في مختلف جوانب الحياة، وخلال أزمنه متنوعة، وفي مواقع ومجتمعات متعددة، يشير التاريخ إلى أن من لم يتغير قد أصابه الفشل، ومن لم يتغير لكي يواكب الاحتياجات والمتطلبات في الأزمنة المختلفة لم ينجح، ، حيث بينت تجارب المجتمعات أن هناك إدارات و شركات ومؤسسات ومنظمات وأجهزه كثيرة تلاشت لانها لم تتغير أو تعمل على تغيير طريقة عملها، أو منتجها، أو طريقة تعاملها وبالأخص مع البيئه المحيطة، لذلك لم تستطع البقاء والمنافسة.
وفي بلادنا، يكاد لا يمر يوم إلا ونسمع أو نقرأ أو نشاهد في مؤتمر أو في ورشة عمل، أو في مقال، الدعوة الى التغيير، تغيير في الاقتصاد وفي التنمية واساليبها، وفي القضايا الاجتماعية والثقافية وفي الوضع الصحي وغير ذلك. وبالطبع الدعوة الى التغيير الإيجابي، أي التغيير نحو الأفضل. ومن السهل المطالبة بالتغيير وحتى عرض ما يهدف له التغيير وما يجب توفره من مصادر وظروف وأموال وبشر، ولكن الأصعب، سواء في الاقتصاد أو في السياسة أو في التنمية أو في الصحة، سواء أكانت تنمية زراعية أو بشرية أو التنمية المستدامة، الأصعب في عملية التغيير هو قيادة التغيير، أو إيجاد الشخص أو الأشخاص الذين يعبرون بالتغيير من الموقع الحالي الى الموقع الآخر، وبنجاح. وهناك مساقات يتم تدريسها أو علم فيما يتعلق بإدارة التغيير، ولإحداث التغيير وببساطة يتطلب وجوده قادة من أجل قيادة التغيير.
وفي الاقتصاد أو في عالم الأعمال هناك المئات من المديرين الناجحين، الذين ينجحون في تحقيقه المفترض تحقيقه، والذي يتوج في نهاية السنة أو نصف السنة أو الفصل بنسبة الأرباح أو مستوى العائد على الاستثمار أو نسبة الربح الى السهم، حين تكون الشركات يمتلكها حملة الأسهم أو المستثمرون، أي أن المدير الناجح يحافظ على وضع قائم، ويقوم بإدارته في أحسن حال، أي يقوم بإستعمال ما هو موجود من مصادر بشرية، ومن ميزانية، ومن أدوات وما يحيط بكل ذلك من بيئة وظروف عمل، ويعمل على تحقيق افضل المخرجات، والتي في العادة تصب أو يتم تلخيصها بنسبة الربح أو ارتفاع السهم، أو القيمة السوقية للشركة أو المؤسسة، ويبقى الوضع عما هو عليه، مع تطوير هنا أو هناك، ومع زيادة هنا أو هناك، ويتم تصنيف المدير بالناجح.
ولكن توجد القلة من القادة، أو من يتصفون بصفات القيادة وأهمها التأثير والقدرة على أحدات التغيير والقدرة على الإقناع ويتميزون ببعد الرؤيا، والقدرة على بث التفاؤل والطموح والأمل بالتغيير، وبالتالي قيادة الناس نحو تحقيق الهدف، ويمارسون هذه الصفات، حتى ولو لم يكونوا في موقع العمل او البيئة المحيطة بالعمل. وفي عالم الأعمال، عند الحديث عن التغيير والإبداع، فيمكن تذكّر كيف تمت قيادة شركات كبرى نحو التغيير المتواصل، مثل شركة "أبل" و "ميكروسوفت" في عالم التكنولوجيا مثلا، وما ينطبق على التكنولوجيا ينطبق على شركات الأدوية، التي باتت نوعية وطريقة وسرعة إنتاجها تتغير ويشكل سريع ومثير. وبالتالي اذا لم يوجد قادة يقودون هذا التغيير السريع وبنجاح، فإن هذه الشركات لن تبقى تنافس وتحتل مكانا في السوق أو تلاقي الإقبال عند المستهلك، الذي يتغير باستمرار.
وعند الحديث عن التغيير والقادة، أي قادة التغيير، فإن هذا يعني الريادة والإبداع والابتكار، وهذا ليس بالضرورة في المنتج، ولكن في الأسلوب وفي التفكير وفي ثقافة العمل، أي التغيير والتأثير لإحداث التغيير، أو الإقناع بإحداث التغيير، لأن الناس وبطبيعتهم لا يرغبون في التغيير، أو يرغبون في البقاء في الوضع المريح المستقر،أو يعملون على مقاومة التغيير، لأن التغيير يتطلب طاقة وجهداً وأوضاعاً غير مستقرة، ولإقناع الآخرين بالتغيير وللعمل من أجله ومن ثم القيام به، يتطلب ذلك من القادة المبادرة وإظهار إيجابيات التغيير، وبأن يكونوا القدوة وان يملكوا القدرة على تحمل مسؤولية الفشل.
ما زال العديد من الناس، سواء من الأكاديميين أو من غيرهم يخلطون بين القيادة والإدارة، أو بين القائد والمدير، وبين صفات القائد ومؤهلات المدير، وهناك أمثلة كثيرة، وخاصة في مجال تغيير الشركات والمؤسسات وحتى الدول، أمتله فشلت وخسرت لان من تسلم دفة التغيير لم يكن قائدا، وإنما كان مديراً، وربما كان مديراً من انجح المديرين، ولكنه لم يستطع قيادة التغيير.
وفي ظل واقع حالي يتغير بسرعه من حولنا، وفي ظل معطيات ومستجدات ومتطلبات واحتياجات تتغير بإستمرار، فإننا نحتاج الى التغيير في مجمل نواحي حياتنا، وإن ما ينطبق على القادة والتغيير والتأثير والإقناع في مجال الاقتصاد والإعمال والعلاقات وأنماط التفكير، ينطبق كذلك في مجال السياسة وفي مجال إحداث التغيرات الاجتماعية والثقافية والتغيير في موازين وعلاقات القوى، وهناك أمثلة كثيرة لقادة غيروا الكثير، او نجحوا في الانتقال من أوضاع الى أوضاع، لم يكن من السهل تصور حدوثها أو تحقيقها حين تم التفكير أو البدء بالتغيير.
