد سعدات، لما تم اعتقاله على يد السلطة، وبعدها على يد الاحتلال الذي حكمه 30 سنة".

وأوضحت "طلب الطيراوي من القيادي في الجبهة الشعبية عبد الرحيم ملوح أن يقابل سعدات من أجل الحديث عن رفاق في الجبهة الشعبية معتقلين لدى السلطة، وكانوا يتعرضون للتعذيب، فاضطر سعدات لتحديد موعد معه في فندق سيتي إن في رام الله، وبعد اللقاء بربع ساعة هاتف الرئيس ياسر عرفات الطيراوي، وذهب الأخير للقائه نحو ربع ساعة، وعاد الطيراوي إلى الفندق، ليفاجأ سعدات بمئات من عناصر الأمن الفلسطيني تحاصر الفندق".

ورفض سعدات أن يركب سيارة الطيراوي معتقلاً نحو المقاطعة، وقال لهم "سأذهب إلى المقاطعة بسيارة أحد الرفاق، وهذا ما تم، إذ تم اعتقاله في المقاطعة" حسب عبلة سعدات. وقالت "تم استدراج سعدات واعتقاله ووضعه في المقاطعة، وبعد 10 أيام، أي في 21 فبراير/شباط 2002 تم اعتقال أعضاء الخلية، حمدي قرعان وباسل الأسمر وعاهد أبو غلمة، في نابلس من قبل الاستخبارات الفلسطينية.

واضطر أبو غلمة، بعد محاصرته، للقفز من الطابق الثاني للهرب فتكسرت قدماه ومن ثم تم اعتقاله". وأوضحت "بعد شهرين تمت محاصرة رام الله والمقاطعة، وبدأت الادعاءات بأن الحصار بسبب وجود سعدات ورفاقه داخل المقاطعة وأن إسرائيل تريدهم".

في ذلك الحين، "صرح المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، رعنان غيسين، أنه إذا ما أثبت الفلسطينيون بالأدلة اعتقال المطلوبين في اغتيال الوزير الإسرائيلي فإن الحظر المفروض على تنقل عرفات سيرفع.

ووضعت إسرائيل اعتقال قتلة زئيفي شرطاً لإنهاء حصارها لمقر عرفات في رام الله، الذي أحاطت به الدبابات الإسرائيلية منذ أكثر من شهرين". وقال شارون، وقتها، إن "عرفات سيظل حبيساً إلى أن يتم اعتقال منفذي الاغتيال ومدبريه ومحاكمتهم أو تسليمهم لإسرائيل"، حسب ما نشر موقع "الجزيرة نت" في حينه.

وأمضت قيادات الجبهة الشعبية والشوبكي نحو أربع سنوات في سجن أريحا. وقبل أسبوع من اقتحامه من قبل قوات الاحتلال أخبر سعدات زوجته، في آخر زيارة له، إن "أموراً مريبة تحدث في السجن"، وسرعان ما تبين انسحاب عناصر الأمن الأميركي والبريطاني من السجن بهدوء، ليتسنى للاحتلال اقتحامه واعتقال من فيه من قيادات الجبهة الشعبية والشوبكي في 14 مارس/آذار 2006، في حين لم يحرك الأمن الفلسطيني ساكناً، واكتفى بخروج عناصره عراة من المكان أمام عدسات الكاميرات.

وحول ما تردده السلطة الفلسطينية بأن اعتقالها لسعدات ورفاقه حماهم من الاغتيال، تجيب عبلة سعدات "لقد تم اعتقال سعدات عبر الاستدراج من قبل توفيق الطيراوي، وتم اعتقال الشباب الآخرين عبر الملاحقة والاقتحام من قبل السلطة. لم يعطوهم حق الاختيار، وهم الأقدر على تحديد مصيرهم". وبعد اعتقال أعضاء الخلية المتهمة بتنفيذ عملية اغتيال زئيفي، تم الحكم على أعضائها مجدي الريماوي 106 سنوات، وحمدي القرعان 125 سنة، وباسل الأسمر 60 سنة، وأحمد سعدات 30 سنة بتهمة رئاسة تنظيم سياسي محظور، وعاهد أبو غلمة 31 سنة بتهمة قيادة منظمة عسكرية.

ومنذ اغتيال زئيفي حتى اليوم، ما زالت الجبهة الشعبية ترزح تحت ضربات كثيفة من الاحتلال تمنع بشكل مطلق أية حالة استقرار للتنظيم. واستبدل الاحتلال الضربات الأمنية للتنظيم باعتقال المئات، بعد الحصول على معلومات من عنصر ضعيف فيها، وهي سياسة كانت رائجة في ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، وأدت إلى شلل التنظيم لسنوات، واستبدالها بسياسة الاعتقال الإداري (بلا تهمة) والذي تمارسه إسرائيل كسياسة رادعة.

ويوجد الآن نحو 40 من قيادات وعناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والمؤثرة تنظيمياً في سجون الاحتلال، تصل أعمار بعضهم إلى 70 سنة، مثل بدران جابر الذي رزح تحت الاعتقال الإداري وأفرج عنه قبل أيام، وغيره العشرات، أبرزهم خالدة جرار، وعبد الرازق فرج، ونضال أبو عكر، وعلي جرادات. وسياسة الاعتقال الإداري، التي تتم لمدة ستة شهور يتم تجديدها بشكل آلي لتصل إلى عامين أو ثلاثة، وبعد ذلك يتم الإفراج عنهم لبضعة أيام أو أسابيع وربما أشهر، قبل أن يستأنف الاعتقال الإداري مرة ثانية لضرب استقرار التنظيم ومنع إعادة بنائه مرة ثانية، ناهيك عن ملاحقة السلطة الفلسطينية لعناصر الجبهة، عبر المراقبة والاعتقال والاستدعاءات الأمنية، لكن الجبهة الشعبية بقيت التنظيم الوحيد الذي نفذ تهديده "الرأس بالرأس والعين بالعين".