عطفاً على مقالي السابق "الدكتور رامي الحمد الله والخطوة المنتظرة"، فإنني أُكمل ما ذكر لأقول: إن من الواضح أن عجلة المصالحة بدأت بالدوران، فهذا نائب رئيس الوزراء الدكتور زياد أبو عمرو يشد الرحال إلى غزة ويعلن من هناك: إن على الوزراء أن يمارسوا أعمالهم من هناك كالمعتاد، وهو تصريح يعني أن إجراءات إنهاء آثار الانقسام بدأت على قدم وساق.
وهذا يعني أن الدكتور الحمد الله بدأ قولاً وفعلاً في تطبيق التوجهات السياسية إلى أفعال على الأرض، فرئيس الوزراء قرأ الواقع بكثير من التحوط والحذر أيضاً، فهو لا يملك كل الإجابات لكل الأسئلة، ولا يملك كل الإمكانات لحل كل الإشكاليات، وهو يعرف أن الهوامش قليلة، وأن أطرافاً كثيرة تريد أن تستغل أقل هفوة، أو تصطاد في أصغر بركة، وهي أطراف متعددة، قد تكون من جهات قريبة أو بعيدة، من الأقاليم أو من خارجها، على رأسهم إسرائيل التي بدأت تشعر أن المصالحة أصبحت حقيقة ملموسة، وأن ذلك سيدفع إسرائيل إلى مربع دفع الاستحقاقات، ولهذا سارعت إسرائيل إلى أن تضع الاشتراطات التي تحول المصالحة وكأنها لخدمة امن إسرائيل، أو لإظهار إسرائيل وكأنها هي المنتصرة، وقد سارعت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان جيسون غرينبلات إلى تكرار الموقف الإسرائيلي بطريقة ميكانيكية تظهر مدى انصياع بعض الأطراف الأمريكية للأجندة الإسرائيلية، إن هذه المواقف الجديدة تثبت أن قرار المصالحة قراراً صحيحاً، وأنه يحرج أطرافاً كثيرة.
ولهذا فإن خطوات الدكتور رامي الحمد الله، المحسوبة وربما البطيئة، إنما تأتي متوافقة مع المتغيرات والمواقف التي تتكشف واحداً تلو الآخر، ورغم ذلك، فإن تصريحات رئيس الوزراء تأتي تطبيقاً وتناغماً مع توجه الرئيس محمود عباس ومواقفه بأن المصالحة لا رجعة فيها.
بالتأكيد فإن رئيس الوزراء لا يملك عصا سحرية لحل كل الإشكاليات، ولكنه بالتأكيد يملك رؤيا وخطة، وقبل كل شيء، فإن الدكتور الحمد الله فلسطيني بامتياز، اختير بعناية ليخدم شعبه وقضيته، ولا ننتظر ولا نريد منه سوى ذلك، وهو لها بالتأكيد.
وبهذا الصدد، فإن من الواجب أيضاً القول: إن على الفصائل الفلسطينية المختلفة التي استقبلت رئيس الوزراء عندما وصل غزة، بهذا الألق وهذا الحب وهذا الحماس، أن تقف مع الدكتور رامي، وأن تسهل مهمته الصعبة وأن تمد يداً وروحاً طيبة وجهداً منسقاً لتحويل المصالحة إلى حقائق ملموسة، وهذا من مسؤولية الكل الفلسطيني وليس مسؤولية الحكومة فقط.
إن مثل هذا الموقف المطلوب والمأمول يعزز سياسة رئيس الوزراء الرامية إلى أن يجعل من دوام الوزراء في غزة كما هو في الضفة الفلسطينية، بعد القرار الذي صدر عن رئاسة الوزراء بعدم سفر الوزراء خدمة لتحقيق المصالحة.
أخيراً، ما يقوم به رئيس الوزراء حتى الآن مدروس وحكيم، خاصة بعد المواقف الأمريكية والإسرائيلية "المتوقعة"، ولا يهمنا مواقف هؤلاء بقدر ما يهمنا مواقفنا وقراراتنا بتجسيد المصالحة التي هي رد على كل هذه المواقف أو أمثالها.