لاحظت زوجتي مؤخراً إهتمام إبننا البالغ من العمر 11 عاماً بمقاطع فيديوهات يوتيوب بمنحى إباحي على لوحه الحاسوبي الخاص. سرّني للحظات أن صار لي ابنٌ سينضج قريباً وبات على مرمى شهوة. وأفزعني بهيمية إباحية إلكترونية قد تُشوّه سويته، ما دفعني إلى بحث إستطلاعي.
تفيد إحصاءاتٌ يُعتَدُّ بها لشركات متخصصة بتحليل مضمون “البيانات الضخمة big data” أن معظم الأطفال يتعرضون لمحتوى إباحي إلكتروني في عمر 11 عاماً. وتفيد تحليلات بيانات مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي أن ما نسبته 22% من زوار أحد أشهر المواقع الإباحية ponhub (قيمته الشرائية 3 مليار دولار) في الفئة العمرية أقل من 17 عاماً هم أطفال دون سن 11 عاماً. وبدا مفاجئاً أن ما نسبته من الأطفال دون سن 13عاماً من مدمني مشاهدة البورنو! وقد أثبتت الدراسات أن حجم المادة الرمادية في الدماغ (مرتبطة بالذكاء) تتناقص بالتناسب مع إزدياد ساعات المشاهدة، كما أن تأثير المشاهدة الإباحية يقارب تأثير الكحول على الدماغ بنفس الكيفية.
0 من إجمالي ملفات التحميل على الإنترنت إباحية، ويشكل المحتوى الإباحي ما نسبته 2 من إجمالي محتوى الانترنت الإجمالي، بعدد مواقع متخصصة بلغ 436 مليون موقعاً، % من عمليات البحث المسجلة عالمياً على الهواتف الذكية محتواها إباحي. سجلت هواتف المتزوجين تصفح محتوى إباحي بنسبة V. كما تشمل حركة رسائل البريد الكتروني يومياً 2.5 مليار رسالة متعلقة بالإباحية، ويتم إنتاج فلم إباحي كل 9 دقائق، في الساعة الواحدة 102 مليون مستخدم يصل لمحتوى إباحي، 200 ألف أميركي مدمن على المشاهدة. من الأطفال الذكور تحت سن 17 عاماً شاهدوا محتوى إباحياً، والإناث بنسبة 60% لنفس الفئة العمرية، p من المراهقين بين 15-17 عاماً يشاهدون الإباحية باستمرار. 0 من مدمني المشاهدة خسروا شريكهم، و@ من مدمني المشاهدة يعانون من برود جنسي في علاقاتهم الزوجية، المواظبة على المشاهدة زادت نسبة عدم الثقة الزوجية بنسبة 00. إجمالي عدد المشاهدات في العام الماضي سجلت 4.5 مليار ساعة مشاهدة. إجمالي خسارة الشركات من وقت عمل الموظفين الذين يشاهدون محتوى إباحياً في العام 2012 قدرت بـ 17 مليار دولار في الولايات المتحدة فقط. إجمالي عدد زوار المواقع الإباحية يفوقون زوار مواقع أمازون وتويتر وايباي ونيتفليكس مجتمعة. لا يتفوق على الصفحات الإباحية في إجمالي عدد الزيارات اليومي سوى موقعي جوجل وفيسبوك فقط. تحتل كلمة “sex” المرتبة الرابعة عالمياً في الأكثر بحثاً على محركات البحث ثم كلمة “porn” في المرتبة السادسة.
حسناً، تبدو هذه البيانات الإحصائية مفزعة (مرفق المصادر)، ماذا عن تبعات ذلك النفسية والإجتماعية والذهنية والسلوكية وثقافة الجندر التي قد تترتب على ذلك، سيما الأطفال؟ يجب التحدث بموضوعية وبعقل مفتوح في هذه القضية. لم يعد هذا واقعاً إفتراضياً، هذا فضاء معلوماتي حقيقي ابتلعَنا بسهولة، وبتنا في أحشائه. لا يمكن الهروب والإختباء خلف متاريسنا التقليدية و”العيب” التي لن تصمد أمام هذا الإغراق عالي الجودة. أو خلف الصورة المثالية التي نعكسها للمجتمع عن أطفالنا “المثاليين”، ثم ماذا نعني “بمثاليين”! فضول الأطفال في عمر 13-11 عاماً للتعرف على تابو الجنس المحاط بالتكتم والغمغمة نزعة طبيعية جداً، لكن محاذير الشذوذ والقسوة والتنمر والاستبداد والبهيمية حاضرة بقوة في البورنوغرافي، وإعتيادية مشاهدتها يهدد السلامة النفسية والمهنية وأثرها ليس بالقصير. أيضاً، تفيد الإحصاءات أن 50% من الأطفال أقل من 17 عاماً متصلون عبر شبكات التواصل الاجتماعي بغرباء، هذا يفتح الباب واسعاً للإبتزاز. الإحصائيات أعلاه تفيد أن مشاهدة البورنو أصبحت سلوك مجتمعي يومي. تغلغل وتوحش الويب في أدق تفاصيل حياتنا اليومية، وفكرة “الإنسان المتصل دوماً” تضع المجتمعات المحافظة والمنفتحة على حد سواء للتعامل مع ما تفرضه مستجدات سلاسة وشيوع وانخفاض تكلفة “ثقافة الواجهة” بشكل جدي.
حسب المشاهدات المسجلة، والتغذية الراجعة من الأطفال الذين تعرضوا لمحتوى إباحي على مدار سنوات،تبين أن الأطفال الذكور يبدأوون على الفور بالنظر إلى الفتيات بطريقة مختلفة، مختلفة يعني إسقاط المُشاهداتعلى قريناتهم في مقاعد المدرسة. ولاتسام كثير من المشاهد بالعنف اللفظي والجسدي المفرط والغرائبيات،يشعر الفتيان والفتيات بالرهبة من االجنس الآخر، مقرون بشعور من النفور والقذارة والصدمة. كما يقع بعضالأطفال تحت ضغط عدم قدرتهم على ممارسة الجنس، نسبة مرتفعة من الأطفال مدمني المشاهدة يعانون منالإحباط وعدم تقدير الذات، ويعانون من رُهاب الإغتصاب. سجلت العديد من حالات إغتصاب أطفال ذكور لقريناتهمفي المدارس في بعض المجتمعات. مع الأخذ بعين الاعتبار أن PT">88% من
المشاهد تتسم بالعنف، منها ضد النساء. حري بالقول أن فيديوهات إباحية عربية خالصة بدأت تجد طريقها حديثاًالى الويب وبوتيرة متسارعة، وتلاقي رواجاً كبيراً من المتصفحين العرب حسب.
في مجتمعنا، وحتى وقت قريب، كان المحتوى الإباحي مقتصراً على أفلام الفيديو والمجلات التي لم تكن متاحةبسهولة، نحصل عليها بالهمس والغمز. اليوم البورنوغرافي متوفر في بيوتنا، وبوفرة، ومتاح لأطفالنا باللمس لابالهمس. واضحة دلالات الأرقام الإحصائية بتسجيل نسب مشاهدة عالية جداً للمواقع الإباحية في إجماليالمنطقة العربية. من حيث المبدأ، لا يمكن مساعدة الطفل بمحو المشاهدة من ذاكرته. المشاهدة تحصلت.ليصبح السؤال، ماذا شاهد؟ هذا هو الأهم. سيما الشذوذ، سواءً في العلاقات أحادية الجنس أو غرائبياتالممارسة بين الجنسين أو الحيوانات والآلات وفي ذلك فنون حد جنون. وقد يصورون أنفسهم أو أحد أفراد العائلةفي وضع عُري فاضح، وينشر بـ”بوست” عام. تكمن الخطورة أيضاً في نزعة الأطفال الطبيعية إلى التقليد، سيمافي عمر المراهقة المتزامنة مع تعزز شعورهم بالإستقلالية والخصوصية والثقة المفرطة، وتبدلات فسيولوجيةوسيكولوجية في أجسامهم وفوران هرموناتهم ووعيهم المستجد للجسد.
التعامل مع الأطفال في هذا السياق يجب أن يكون على ثلاثة مستويات: تقني، وإجتماعي، وتربوي رسمي.
في البعد التقني سيما للأطفال بعمر أقل من 11 عاماً، يمكن اللجوء إلى الكثير من المرشِحات والتطبيقات المجانية التي تمنع التعرض لمحتوى إباحي بسهولة، وهي فعالة جداً بالمناسبة. كما يجب مشاركة الأطفال في هذا العمر باكتشاف مناطق الويب وتطبيقاته الممتعة والمفيدة بتصفح مشترك، وإثارة إهتمامهم بطريقة ذكية. كما يجب جسر الفجوة الرقمية مع أطفالنا بمشاركتهم ألعابهم وقراءاتهم واهتماماتهم الإلكترونية.
في البعد الإجتماعي، ينبغي عدم المسارعة برد فعل عكسي مبالغ فيه من قبل الأهل لفظياً أو جسدياً أو نفسياً. هذا سيدفع الأطفال نحو العزلة، وأكثر تجاه الإجتماعية الإفتراضية، وأقل نحو الإجتماعية الواقعية، وهذا آخر ما ينقصنا. يجب تعزيز شبكة التواصل الإجتماعية الأولى لأطفالنا، خيوطها نحن، وأن يكون بثنا بتردد حميمي يحترم ذكاءاتهم. "وعبارة بتعلموا لحالهم" لم تعد صالحة في ظل المعطيات الجديدة. مجتمع المراهقين ليس مجتمعاً بريئاً وإن بدا خجولاً، وكلنا يعرف ذلك جيداً. يتوجب بناء علاقة عميقة تقوم على الثقة المتبادلة والمصارحة والمكاشفة. علاقة تعزز قيم الحب، والعلاقات السوية، والحديث عن القضايا الجنسية بلباقة وبعلمية وبحساسية أقل، والتعريف التدريجي بأخلاقيات الجنس، وتقدير الذات، وإحترام الجنس الآخر.
وعلى المستوى الرسمي، يجب الاستثمار في توفير الخبراء والمختصين والباحثين المحترفين في مدارسنا ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات البحثية لتزويد الجهات ذات العلاقة بالدراسات والإحصاءات اللازمة. هل يوجد لدينا إحصاءات ونشاطات ومنصات إحصائية خاصة بالمجتمع الفلسطيني تتولى تغذية دوائر البحث النفسية والاجتماعية؟ لا أعرف. الأرقام الإحصائية الواردة في هذا المقال ليست فلسطينية، ولا عربية. قُصد منها الإطلاع على واقع مجتمعات تتبع وتحلل سلوك الأفراد الجماعي الإلكتروني وتضع الحلول، وتدق الجرس وتستخلص العبر. ولا ننسى خصوصية المجتمع الفلسطيني بالإستهداف على أكثر من صعيد، ووجود العديد من المناطق المهمشة التي تفتح المجال لما هو أسوأ.
هذا ليس عيباً ولا شيء مخجل في هذا، العيب أن نترك أطفالنا يتعرضون لبهيمية وشذوذ وغرائبيات التعامل مع الجنس الآخر لتنفجر في وجوهنا وبين ظهرانينا ومن بيوتنا ما لا تُحمد عقباه. وبعض الشر أهون من بعض، والعاقبة للمتقين.