بعد تحليل عيناته

تحقيق مشروب الطاقة.. سُم خفي ينتهي بالإدمان والعنف والإقبال على المخدرات

تحقيق: مشروب الطاقة.. سُم خفي ينتهي بالإدمان والعنف والإقبال على المخدرات
حجم الخط

انتشر مؤخراً في أسواق قطاع غزة، ما يسمى بمشروب "الطاقة"وبات الإقبال عليه بشكلٍ أكبر من المعتاد، الأمر الذي استدعى ضرورة الكشف عن محتواه ومعرفة الخلطة السحرية المزودة بالطاقة الخارقة التي يتحدث عنها متناولوه والأضرار الناجمة عنها.

وبالحديث مع عينة من متناولي المشروب، قال الشاب "نضال"  ابن العشرين عاماً، إنه  لم يتردد عن شرب أيّ فاكهةٍ قابلة للتخمر، كبديلٍ عن مشروب الطاقة في حالة انقطاعه من الأسواق.

أما محمود "22 عاماً"، أشار إلى "أن المشروب يمنحه نشاطٍ ذهني"، مبيّناً أن لجوئه لتناول المشروب يكون فقط في أيام الامتحانات، وذلك نظراً لزيادة التركيز وتفضيله لها على القهوة والشاي، بسبب سرعة مفعولها.

وأضاف: "سمعت تحذيرات عن أضرار تناول هذا المشروع لكني لم أبد قلق لأن تناولي لها محدود ولم أصل لمرحلة الإدمان".

أضراره على الرياضيين

أكدت مسؤولة قسم التغذية في وزارة الصحة، د. سمر النخال، على أنَّ مشروبات الطاقة منبهة أكثر من كونها تزود بالطاقة، مشيرةً في ذات الوقت إلى أنها ليست حلاً للاعبي الرياضة.

وقالت: "يجب التفريق بين مشروب الطاقة والمشروب الرياضي، فالأخير يحتوي على السكريات البسيطة والأملاح المعدنية كالبوتاسيوم والصوديوم التي تعمل على تعويض المفقود من سوائل الجسم ومنع حدوث الجفاف وتزويده بالسعرات الحرارية أثناء ممارسة الرياضة وهذا ما لا يحققه مشروب الطاقة".

وأوضحت أن مشروب الطاقة يشبه المشروب الغازي من حيث التركيب الذي يتكون من كافيين وجلوكوز وسكروز وفيتامينات وبعض الأحماض الأمينية على اختلاف النسب.  

وبيّنت النخال، أن المكونات الأساسية لمشروب الطاقة هي الكافيين والنياسين والتورين إلى جانب كميات السكر العالية التي أكد الأطباء والمختصون ضررها على الجسم، مؤكدةً على أنها تؤدي للإصابة بمرض البدانة وليس السمنة وهو منتشر عالمياً، وانتشر في قطاع غزة بين الأطفال، بالإضافة إلى احتمالية ضعف الدم لدى بعضهم سواء في العائلات الفقيرة أو الغنية.

كما نوهت إلى أمر في غاية الأهمية، وهو تركيز الكافيين العالي في مشروب الطاقة بنسبة أعلى من الغازية، عدا عن وجود مواد غير مذكورة على العبوة.

واستطردت: "الكافيين لا يضر إذا تم تناوله باعتدال وكميته التي يحتاجها الجسم يجب ألا تزيد عن 300 ملغم (ما يعادل 4 أكواب نسكافيه و3 أكواب قهوة) موزعة داخل اليوم وليس دفعة واحدة.

تحليل عينة من المشروب

مادة الكافيين طرف الخيط الذي تم البدء العمل به، من خلال اختيار النوع الأكثر شهرة من مشروبات الطاقة، وذلك بهدف تسليط الضوء عليه والكشف عن محتوياته والأضرار الناجمة عن تناوله.

وبمعاينته تبيّن وجود بعض المواد بداخل مشروب الطاقة، مثل "الكافيين والتورين" وهي مدونة على العبوة البالغة وزنها 250ملغم، غيّر أنه لا يتم الكشف عن النسب المستخدمة بداخل كل عبوة.  

وبحسب إحصائية وزارة الاقتصاد الوطني للعام 2016م، فقد بلغت الكمية الواردة إلى قطاع غزة من مشروب الطاقة على اختلاف أنواعه نحو 480 طناً

انتظار نتائج العينة

وبعد أيام من الانتظار والتنقيب، قالت الوزارة خلال اتصال هاتفي، إنها أنهت عملية الفحص وظهرت النتائج التي فاقت التوقعات، حيث تبيّن أن  مادة الكافيين الموجودة بداخل المشروب تُقدر بنحو 170 ملغرام لكل 100 ملليتر، أي أن العبوة الواحدة التي يبلغ وزنها 250 ملليتر تحتوي على 425 ملغرام من الكافيين.

وبحساب نتائج الفحص، فإن العبوة الواحدة تشكل في الحقيقة خطراً كبيراً على جسد الإنسان، كونه لا يجب أن يستهلك أكثر من 300 غم في اليوم الواحد، بحسب ما صرحت د. النخال.

ونظراً لعدم إمكانية الكشف عن إمكانية وجود مواد أخرى مثل "الكالتروين" في مختبرات وزارة الاقتصاد، فتم إجراء فحص شامل للعبوات في مختبرات وزارة الصحة، والتي أظهرت نتيجة أخرى لنسبة الكافيين حيث بلغت ما نسبته 314 ملغرام لكل 100 ملليتر، أي أن العبوة الواحدة تحتوي على 785 ملغرام، وهذا غير منطقي ما خلقولد حالةً من الشك في صحة النتيجتين ودقتهم.

وعلى الرغم من اختلافهما، فإن النتجتين تشيران إلى وجود خطر وضرر كبير على جسم الإنسان، كونهما مرتفعتين، بالإضافة إلى أن الكافيين المتواجد في مشروبات الطاقة أعلى من القدر الذي يحتاجه الجسد، وهذا الأمر ينطبق على تناول عبوة واحدة فقط في اليوم الواحد.

تشجع العنف وتعاطي المخدرات

الفضول والاكتشاف، دفع بالطفل عبد الفتاح ابن الـ"12 ربيعاً" لشراء عبوة تجريبية من المشروب، والتي لاقت إعجابه وبدأ بعد ذلك بالمداومة عليها وتناول عبوتين على الأقل يومياً، ليظهر عليه بعدها أعراض المرض والإرهاق.

وباصطحابه للطبيب، تقول خالته: "لاحظنا إصفرار وجه عبد الفتاح وتقيئه وتوجهنا إلى الطبيب الذي أخبرنا أنه مصاب بتسمم في المعدة وذلك بعد عدة أشهر من تناول المشروب يومياً".

ويقول قانون الصحة العامة لعام 2004 رقم (20) إن المنتج الغذائي يعتبر مضراً بصحة الإنسان، إذا كانت عبوته تحتوي على مواد ضارة بالصحة أو سامة أو معادن ثقيلة أو مواد حافظة أو غيرها، والتي من شأنها إحداث المرض بالإنسان.

وبحسب الالتزامات التي تقوم عليها وزارة الصحة، فمن المفترض أن تعمل وزارة الاقتصاد على  تنظيم دخول المشروب من خلال آليات رقابية تضبط عملية تداوله في الأسواق، وذلك وفقاً لقانون الصحة رقم (17) الذي ينص على أن وزارة الصحة تُنسق مع الجهات المعنية لمراقبة الأغذية أثناء تداولها كالبضائع المستوردة.

الكتابة على العبوة

بمعاينة عبوة المشروب، فإن غلافها يقتصر على وجود كتابة بخط صغير يكاد لا يرى تشير إلى بعض المعلومات الخاصة بمتناوليه كالفئة العمرية وأصحاب الأمراض والمواد المكونة له كالكافيين والتورين، دون وجود نسبهم لكنها لا تبين المخاطر الحقيقية والمفترض أن تكون واضحة بألوان بارزة وحجم كبير.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المادة (16) تنص على تقديم مستوردي الأغذية معلومات للوزارة حول التركيبة الكيماوية لتلك المواد الغذائية وطريقة تداولها وعينة منها لتحليلها والمعلومات التي لها علاقة بالصحة العامة.

وبالعودة إلى طبيبة التغذية، فقد توصلت دراسة للوكالة الفرنسية إلى وجود ارتباط وثيق بين استهلاك مشروب الطاقة، وظهور مشاكل سلوكية عند الطلبة وزيادة الاستهلاك المترافقة مع زيادة تعاطي المواد المخدرة والتدخين وشرب الخمر، بالإضافة إلى اللجوء للعنف الجسدي والتأثير السلبي على وظائف الجهاز العصبي.

وختمت حديثها بتوجيه نصائح لمستهلكي المشروب بضرورة استبداله واستخدام البدائل الطبيعية، مبيّنةً أن هناك أنواع من الطعام تمد الجسم بالطاقة كالسبانخ والألبان والبيض والفواكه والمكسرات بأنواعها والعصائر الطبيعية وممارسة الرياضة بشكل يومي.

خطر يداهم القلب

ونظراً لأن خطر تناول مشروبات الطاقة يلتف حول عضلة القلب، كان من الضروري معرفة رأي الطب البشري وخاصة قسم القلب بمدى تأثير وخطورة تناول المشروع على صحة الإنسان.

وأكد رئيس قسم قسطرة القلب في المستشفى الأوروبي بغزة، الدكتور حسن الزمار، على أن هذه المشروبات تشكل خطراً على القلب، حيث أنها تزيد من دقات القلب وذلك بسبب تأثير مادة الكافيين، التي قد تؤدي إلى سكتة قلبية لدى الشخص الذي يعاني من ضعف في الشرايين.

وأشار إلى أن نبض الإنسان الطبيعي يتراوح ما بين 60 إلى 80 نبضة، وقد يصل إلى 100 في بعض الأحيان، إلا أن مشروب الطاقة يزيدها لتصل إلى 120 أو 130 نبضة، كما يرفع ضغط الدم.

وأكمل حديثه: "زد على ذلك أن الكافيين مادة منبهة للقلب مما يجعلها تؤثر على الأشخاص الذين يعانون من ضعف في عضلة القلب كما أن الأمر ينطبق على الشباب الذين يعانون من أمراض لم تشخص بعد فيؤدي لتفاقمها بسبب استهلاك المشروب بشكل دائم".

وبيّن الزمار أن الاستهلاك الزائد لها من فئة الأطفال ما دون 16 سنة يؤدي إلى زيادة اليقظة لديهم، وفرط التهيج، والعصبية، والقلق، كما أنه في حالات كثيرة يؤدي لوفاتهم، مشدّداً على أن الإدمان على تناولها يؤدي إلى قرحة المعدة وزيادة الوزن وتسوس الأسنان.

وانتقد ما وصفه بالطرح الإعلامي الضعيف لبرامج التوعية التي طغا عليها الإعلانات والدعاية التجارية بمختلف أشكالها من خلال اللوحات الإعلانية الضخمة والومضات التلفزيونية اللافتة والمدروسة في الترويج لتلك المشروبات بطريقة تُغري الشباب وفئة المراهقين التي تستهدفهم بشكل رئيس، بالإضافة إلى غياب الوعي واللامبالاة من أولياء الأمور وعدم الدراية بالأضرار الناتجة على المدى القصير والطويل.

الإدمان النفسي والجسدي

اتفق كلٌ من النخالة والزمار، أن تناول مشروب الطاقة بشكل مفرط يؤدي للإدمان النفسي خاصة أنّ المشروبات الغازية والطاقة عبارة عن إيهام نفسي، أي أن الشخص لا يستطيع الدراسة أو العمل دون تناول أحداً منهم، كما أن هناك نوعاً آخر من الإدمان وهو الجسدي الذي يصل فيه الشخص لدرجة كبيرة من العصبية لا يمكن تحملها لأنه تجاوز الحد المسموح به من كمية الكافيين التي يحتاجها الجسم.

وشدّد الزمار على ضرورة الوقوف الجاد إزاء مشروبات الطاقة، وتظافر جهود الأطراف المعنية كافة ووضع ملصقات تحذيرية أسوةً بعلب السجائر، للتنويه بمخاطرها كونها تمس فئات مهمة بالمجتمع كالأطفال والشباب.

تجدر الإشارة إلى دولاً أخرى كفرنسا، نظّمت تداول مشروبات الطاقة ومنعت بيعه لمن هم دون سن الـ"18عاماً"، وذلك بعد وفاة أحد المراهقين نتيجة انفجار الأوعية الدموية في دماغه بسبب تناول كميات كبيرة منه، في حين حظرت دول النرويج والدنمارك بيع مشروب الطاقة "ريد بول" نظراً للمخاطر الصحية الكبيرة الناجمة عن تناوله. 

وعليه فإنَّ المخاطر الكبيرة لمشروبات الطاقة على المدى القريب والبعيد ليست بالهينة، وذلك وفقاً لتأكيد الأخصائيين الذين أوصوا بضرورة العمل على إنشاء حملات توعوية إعلامية وتربوية للحد من الإقبال عليه، بالإضافة لدور وزارة الاقتصاد في تقديم نشرات ونصائح لمتناولي المشروب.