في البداية أعلن ستيفن ريشار، مدير عام شركة الاتصالات الفرنسية «أورانج»، أنه يرغب في قطع العلاقات بين شركته وبين بارتنر، الشركة الاسرائيلية التي تستخدم الاسم التجاري لـ «اورانج»، وشدّد على رغبته في علاقة شراكة مع دول عربية.
كان هذا في القاهرة، وبعد ذلك بيومين، حينما عاد الى باريس، اعتذر وأعلن عن حبه لاسرائيل ولليهود، وقال إن له اصدقاء يهودا هم «أبناء ناجين من الكارثة».
ما الذي حدث، إذاً؟ أي من التصريحين صحيح؟ هل يتغلب المال على حب اسرائيل؟ واذا كان في نيته الغاء العقد بين «اورانج» و»بارتنر» فلماذا لم يُجر المفاوضات مع الشركة الاسرائيلية بدل التصريحات في القاهرة؟ بالمناسبة، «اورانج» لا تعارض الافادة من المعرفة التكنولوجية الاسرائيلية، فهي تملك دفيئة تكنولوجية في اسرائيل، وتقوم بابحاث التطوير.
على مدى السنين تميزت النظرة الفرنسية للشعب اليهودي بالازدواجية: في العام 1789 زاد احترام اوروبا لليهود في أعقاب الثورة الفرنسية واعلان حقوق الانسان. لكن في العام 1940 في أعقاب الخضوع للألمان، أرسلت حكومة فيشي يهود فرنسا الى اوشفيتس. في العام 1948 قدمت الحكومة الفرنسية السلاح لسفينة «ألتلينا». وفي الخمسينيات والستينيات حدث اتفاق بين الدولتين، حيث قدمت فرنسا الطائرات الأساسية لسلاح الجو الإسرائيلي. وقد انتهى ذلك بخنجر في الظهر عشية حرب الايام الستة حينما قررت فرنسا فرض حظر السلاح عن اسرائيل. ما زلنا نذكر كلمات ديغول حول اليهود في تشرين الثاني 1967: «شعب نخبوي، واثق بنفسه، ويحب السيطرة». الآن يقود الهجوم على إسرائيل في الأمم المتحدة وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس.
التصريح الاول لريشار حول قطع العلاقة بين «اورانج» و»بارتنر» لو تحقق لما كان له تأثير على الاقتصاد الاسرائيلي. لكن هذه القضية أثارت في اسرائيل نقاشا حول حملة الدعاية التي يقوم بها أعداء اسرائيل، من خلال مقاطعتها. بعد فشل المحاولات الكثيرة للانتصار على الجيش الاسرائيلي في ميدان المعركة، واخضاع اسرائيل من خلال سلاح «الارهاب» ضد مواطنيها يحاولون الآن خنقها اقتصاديا، لكنهم يعرفون أنهم في هذه الحرب ايضا لن ينتصروا.
في كانون الاول 1945، أعلنت الجامعة العربية عن مقاطعة الحاضرة اليهودية في «ارض اسرائيل». «المنتوجات الزراعية والصناعية اليهودية غير مرغوب فيها في الدول العربية». كما جاء في ذلك القرار. عند إقامة دولة اسرائيل بدأت المقاطعة ضدها. في البداية كان يبدو أن هذا سلاح فعال بسبب مصادر النفط لدى العرب، ومع مرور الوقت تبين أن تأثير المقاطعة محدود.
قرر فلسطينيون، مؤخراً، العودة الى استخدام السلاح الاقتصادي ضد اسرائيل، وهكذا أقيمت حركة «بي.دي.اس» – بمبادرة منظمات فلسطينية – التي تحاول تجنيد أعداء لاسرائيل واللاسامية في كل مكان.
إن نشاط هذه الحركة لا يؤثر على الاقتصاد الاسرائيلي. فقد تغلبت اسرائيل على الازمة الاقتصادية العالمية بشكل ناجح أكثر من فرنسا (ودول اخرى في غرب اوروبا). الناتج المحلي الخام، وعلى رأسه المجال التكنولوجي المتقدم لاسرائيل، آخذ في الازدياد من سنة الى اخرى، وقد وصل الى 300 مليار دولار. والشركات التكنولوجية الكبيرة في العالم تتوق الى شراء المعرفة الاسرائيلية، والاستثمارات الاجنبية في اسرائيل كبيرة جدا. يبدو أن «بي.دي.اس» ستكون مرحلة فاشلة اخرى في الحرب ضد اسرائيل. ويمكن الافتراض ايضا أنها لن تفيد الفلسطينيين.
صحيح أن «بي.دي.اس» وصلت الى العناوين في اسرائيل، مؤخراً، لكن النتيجة مخزية ولا تعبر عن صرختها.
عن «هآرتس»
*وزير دفاع أسبق.
رسائل للبيت الأبيض لحظر فوري على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل
14 سبتمبر 2024