الزوجة المتسلطة وطرق المعالجة في الاسلام

الزوجة المتسلطة
حجم الخط

السؤال

 

♦ الملخص:

رجل يشكو من صفات زوجته السيئة مثل: التسلط، ونسيان كل جميل ومعروف وقت الخلاف، ويفكر في الزواج من أخرى، لكنه متردد.

 

♦ التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب في الثلاثين من عمري، متزوج ولديَّ أولاد، أضَع بين أيديكم استشارتي لأنني لم أجدْ مَن أستنصحه، ويشير عليَّ برأيٍ سديدٍ.

 

تزوجتُ منذ 8 سنوات من امرأة يتيمة، ولديَّ الآن أطفال، مشكلتي تكمن في شخصية زوجتي، فهي إنسانةٌ تتمتَّع بكثيرٍ مِن الصفات الطيبة، لكن في المقابل لديها صفتان سيئتان:

• زوجتي امرأة متسلطة تُصادمني في قراراتي، وتريد أن يكونَ زمام تدبير شؤون الأسرة في يدها، وقد حصل الكثير والكثير مِن المشكلات وخرجت من بيتها عدة مرات لأهلها.

• إذا غضبتْ تنسى كل شيء، وتعاملني كألد أعدائها، ولا تدع شيئًا إلا تتهمني به، وترفع صوتها وتصرخ وتخرج من بيتها لأهلها، وقد تستدعي الشرطة!

 

ثم بعد أيام تتصل وتعتذر وتتأسف، وقد تبكي مُظْهِرة ندمها وعزمها على عدم تكرارها.

بعد مشكلات كثيرة الحمد لله تغيَّرَتْ كثيرًا، وأمور حياتنا طيبة، والهدوء هو الأعم والأغلب على حياتنا، ومعاملتي معها جيدة وهي كذلك.

 

وسؤالي: مِن خلال معاشرتي لزوجتي أكاد أجزم أن هذه المرأة إذا تقدَّم بنا العمر وبلغ الأبناء سن الرجال ستذهب مع أبنائها وتتركني، وقد تدفع الأبناء للتصادُم بي، فإني أَلْحَظ على وَجْهِها السُّرور إذا عاندني أبنائي.

 

الأمر الآخر: أفكِّر جديًّا في الزواج من زوجة ثانية، لكنني متردِّد لأمرينِ:

الأول: لا أعلم كيف ستكون الثانية، فقد تكون سيئة.

الثاني: أنني أريد حِفظ مالي كي أشتري لي سكَنًا، وزواجي مِن الثانية سيُضيع حلمي في امتلاك منزل بسبب الالتِزامات المالية.

أخشى الغد، أتعبني التفكير، ولا أجد نصيحةً صادقةً، فأرجو أن تُعينوني برأيكم السَّديد

بارك الله فيكم

الجواب

 

الأخ الكريم، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

أعترف أنَّ هذه واحدة مِن المرات النادرة التي أعيد قراءة الرسالة، لا مِن أجل استيقان المعلومات، ولكن مِن أجل ما رأيت فيها مِن رُقي في الأسلوب، وحكمة في التفكير، وعَدل في الحكم على الأمور؛ فمن أخير الناس مَن يبدأ الشكوى بذكر فضائل مَن أتى يشكوه، ثم إنك حصرتَ عيوب زوجتك في أمرين، وكنت تستطيع أن تُفصِّلهما في أكثر مِن ذلك؛ إذ إنهما يتشعبان في الغالب لكثير من الصفات السيئة، لكنك نظرتَ إليهما نظرة تجرُّدية عادلة أغبطك عليها؛ فبارك الله فيك، وكفَّ عنك شر ما أهمَّك مِن حاضرك ومستقبلك.

 

ذكرتَ أنَّ زوجتك الكريمة نشأتْ يتيمةً، ولا يخفى عليك ما قد يتعرض له اليتيم مِن بعض جوانب القصور التربوي؛ إذ لا يقوم بدور الأب غيره، ولا تختلف الفتاة كثيرًا عن الفتى في الحاجة الماسة لدور الوالد الذي حُرمته في طفولتها، وأُذكِّرك أيضًا بأن مَن تتحدث عن تسلُّطها لم ترَ في صِباها أو شبابها للوالد دورًا يأمر فيه وينهى ويُقرر أمور البيت ويباشر شؤونه ثم يأتمر الجميع بأمره، وتعاونه الزوجة على ذلك في احترام وتقدير، ولم تُعايش أيضًا ذلك الجو الجميل الذي ينهض فيه الأبناء مِن أماكن لَهْوِهم توقيرًا لوالدهم في حين يفعلون ما يحلو لهم أمام الوالدة، بل تفتحتْ عيناها وتفتق صباها عن شخص واحدٍ هو الوالدة والوالد في ذات الوقت!

 

لقد عاشتْ سنوات في بيتٍ ربما اعتراه بعض النقص، قادتْ زمام الأمور فيه امرأة لا حول لها ولا قوة، وجدت نفسها مضطرة لقيادة البيت ورعاية الأبناء، ولعلها بالغتْ أو قصَّرتْ في التشديد عليهم - سواء كانتْ والدتها تزوجتْ أو لا - لكنها بذلتْ ما استطاعتْ وحرصتْ على السير بمركبهم حتى يصل إلى شاطئ الأمان فيتعلم الأبناء ثم يتزوجون ليطمئن قلبها وتهدأ نفسها أن قد أدَّت الرسالة وأكملتْ دورها الذي تركها شريكها فيه وحدها تقاسي ما تقاسي، وتُعاني ما تعاني مِن سنواتٍ مِن الهموم والخوف من مستقبل لعلها رأتْ فيه ظلامًا كاحلًا، فأَوْقَدَتْ شموع العطاء، وبَذَلَتْ مِن نفسها وراحتها ما أثمر عما تراه الآن، فلا تعتب عليها يا سيدي الفاضل، واغفر لها تقصيرًا يحدث في بيوت كثيرة رغم أن بها والدين وأبناء!

 

أقول ذلك لِما رأيت مِن تعقُّل في شخصيتك، ولِنضع أيدينا على بعض المُسببات التي ربما تزيح الستار عن أمورٍ قد لا تظهر لمن يتعايش ويقاسي مثلما تقاسي أنت مع زوجتك.

 

دعنا نتعرض لما ذكرتَ مِن عيوبٍ بإجمال، ثم نتناولها بشيءٍ مِن التفصيل لعلنا نقَع على مفاتيح التعامل معها ونقف - بإذن الله - على حلول يطمئن لها قلبك.

 

تقول: تسلُّطية: وقد وقفنا على أسباب التسلُّط في شخصيتها سالفًا.

تقول: تنسى كل جميل وقت الخِلاف، وأقول لك: يا أخي الفاضل، بالله خبرني هل تعرف مِن النساء مَن لا تتصف بذلك أو فيها شيء من نُكران الجميل ونسيان الفضل؟! أخشى أن الدنيا ستقوم عليَّ إن ذكرتُ ذلك، لكني لا أُعمم بالتأكيد بقدر ما أُذكِّرك وكل رجلٍ يُعاني ذلك بأنها صفة شائعة في النساء؛ وقد ورد في الحديث: ((لو أحسنت إلى إحداهنَّ الدهر، ثم رأتْ منك شيئًا، قالتْ ما رأيت منك خيرًا قط))!

 

إجمال العيوب:

أولًا: السيطرة والتحكم الزائد:

• إنَّ التعامل مع الشخصية التسلُّطية يحتاج لكثير مِن الصبر والحكمة التي لا أراك تعدمها؛ ولنبدأ بقول الله عز وجل حينما خشي موسى عليه السلام بطش فرعون وجبروته، فأرشده إلى سلاح اللين الذي لا يقدر على مواجهته إلا جبار عنيد لم يُرد الله به خيرًا؛ ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44]، عافاها الله من أن تشبه ذلك الطاغية.

• كثيرًا ما تخفي المرأة المتسلطة وراءها ضعفًا وانعدام ثقة بالنفس، فاعملْ على أن تبثها بعض الثقة والشعور بالأمان باعتدال ودون إسراف يزيد من حِدة التسلُّط.

• أظْهِرْ رفضك لذلك السلوك بأسلوب متحضِّر؛ كأن تتجنَّب التحدث إليها مع الرفض التام لتنفيذ طلب ترى أنها على باطلٍ فيه وأن تُخبرها في غير رقة ولا عنف أن ذلك لا يجوز، وأن الله قد وضع الحدود الشرعية للتعامل بين الزوجين.

• أشْرِكْها في بعض قراراتك الخاصة وقرارات البيت العامة، مع الثناء على ما ترى مِن آراء صائبة، والتغاضي عما تراه بعيدًا عن الصواب، دون أن تُسَفِّه رأيها، أو تُحقِّر شأنها.

• تعلَّمْ كيف تحتويها وتحتضنها بمودة حينما تختلفان في الرأي وتضطر لأنَّ تفعل عكس ما تريد، وأظهِرْ لها أن ذلك لا يعني بالضرورة عدم احترامها، لكنك تستعمل حقك المشروع في اتخاذ قرارات البيت، وأنك تفعل ما يتبيَّن لك بخبرتك أنه الأنفع والأفضل، وأنه يَصُبُّ في مصلحة الجميع.

ثانيًا: إن نُكران الجميل مِن الأمور المؤلمة والصفات الجائرة، ولكن الشيطان الذي يَجري من ابن آدم مجرى الدم لن يُعينها على تذكُّر فضائل شخص للتوِّ جرحها أو آذاها، وانظُرْ لنفسك حين تخاصم أحدهم أيخطر ببالك على الفور مِن حسن صفاته وطيب أفعاله ما يُزيل وحشة نفسك ويذهب غيظ قلبك؟

إن كانتْ تعترف بفضلك في حالات الهدوء النفسي، فيكفيك فخرًا أنك أرضيتها وأحسنتَ إليها.

تقول: أخشى الغد!

ومَن منا لا يفعل؟ ولكن الرجل الإيجابي يُفكر في مشكلات المستقبل التي يتوقعها بأسلوبٍ عمليِّ يتفادى به ما يستطيع مِن أمور يخشاها، ثم يترك الأمر مِن بعد ذلك لمن قدَّر عليه أمسه وأحيا له حاضره، وكتب مستقبله مِن قبلِ أن يُولد.

 

لماذا لا تسعى في بناء جسر قوي مِن التواصل بينك وبين الأبناء حتى يشبوا على محبتك، وتتغلغل في نفوسهم مودتك؟

لماذا لا تنظر إليهم الآن وكأنهم قد ذهبوا إلى بيوتهم بالفعل، وتستشعر رغبتك في بقائهم وتُفكِّر في أهمية التغاضي عن عنادهم الآن؟

 

ليس مِن العسير أن تُشعر أبناءك بحبك، وأن تتقرب إليهم إن َكنت تشم رائحة رِضاها عن الخلاف بينكم، وإن كنتُ أشك في تفسيرك هذا؛ وأُبرر هذا الارتياح الذي يرتسم على ملامحها بشعور السعادة الطبيعي بأن الأبناء يكبرون ويناقشون ويجادلون ويعاندون، وأرجو ألا تسألني لماذا لا تسعد بذلك إن حدث معها، فجميعنا يعلم أن نظرة الإنسان للمواقف تختلف كثيرًا باختلاف الأبطال الذين يقومون بالأحداث، وهذا أمر طبيعي ولا يعني بالضرورة شماتتها فيما يحدُث بينكم.

 

ثم إنَّ خوفك مِن الغد وخشيتك أن ترغب في فِراقك إلى الأبناء، يدُلُّ على إحساسٍ ضمنيٍّ يَعتريك بأنها لا تشعُر معك بالراحة والأمان الذي تنشده كل زوجة في زوجها.

 

ثِقْ يا أخي أن مفتاح قلب المرأة وعقلها يَتوارى في كلمة حب، أو مدح رقيق، أو يد حانية تُرَبِّتْ على كتفها، أو هدية رمزية ترسل إليها بها رسالة مُفادها أنك تهتم لأمرها، وتتذكرها دائمًا، ولن تعجز أن تفعلَ ذلك بين حين وآخر.

 

أنتِ راعٍ في بيتك، ومسؤول عن رعيتك، مسؤول أن تعلم أبناءك وزوجتك أحكام الدين، وتعرفهم الحقوق والواجبات بأية وسيلة تراها مناسبة، وأقترح عليك أن تتخيرَ لهم كتابًا تجتمعون على قراءته في جلسة أسرية وديَّة تجمع بين القرب النفسي الذي تنشده بينك وبينهم وبين التعلم الذي أراهم يفتقدونه، فإذا ما انتهيتم من قراءة أحد الكتب فانتقوا غيره وهكذا، حتى يطمئن قلبك وتلمس التغير الذي ترجوه بإذن الله.

 

أيها الكريم، الغد فارس مُلثم وجندي مُجند، ويجدر بكل رجل حكيم ألا يحاول كشف اللثام عن وجهٍ لم يحن الوقت لكشفه بعدُ، بل يتعامل مع ما بدَا منه ويغض الطرف عما سواه، فلا تعلم نفس ما كُتب لها في غدها، وصلاحُ الأبناء يأتي بصلاح الآباء وبالتربية الحسنة والاعتدال بين الرفق والشدة في التعامل معهم، والدعاء لهم والتوكل على الله فيما كتب علينا.

 

وهمسةٌ أخيرة أُبشِّرك بها وهي: أنه قلَّ أن تجدَ زوجتك في المستقبل كنَّة ترضى ببقائها معها في رضا وسعادة؛ خاصة إن كانتْ مِن مُحبي التسلط والتدخل، فلن تجد بدًّا من الرجوع إليك والعيش في جوارك.

والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل