11 حزيران 2015
قرّر وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، أول من أمس، استخدام صلاحياته لمنع عرض مسرحية «الزمن المقابل» من سلة الثقافة، في الوقت الذي قررت فيه لجنة «سلة الثقافة» إبقاء العرض في برنامج الجهاز التعليمي. في المقابل، نزلت ضربة اخرى على عالم المسرح، هذه المرة من وزيرة الثقافة ميري ريغف، حيث أعلنت الوزيرة أنها تدرس امكانية الغاء دعم وزارتها لمسرح الاولاد والشباب «الميناء» في يافا، بسبب رفض الممثل نورمان عيسى، مؤسس المسرح (مع زوجته جدعونا راز) ومديره الفني، الظهور في غور الاردن وتقديم عرض «انقلاب السحر على الساحر» التابع لمسرح حيفا.
«قرار عيسى لا يعبر عن التعايش الذي يؤمن به ويعلن عنه»، كما كتبت ريغف في الفيس بوك. «اذا لم يتراجع نورمان عن قراره، فأنوي مراجعة دعم الوزارة لمسرح 'الميناء'«.
بعد ذلك ببضع ساعات، حينما تحدثت في احتفال بدء عرض أفلام البالغين في معهد السينما في كلية سفير، الذي يقام في اطار مهرجان السينما في الجنوب، أضافت ريغف: «وظيفتي كوزيرة للثقافة هي ضمان تنوع الاصوات في المجتمع الاسرائيلي، لكن في هذه الاثناء نحن في جبهة دبلوماسية، ويجب فعل كل ما هو مطلوب من اجل وقف كل من يقدم الذخيرة لأعدائنا».
قسم من الجمهور، الذي في أغلبيته من الطلاب الجامعيين، رد بالصراخ والاستغراب لأنه من غير حرية التعبير لا توجد ديمقراطية. «لا يوجد أمر كهذا»، صرخ باتجاهها البروفيسور عنار برمنغر، رئيس مساق السينما في الكلية.
التصريحات المتكررة لوزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريغف، بأنها تعترف بالتعددية وتشجعها منحتها اسابيع معدودة من الرعاية، أقل بكثير من الـ 45 يوما التي طلبتها عند تعيينها. حتى اولئك الذين تجاهلوا جملتها عندما تولت الوظيفة – «لن أسمح بأن يتم المس باسم التعددية بصورة دولة اسرائيل، وجنود الجيش الاسرائيلي وبميراثنا كدولة يهودية ديمقراطية» – اضطر اولئك لاعادة النظر في مواقفهم منها.
كل من علق الآمال على اعتدال وتراجع الوزيرة عن كلامها في الفيس بوك مع توليها الوزارة، خاب أمله. لقد عادت الى الذاكرة تهديدات وكلمات وزيرة الثقافة السابقة، ليمور لفنات، التي ارتبط اسمها بالفنانين الذين رفضوا تقديم العروض في ارئيل وتعهدها بفرض عقوبات على الميزانية ضد المؤسسات لاسباب ايديولوجية.
«اذا نفذت ريغف تهديداتها، فيجب على المسارح الاسرائيلية أن تعلن اضرابها»، قال مدير رفيع المستوى في المسرح الاسرائيلي، أول من أمس، وتمنى أن تنضم الى هذا الاضراب المتاحف وباقي المؤسسات الثقافية.
بدأت قضية نورمان عيسى، أول من أمس، مع النبأ الذي نشر في «اسرائيل اليوم»، حيث كتب أن الممثل رفض الظهور في غور الاردن لأسباب سياسية. وردا على ذلك أعلن رئيس مجلس غور الاردن، دافيد الحياني، أنه سيوقف الاتصالات مع مسرح يافا، إلا اذا اعتذرت الادارة عن تصريح عيسى.
عيسى نفسه قال، أول من أمس: «إنني عربي اسرائيلي، متزوج من يهودية، وأقوم أنا وزوجتي بتكريس حياتنا كلها من اجل التعايش المشترك بين اليهود والعرب، لذلك انشأنا المسرح في يافا. لا تتوقعوا مني التصرف ضد ضميري وأن أوافق على الظهور في اماكن مختلف عليها. هذا الامر ليس جديدا، وقد تم حل هذه المشكلة قبل سنوات في مسارح اسرائيل حينما تقرر أن العروض المسرحية يجب تُعرض في كل مكان، واذا قرر أحد الممثلين، عربي أو يهودي، عدم الظهور لاسباب ضميرية، فسيتم استبداله بممثل آخر». وأضاف أنه أبلغ المسرح قبل اربعة شهور بضرورة استبداله بممثل آخر لهذا العرض، إلا أن ذلك لم يتم.
ليس هناك توافق كامل في عالم المسرح حول هذا الموضوع. «الفن يخترق الحدود السياسية، وليس من المنطقي أن يقول ممثل، سواء كان يهوديا أو عربيا، إنه لا يريد الظهور أمام هذا الجمهور أو ذاك بسبب مكان وجوده أو بسبب مواقفه السياسية»، قال مدير عام مسرح «تموناه» في تل ابيب، ايلان روزنطال. «لا توجد صلة بين مواقفك كممثل وبين المكان الذي تعرض فيه. يجب أن تعرض في كل مكان يستدعونك إليه بغض النظر اذا كنت تابعا لمسرح «البيما» الكامري أو مسرح يافا. إلا اذا كنت مستقلا».
في الوقت الذي رفض فيه عيسى القيام بدوره في العرض المسرحي في مسرح حيفا، فان تهديد ريغف موجه لجسم آخر – مسرح «الميناء» الذي يعمل فيه عيسى كمدير فني. «نحن نطلب عدم الربط بين مواقف الممثل نورمان عيسى وبين نشاط الجمعية»، كما جاء من المسرح. «الحديث يدور عن جمعية غير ربحية، تشجع التعايش بين الاطفال اليهود والعرب من اجل التغيير في الوعي داخل المجتمع».
يقول داتنر إنه «يأتي الى المسرح في يافا جمهور يهودي وعربي. لا يجب ابتزاز المسرح أو تهديده بسبب الموقف الضميري لعيسى، بل يجب على ريغف أن تفهم حساسية هذا الأمر والتصرف بالمثل».
حسب أقوال داتنر كان يفترض أن يكون العام القادم هو العام الاول الذي يُمنح فيه مسرح «الميناء» الميزانية من وزارة الثقافة بعد توفر المعايير لذلك. وأضاف أنه اذا تم التعامل بنفس الروحية مع المسارح الكبيرة «فسأكون من أوائل من يقف في الجبهة من اجل منع حدوث ذلك، وهذا غير ممكن».
قال مدير عام «الكامري»، نوعم سيمل: «نحن نعيش في دولة ديمقراطية، والاموال التي تمنح للمؤسسات الثقافية في اسرائيل تُمنح حسب القانون والعدل. واذا أصابنا الضرر- لا سمح الله- لهذا السبب أو ذاك، فاننا سنستنفد كل الاجراءات القضائية الممنوحة لنا، فمحكمة العدل العليا توجد فوق جميع الأوامر. وآمل ألا نصل الى هذا الوضع».
وأضاف سيمل أنه لا يعتقد بضرورة فعل أي شيء الآن، وأنه يجب عدم تأجيج الوضع. «في حينه حدث هذا الأمر مع قاعة الثقافة في كريات اربع، وكان هناك اجماع على عدم تقديم العروض في كريات اربع. كريات اربع نفسها لا تريد ذلك. يجب أن يتم هذا الأمر بالتفاهم وعدم نسيان أننا نعيش في دولة ديمقراطية»، قال.
قالت ريغف، أول من أمس، إن «مسرح الميناء وقيم التعايش التي يهتم بها مهمة بالنسبة لي، لكن مثل أهمية التعايش فأنا أهتم وأساعد جميع الاصوات من اجل التعايش، وهذا ما أتوقعه ممن يؤمن بالتعايش، بأن يترجم ذلك فعليا».
وأعلنت وزارة الثقافة والرياضة أن الوزيرة تنوي استدعاء عيسى الى مكتبها لفحص هذا الموضوع من جميع الجوانب، وبذلك تحافظ على التعايش في جميع أنحاء البلاد.
وقال البروفيسور برمننغ، من كلية سفير، الذي سمع خطاب الوزيرة، إنها تستخدم التخويف. «يجب على وزيرة الثقافة أن تراعي جميع الاصوات، لكن الوزيرة تقوم من خلال اقوالها باسكات بعض الاصوات، وهذا أمر خطير. الرقابة تبدأ عندما يخاف الناس. هي عمليا تقول ستحصلون على الاموال، لكن بشرط ألا تقوموا بسلب الشرعية. يقوم الانسان بعمل الافلام ويخاف، فهي لا تفهم معنى التعددية».
ليس عيسى ومسرح «الميناء» فقط من شعروا بأنهم في بؤرة الهدف. فقد قرر بينيت الغاء قرار لجنة العروض المسرحية، واخراج العرض المسرحي التابع لمسرح «الميدان» الحيفاوي، «الزمن المقابل» من السلة – بعد أن قرر اعضاء اللجنة بالاجماع أن هذا العرض لا يتضمن امور مضرة أو محرضة، وهذا يعتبر فتح جبهة ثقافية اخرى.
قال مدير عام مسرح «الميدان»، عدنان طرابشة: «أستغرب من تصرف بينيت هذا»، وأضاف: «جميع قراراته تبحث عن الصيت من اجل زيادة الكراهية بين العرب واليهود – بدون أن يشاهد العرض، خلافا للمهنيين، أراد تكميم الأفواه. هذه مسيرة لملاحقة الفنانين، ليس فقط مسرح «الميدان»، بل ايضا نورمان عيسى، كذلك الفنانون الذين يتحدثون ويعبرون عن آراء معينة. للأسف الشديد هذا يلاقي غطاءً ودعما كبيرا من هذه الحكومة».
«الزمن المقابل» لبشار مرقص ومن اخراجه تُعرض منذ سنة في مسرح «الميدان»، وهي تتحدث عن سجين أمني يريد بناء المزيد داخل السجن من اجل زواجه. كُتب النص بإلهام من قصة وليد دقة، الناشط في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذي أُدين بسبب علاقته بخطف وقتل الجندي موشيه تمام في العام 1984 وحكم عليه بالسجن المؤبد.
باركت عائلة تمام وزير التعليم على اخراجه هذا العرض من السلة. وطلبت العائلة من وزيرة الثقافة ميري ريغف «وقفا فوريا لتمويل المسرح الذي يقدم عرضا من وحي قاتل، وكُتب من قبل من يعتبرونه بطلا محببا إليهم».
في المركز القانوني «عدالة»، الذي توجه الى لجنة سلة الثقافة بطلب عدم اخراج العرض من السلة، اعتبروا أن قرار بينيت هو تكميم للأفواه. «مغزى القرار هو تقييد حرية التعبير بسبب الرأي أو العرض الذي لا يتفق مع رأي الاغلبية. وهذا القرار يمس حرية التعبير والطلاب العرب الذين يشاهدون العرض في اطار النشاط المدرسي».
واعتبر المخرج سيناي بتار الاجراءات والتصريحات التي أُسمعت، أول من أمس، من ريغف وبينيت، اعلان حرب من حكومة اسرائيل، ليس فقط ضد الثقافة بشكل عام بل ضد الثقافة العربية الاسرائيلية بشكل خاص.
«هذه ميزانية مسرحين صغيرين، لكن مغزى الحرب الرمزية هو أكثر من ذلك بكثير. توجد هنا سياسة تكميم أفواه واضطهاد، لم نشهدها ضد أي عروض بالعبرية. فلم يتم اتخاذ اجراءات كهذه ضد أي ممثل يهودي أو مسرح يهودي. هذه الحقيقة هي نوع من الابرتهايد الذي يتسلل الى داخل النقاش الثقافي الاسرائيلي. اذا كان نورمان عيسى، الذي يدعم التعايش اليهودي- العربي، يُهاجم بهذه الدرجة، فنحن في حالة طوارئ. هذا زمن مظلم، كما قال بريخت، وأول من أمس تم تجاوز الخطوط الحمر»، قال سيناي.
عن «هآرتس»
تأهب بجيش الاحتلال خوفا من عمليات استشهادية داخل إسرائيل
30 سبتمبر 2024