من هو صاحب فكرة التقاعد المبكر؟، وهل يمكن للحكومة أن تقدم لنا دراسة أقنعتها بجدوى التقاعد المبكر كي تقنع العامة بها؟، ولماذا تعمل الحكومة على تمرير قراراتها المتعلقة بالتقاعد المبكر بنظام القطعة؟، وما الذي دفع المتحدث باسم الحكومة "يوسف المحمود" للقول بأن حكومته ستتراجع عن كل الخطوات التي اتخذتها في حال تراجعت حركة حماس عن خطواتها الانفصالية؟، الواضح أن الحكومة لم تتراجع عن قرارها المتعلق بالتقاعد المبكر بعد أن قامت حركة حماس بحل اللجنة الادارية بل استكملت خطواتها بقائمة جديدة للتقاعد المبكر، والملاحظ في القائمة الجديدة هبطت بسن التقاعد المبكر الى 35 عاماً.
رغم أن قانون التقاعد لسنة 2005 ينص على أن احالة الموظف للتقاعد المبكر يكون حصراً في حالتين إما بالعقوبة التأديبية أو بطلب من الموظف ذاته، وحتى تعديل القانون بمرسوم لسنة 2007 نص على أنه يجوز لمجلس الوزراء أن يحيل أي موظف لاعتبارات المصلحة العامة للتقاعد المبكر اذا أكمل الموظف 15 سنة خدمة مقبولة للتقاعد، وبالتالي ربط الاحالة على التقاعد المبكر بالمصلحة الوطنية وهو ما يلزم الحكومة بأن تقدم للشعب ما يؤكد على أن احالة الألاف من ابناء قطاع غزة للتقاعد المبكر فيه خدمة للمصلحة العامة، وهي إن فعلت ذلك فبمقدورها أن تلجم كل المشككين في نيتها، ولكن كيف يمكن للحكومة أن تبرر أن المصلحة العامة تأتي من خلال احالة الالاف من موظفي غزة دون سواها للتقاعد المبكر؟، دون أن نغفل أن ما يقرب من عشرة آلاف موظف من قطاع غزة تم احالتهم الى التقاعد لبلوغهم سن التقاعد منذ الانقسام حتى تاريخه دون أن يتم توظيف أي من ابناء غزة عبر تلك السنوات.
يقول رئيس هيئة التقاعد "ماجد الحلو" أن الدراسة الاكتوارية للخطط الخاضعة لإدارة الهيئة أوصت برفع سن التقاعد في فلسطين لـ65 عاما، وأن هذه التوصية لا يتم الأخذ بها بشكل مباشر نظرا للوضع الخاص الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بسبب الاحتلال وارتفاع معدلات البـطالة، حيث ستعمل الهيئة على التدرج ما بين البـطالة وتمديد سن التقاعد، مؤكداً في الوقت ذاته على أن الدراسة حاربت التقاعد المبكر الذي يؤثر في صناديق التقاعد، وإن كنا نتفق معه على أن الوضع الخاص الذي نعيشه في ظل تفشي البطالة بين الخريجين لا تدفعنا باتجاه رفع سن التقاعد المبكر بل وقد تجبرنا على خفضه قليلاً، إلا أنه لا يجوز لنا بأي حال من الاحوال السير في الاتجاه المعاكس للدراسة، سيما وأن الدراسة الأكتواريّة هي نوع من العلوم التي تختص بالمستقبل وتعتمد على مبدأ تخمين المخاطر من خلال استخدام الطرق الحسابية والاحصائية وباتت أحد العلوم المهمة التي تبني الدول سياستها المالية المستقبلية اعتماداً عليها.
الواضح أن الحكومة لجأت إلى التقاعد المبكر الواسع في نطاق جغرافي من الوطن، دون أن تمتلك رؤية تقنع بها المواطن بسلامة قرارها، وأنها اعتمدت نظام التجزئة في قراراتها المتعلقة بالموظفين في قطاع غزة، وكان عليها أولا أن تقدم خارطة عمل واضحة ومقنعة مبنية على دراسة واقعية حول الموظفين وحاجة القطاعات المختلفة، وأن تتضمن حلاً عادلاً لتفريغات 2005 وكذلك سياستها فيما يتعلق بموظفي غزة، ولو أن الحكومة فعلت ذلك وذهبت بعدها بالتقاعد المبكر في شقي الوطن وضمن محددات واضحة تشمل الجميع لكان بإمكانها أن تفعل ذلك دون أن تدخل الموظف ومعه المجتمع الفلسطيني في حالة من التيه، هل حقاً نحن بحاجة إلى تجنيد جديد في الاجهزة الأمنية؟ ولماذا صار الى تسريب أن التجنيد سيكون لأبناء المتقاعدين؟، وماذا عن خرجي الجامعات الذين يشكلون الغالبية في طابور البطالة المتفشية في المجتمع؟، كل ما بتنا نخشاه أن قرار الحكومة بالتقاعد المبكر أشبه ما يكون بقرار الحكومة الذي طالبت فيه موظفيها بعدم الذهاب إلى عملهم بعد الانقسام، والمؤكد أن المجتمع هو من يدفع فاتورة قرارات اجتهادية بملامح فكرة طائشة.