كشف مستشار الرئيس الشهيد ياسر عرفات، أ. بسام أبو شريف، عن كيفية اغتيال القيادي والمؤسس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وديع حداد، بعد 30 عاماً من اغتياله في مدينة برلين الألمانية.
وقال أبو شريف لأول مرة في حديث خاص بوكالة "خبر"، إن اغتيال وديع حداد تم بالتعاون بين إسرائيل والعائلة الملكية السعودية في ذلك الحين، وبندر بن سلطان الذي كان مسؤولاً بالاستخبارات السعودية آنذاك.
وأشار إلى "أن وضع السم لخالد مشعل سبقه اغتيال وديع حداد بذات السم"، مضيفاً: "عندما قلنا أن وديع حداد قُتل مسموماً نفت إسرائيل ذلك، واعترفت بأنه استشهد مسموماً بعد وقتٍ طويل".
وتابع أبو شريف: "العالم يُحرج عندما يطالب عربي بقول الحقيقة، وعندما نقولها نحن يطمسونها"، متحدياً رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب بأن يمتلك الجرأة بطلب تفتيش الأسلحة الكيماوية في كافة بلدان الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل.
وأردف: "هناك تعاون بين إسرائيل وأنظمة عربية تسارع في تطبيع العلاقات معها علناً الآن ولكنها كانت قائمة بالسر منذ زمن طويل"، مضيفاً: "لذلك نحن محاطين بالأعداء وعلينا أن نستعد لمرحلة قادمة تتطلب التيقظ التام لمخططات إسرائيل وأمريكا بتكوين إمبريالية صهيونية بالشرق الأوسط".
من هو وديع حداد؟
وديع حداد قيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولد عام 1927 في مدينة صفد، وهو أحد مؤسسي الجبهة الشعبية وقبلها حركة القوميين العرب، وهو ورفيق دربه د. جورج حبش.
وولد الشهيد وديع حداد في مدينة صفد في العام 1927، وكان والده يعمل مدرساً للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية في مدينة حيفا، وبحكم وجود والده في مدينة حيفا فقد تلقي تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في المدينة، وأثناء وجوده على مقاعد الدراسة بمراحلها المختلفة تميّز الشهيد وديع بذكائه المتقد ونشاطه المميزة وتفوقه في مادة الرياضيات، كما أنه كان يمارس رياضة الجري وأنشطة رياضية أخرى.
ونتيجة للمأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة النكبة عام 48، اضطر الشهيد وديع للهجرة من وطنه واللجوء مع عائلته ووالده إلى مدينة بيروت حيث استقر بهم المآل هناك، وفي هذه الأثناء التحق وديع بمقاعد الدراسة في الجامعة الأميركية ليدرس الطب.
وولّدت النكبة داخل الشهيد وديع شعوراً عالياً بالمسؤولية تجاه شعبه وقضيته التي ازدادت مأساوية على ضوء النكبة، الأمر الذي عكس نفسه على اهتماماته وتوجهاته المستقبلية، ودفعت به باتجاه الانخراط الفعلي في الفعل الوطني الكفاحي للشعب الفلسطيني، وقد تجلّت بواكير هذه التوجهات خلال انخراطه وهو ما يزال على مقاعد الدراسة في إغاثة أبناء شعبه المشردين جراء النكبة، ولاحقاً عبر انخراطه في جمعية "العروة الوثقى" التي بدأت بلعب دور سياسي بعد انخراط الشباب القومي المتحمس للعمل السياسي بها، وتولي الشهيد وديع موقعاً قيادياً في هذه الجمعية.
وما أن أعلن عن تشكيل "هيئة مقاومة الصلح مع اسرائيل" والتي تم تشكيلها من قبل "الشباب العربي القومي" تصدّر الشهيد وديع الأنشطة السياسية التي كانت تقوم بها هذه الهيئة كعضو قيادي فيها، وكانت هذه الهيئة تقوم بأنشطة عديدة لمناهضة الصلح تمثلت بالمظاهرات والمنشورات، الى جانب دورية "الثأر"، ويمكن القول أن الشهيد وديع بدأ عمله السياسي كمحترف وقائد سياسي وجماهيري بعد تخرجه كطبيب من الجامعة الأمريكية وانتقاله الى ساحة الأردن والتحاقه برفيق دربه الدكتور جورج حبش الذي كان قد سبقه الى هناك، ليشكلا معاً العيادة المجانية إلى جانب عيادتيهما، معتبرين نشاطهما الأساسي والرئيسي النشاط الوطني والقومي وليس الطبي.
وفي سبيل تعميق وتجذير التوجه الذي اختطّاه في العيادة الطبية، قاما بإنشاء صفوف تدريس لمحو الأمية لكبار السن، كما استطاعا وعبر رفاق أردنيين أعضاء في الحركة النفاذ إلي نادي "المنتدى العربي" واعتباره أحد المنابر التي انطلق نشاط الحركة من خلاله.
وقد تتوجت تلك التوجهات ببلورة نواة كحركة القوميين العرب في الأردن، استطاعت وبزمن قياسي أن تساهم بشكل أساسي في المواجهات التي خاضتها الحركة الوطنية الأردنية في مواجهة "تمبلر" ومشروع حلف بغداد وإسقاط حكومة هزاع المجالي وتالياً تدريب قيادة الجيش ورحيل كلوب باشا، وقد مثلت هذه التوجهات بداية نهوض وطني عام في الأردن.
وعلى ضوء هذه المعارك والمواجهات والدور الملموس الذي لعبته الحركة خلالها، أصبحت تحظي بدور وسمعة جماهيرية عالية وكبيرة، وبرز الشهيد وديع بوصفه الدينامو المحرك والموجه لفعلها الميداني المتنامي.
لكن النظام الأردني لم يسلم بالهزيمة التي لحقت به، وقام بهجوم معاكس في نيسان عام 1957 ضد حكومة النابلسي الوطنية، واتبعها بحملة اعتقالات واسعة طالت رموز وقيادات الحركة الوطنية ونشطائها، وكان من ضمن الذين ألقي القبض عليهم الدكتور وديع الذي أودع في المعتقل الصحراوي المعروف "بسجن الجفر".
ومكث الدكتور وديع حداد ثلاث سنوات في معتقل الجفر الصحراوي، وبعد جهود مكثفة أفرجت السلطات الأردنية عنه، وخلال وجوده في المعتقل مثل الدكتور وديع نموذجاً وقدوة لكافة القوى، ولم ينس رسالته الإنسانية والجماهيرية، حيث قام وخلال سجنه بإغاثة وعلاج أبناء العشائر البدوية المقيمين في المنطقة بشكل طوعي ومجاني.
التحق الدكتور وديع فوراً بمقر الحركة في دمشق بعد تحرره، وهناك وعلى ضوء العلاقة الجيدة بين الحركة وقيادة الجمهورية العربية المتحدة وعبد الناصر، ونظراً لاندماجه في المواضيع العملية، انخرط في دورة عسكرية في دمشق وكان المسؤول الأول عن هذه الدورة، ولاحقاً أسندت له الحركة مسؤولية العمل الفلسطيني والذي كان حتى ذلك الوقت ممثلاً يرأس قيادة في إطار الحركة ولم يكن فرعاً متكاملاً.
وعلى ضوء عملية الانفصال التي حصلت بين مصر وسوريا، انتقل وديع الى بيروت واستمر في تولي مسؤوليته القيادية للجانب الفلسطيني، وفي مرحلة لاحقة تولى مسؤولية العمل العسكري لكل فروع حركة القوميين العرب حيثما تواجدت، حيث أسندت له مهمة الإعداد للعمل الفدائي فلسطينياً وعربياً (اليمن - ليبيا - وأقطار أخرى) وعلى المستوي الفلسطيني كان الشهيد وديع من أكثر المتحمسين لبدء العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني.
وجاءت هزيمة حزيران 1967 لتزيد اندفاعاته وحماسه في ممارسة الكفاح المسلح، وكان الشهيد وديع مشدوداً لإنشاء جبهة فلسطينية كاملة تضم كل القوى المسلحة على الساحة الفلسطينية علي شاكلة الجبهة التي تشكلت في الجزائر، ولإخراج هذه الفكرة إلي حيز الوجود الفعلي، قام الشهيد وديع مندوباً عن الحركة بفتح حوار مع كل من حركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية، و"طلائع حرب التحرير الشعبية" (الصاعقة) وفشلت المحاولة بسبب موقف قيادة فتح من مسألة الجبهة الوطنية.
وفي ظل الأجواء الملبدة بغيوم الهزيمة العربية الرسمية في حزيران 67، وفي ظل الشعور المتزايد لدى قيادة حركة القوميين العرب أن النضال القومي قد غيّب الخاص الفلسطيني، فقد اتجهت الجهود نحو تشكيل أداة فلسطينية تكون مهمتها النضال من أجل تحرير فلسطين، عبر تبنيها لأشكال نضال ووسائل كفاحية تتخطى وتتجاوز الأشكال والأساليب التي اتبعتها الأنظمة العربية الرسمية، والتي ثبت عجزها على مواجهة التوسع الصهيوني واسترداد فلسطين، وتم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من شباب الثأر وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية وعدد من الشخصيات والرموز الوطنية القومية الناصرية.
ومنذ التأسيس تولى الدكتور وديع مهمات قيادية أساسية جداً في الجبهة حيث أسندت له مهمتان رئيسيتان هما المالية والعمل العسكري الخارجي، وأثبت الشهيد من خلالهما قدرات قيادية وعملية جديرة بالاحترام والتقدير، حيث جسد شعار "وراء العدو في كل مكان" بطريقة فاعلة.
ومهما تكن وجهات النظر التي طرحت سابقاً وربما تطرح الآن بخصوص هذا الشكل الكفاحي، فإن العمليات العسكرية التي نفذتها الجبهة والخط التكتيكي العسكري الذي قاده الشهيد وديع كانت في حينه ضرورة من ضرورات إشهار القضية الفلسطينية وتعريف العالم بقضية هذا الشعب ومعاناته جراء الغزوة الصهيونية الغاشمة التي شردته من أرضه ووطنه ورمت به في شتات الأرض ومخيمات اللجوء المختلفة.
واستشهد القائد وديع حداد في عام 1978 بألمانيا الشرقية.