تشهد غزة معركة إعلانية من نوع خاص ورغم تفاصيل السياسة وغياب المشهد التنافسي على مستوى الشركات الكبرى في القطاع، إلا أن هذا الحملات الإعلانية المبالغ فيها اصطدمت بالكثير من الرفض النخبوي والشعبي الذي يرى في ذلك اهدار للإمكانيات المادية والبشرية التى يمكن استغلالها وفق أولويات المعاناة التى تعيشها غزة وبما يحقق سمعة إيجابية وطيبة للشركات المتنافسة.
المشهد الذي رسمته لوحات الاعلانات على طول طريق صلاح الدين وطريق الساحل يوحى بأن معركة من نوع خاص قد بدأت رحاها بين قطبي شركات الاتصالات الخلوية في الأراضي الفلسطينية، وعلى وقع الاعلانات المستمرة عبر اثير الاذاعات المحلية تعيش أجواء تنافس تكاد تكون متقاربة فلا توجد عروض حقيقية يمكن للجمهور الاستناد عليها في اتخاذ قراره بالاشتراك في الخدمات التي تقدمها الشركات المتنافسة.
جملة من الملاحظات يمكن تسجيلها على الأداء الإعلاني في أسواق غزة خلال الحملة الأخيرة يمكن ايجازها في نقاط محددة:
أولاً: جاءت الحملة بين قطبي شركات الاتصال الخلوي في فلسطين، وعلى الرغم من التواجد المسبق لشركة جوال بغزة إلا أنها قررت أن تدخل الصراع الإعلاني من أوسع أبوابه أمام الضيف الجديد الوافد الى القطاع.
ثانياً: تتسابق الحملات الإعلانية لكل من الشركات على خطاب الرأي العام الفلسطيني بشكل يتوافق مع نعرات مجتمعية تجرح الهوية الفلسطينية، وما بين الكبير وأهله وجد المواطن نفسه عرضة لأساليب ساخرة لا ترقى لمعاناته المتفاقمة.
ثالثاً: سادت الألوان الخضراء والحمراء وتراجع صراع المنافسة بين الأخضر والأصفر، وهو ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي ووجدنا سيلاً من التهكمات بين رواد شبكات التواصل على الحالة الانقسامية التى تشهدها شركات الاتصالات الخلوية والتى يتوقع المواطن أن تأتي في صالحه بعد أن تحمل فاتورة الانقسام السياسي بين الأصفر والأخضر.
رابعاً: كشفت التجربة الإعلانية التى يخوضها السوق التنافسي بقطاع غزة عن محدودية التنافس بين شركات الاعلانات بعد أن وضعت نفسها في مسار إعلاني ضيق يدلل على تراجع أسهم الأفكار الإبداعية التى يمكن أن تقدم من خلالها الشركات الخدماتية لجمهورها بشكل يليق بالدور المنوط بها.
خامساً: تفيد المؤشرات الأولية أن الحملات الاعلانية لم تقم بحسم قرار المستهلكين تجاه الخدمات بل رفعت من مستويات الفضول بحثاً عن عروض حقيقية يمكن الاستناد عليها في الانحياز لفريق على حساب آخر، وبالتالي فإن مسألة نجاح الحملات الإعلانية مرهون بسقف التوقعات العالي الذي رفعته الحملات في أذهان العملاء المتوقعين.
سادساً: مساحات التنافس بين الشركات محدودة ولا جديد يذكر يمكن أن يشكل فارق في الخدمات التى تقدمها كل منهما، فمسألة التكاليف تكاد تكون واحدة، وتطوير الشبكات لم يحصل بخصوصه جديد فما زالت شبكة 3G ممنوعة من العمل في القطاع وفلسطين.
يمكن القول أن الحملات الإعلانية تندرج ضمن الاتصالات التسويقية التى تقوم بها الشركات في الوسط الاقتصادي، غير أن ما جرى من حملات اعلانية يتصادم مع برامج المسئولية الاجتماعية التى لا تقل أهمية عن الإعلان بل إنها في الحالة الفلسطينية تكاد تكون أهم وأعظم.
فالبيئة المجتمعية التى تنطلق منها هذه الشركات يوجب عليها أن تدفعها للبحث في كيفية خدمة هذا الجمهور بشكل يعبر عن احتياجاته وبعيداً عن استعراضات القوة التى ستسقط امام اختبار الاسعار والتكلفة. يحتاج المواطن في القطاع الى كل دولار يمكن أن ينفق دون جدوى، ومخازن وزارة الصحة التى تنقصها الأدوية، وعشرات الحالات الصعبة التى تنتظر العلاج بالخارج، وآلاف الطلبة المحرومون من شهاداتهم الجامعية، والقاعات المدرسية المكتظة بطلبتها، ومعامل الحاسوب التي تحتاج الى تطوير في المعاهد والأكاديميات هي أولى من صرف مبالغ طائلة على حملات اعلانية مبالغ فيها لن تسمن ولن تغني أمام قرار زبون ينتظر أقل الأسعار وافضل الخدمات.
رسالتنا الى شركات الاتصالات وفي ظل أجواء التنافس أن المواطن سيكون جاهز للاختيار بناء على عروض حقيقية، ومسألة إغداق الوعود بعيداً عن جدية العروض سيصيبكم بانتكاسة، وعليكم أن تعوا أن الجمهور يبحث عن خدمة جديدة بأسعار تنافسية وبجودة عالية. نقدر دوركم ونأمل أن تكونوا معول بناء للاقتصاد الوطني