14 حزيران 2015
أثَّرت الهزيمة المدوِّية عام 1967 على الشعب الفلسطيني، بشكل إيجابي، فرغم طعمها المرّ؛ أدرك الفلسطينيون خطورة الاعتماد على الأوهام، وأهمية الاعتماد على الذات، والاستعداد لخوض معركة طويلة الأمد، ودراسة طبيعة العدو، ومكامن قوته وضعفه، ودراسة تجارب الشعوب التي خاضت نضالها للخلاص من المستعمر وانتصرت، والتنبّه إلى خطورة دور الإعلام في تشويه الحقائق، وفي زرع الأوهام، وفي قلب الحقائق.
*****
وصفت «هندومة راشد النجار» (أم جبر وشاح)، من بيت عفا، عدوان عام 1967، على قطاع غزة، بالنكبة، وتحدَّثت عن المقاومة الفاعلة التي نشطت بعد الهزيمة بفترة وجيزة:
«والله يا بنتي هي نكبة، أجوا اليهود على القطاع، ودمَّروا بيوت، وهدموها، عشان قال يعملوا شوارع، وقتلوا ناس واعتقلوا الشباب، وصارت أيام منع التجوال طويلة، نغَّصوا على الناس عيشتهم، وصاروا يحاسبوهم على الهوا اللي بيتنفسوه، احتلال استعمار، كيف بدّو يكون؟! بعد سنة سنتين، الناس فاقت، والمقاومة نشطت، وصارت مقاومة الاحتلال، كنا نسمع عنها، شي حلو كثير، لدرجة صاروا يحكوا في القطاع: المقاومين في الليل واليهود في النهار! هذا كان اعتراف من اليهود أيامها».
*****
كما أثَّرت الهزيمة على النساء الفلسطينيات بشكل إيجابي. رغم قسوتها؛ لم تقف النساء مكتوفات الأيدي أثناء عدوان عام 1967 على الأراضي الفلسطينية والعربية.
تكشف شهادة «نعمة محمود الحلو»، من مخيم جباليا، دور النساء العفوي في تهريب السلاح، أثناء العدوان، من خلال مبادرتها لمساعدة ضابط عراقي لتأمين سلاحه:
«الاحتلال لمّا اجتاح قطاع غزة، ضابط من القوات العراقية، (كان محتار)، فأنا سألته: إنت وين بتروح؟ فيه دبابات على الشارع، فقال: فيه سلاح لازم نأخذه ونروح بيت لاهيا، حكيت له: إنت وين وبيت لاهيا وين؟ بعيدة بيت لاهيا، بِيعتقلوك اليهود. فقال: شو بدّك أساوي؟ زَعَقت على جارتنا: خالتو، شو رأيك؟ بدنا نخبّي السلاح على التوتة؟ وهمّ يروحوا، بعدين لمّا يروح الجيش نرجع ناخذه، بِتقولي: حطّي اللي بدّك إياه على التوتة، قلت له: خلص إنت روح، وأعطيني السلاح، ولا تخاف، وأنا بعد شوي بِيروح الجيش وأنت لاقيني بنقطة. كنت صغيرة، 14 سنة، قلّي: عند مقبرة بيت لاهيا، أخذت السلاح ورُحت».
وتؤكِّد شهادة «عائشة جابر نعيم»، من مخيم جباليا، الدور الذي لعبته النساء، أوائل أيام عدوان 1967، حيث احتضنت قوات الجيش المصري، وحاولت حمايته، عبر استبدال الملابس العسكرية بملابس مدنية، وساهمت في تخزين الأسلحة: «يمكن يوم الخامس من حزيران، لما اضطروا أهل القرية كلياتها يحملوا حالهم ويتركوا بيوتهم، وهربوا على منطقة آمنة قريبة من البحر، على قرية اسمها بيت لاهيا، كلياتهم هربوا، قعدنا في البيارات، هناك تفاجأت، المنظر كان بوجّع القلب، الجيش المصري هربان وحامل أسلحته، فما كان منا إلا إنّا نحتضنهم، ونلبسهم ملابس مدنية، نخبّي الأسلحة ونخزِّنها، طبعاً مو أنا وبس، أنا وعدد كبير من الشباب الفلسطينية».
*****
استمرَّت النساء في القيام بمسؤولياتهن الاجتماعية المتميِّزة، أثناء عدوان عام 1967، وبعده مباشرة. تتحدث «مي كيلة»، من بيرزيت، عن مبادرة النساء في بيرزيت للبحث عن أفضل وسيلة لتأمين المساعدة المهجَّرين، وللعائلات التي تضرَّرت اقتصادياً وصحياً أثناء العدوان:
«بحرب 67 بلَّشوا، يطبخوا ويودّوا على الجسر، بطريقتهم، أمي من بينهم، بعد 67 في بيرزيت سمعت عن مجموعة «جورجيت عابد»، «جميلة علوش»، و»ليندا ناصر»، و»وداد قسيس»، و»ميري سليمان»، خالتي، بلَّشوا يعملوا تجمع نسائي عشان يساعدوا العائلات، باتجاه توفير الإمكانيات للناس إللي عايشة بفلسطين، من ناحية اجتماعية وطبية. يعملوا عيادة طبية، ما كانش عنا أي عيادة في بير زيت».
وتعبِّر «سهام نايف أبو غزالة»، من يافا، عن إحساسها العميق بالقهر، بعد هزيمة عام 1967، في الكويت، الأمر الذي جعل النساء تطالب بالتدريب على السلاح، كي يساهمن في الدفاع عن الوطن، لو تكرر العدوان، وعندما وجدت، أن التدريب العسكري هو شكلي فحسب؛ بادرت، مع النساء الفلسطينيات، للبحث عن أشكال عمل أكثر فاعلية، مثل جمع ضمادات للجرحى، ونسج بلوفرات للمقاتلين:
«بلّشنا التحرّك، كنا نجمع القطن ونعمل الشاش، ونعمل تضميد الجراح، انحضّر، بلّشنا عملنا جرازي، اللي منقدر نعمله، في هديك الفترة».
وفي لبنان؛ أسَّست بعض النساء الفلسطينيات، لجنة كنزة المناضل، التي عنيت بتأمين كنزات للفدائيين، تقيهم قسوة البرد، تحيكها النساء، مع رسائل موجَّهة لهم؛ مما يشعرهم بالدفء المادي والمعنوي، ومن الملاحظ أن عمل اللجنة لم يقتصر على الحياكة وكتابة الرسائل فحسب؛ بل تعدَّى ذلك إلى التبرع بالأموال، وإقامة المسرحيات والمعارض، من أجل تمويل اللجنة، كما شهدت كل من «بيان نويهض الحوت»، و»تمام الأكحل».
ويظهر من شهادة «سهام الدباغ»، من يافا، أن الإحساس بالتقصير الذاتي، بعد هزيمة عام 1967؛ دفعت النساء إلى الرغبة في المساهمة السياسية، بوسائل متعددة. ومع الانطلاقة الواسعة للعمل الفدائي، أبدت استعدادها بأن تكون حلقة اتصال مع الفدائيين، في فلسطين، غير مبالية بالخطر: «الـ 67 صار فيه العمل التطوعي الفدائي، نما بقوة، لقيت نفسي فيه، فكانوا بداية الشباب الفدائية، يدعونا للقاءات، كنت متصوّرة إنه بس أنا اللي عندي هالحماس، لأ، لقيت إنه كتار اللي متلي، كنا متعطشين، حتى إنه مرَّة، قالوا لي: إنتِ بتروحي لـ «فلسطين»؟ بتقدري تروحي لـ «الضفة الغربية»؟ قلت لهم: ما فيه مانع، ما إليش حد هناك، قال: بدنا منك هالشغلة، قلت: ما فيه مانع».
*****
يتبيَّن من خلال شهادات النساء، أن الهزيمة عام 67 شكلت حافزاً للنساء الفلسطينيات، للمشاركة السياسية الأوسع، والأكثر تأثيراً.
من خلال شهادتها؛ عبَّرت «أمينة العيسوي»، من القدس، عن ضرورة الاستعداد للمشاركة في أية معركة قادمة: «بعد حرب 67، كنت موجودة بالقاهرة، صابني ردة فعل شنيعة، فتوجهت إلى تأهيل نفسي، وإعداد نفسي، فذهبت وحضرت دورة إسعاف، حضرت دورة إسعاف متقدمة، في القصر العيني، وبعدها أخذت دورة جودو، ودورة عسكرية، إطلاق نار، وزحف على البطون وإحنا حاملين السلاح بين الشيك والأسلاك، قلت: هيك لازم نستعد».