رأس مصر هذه الأيام «ملخبطة» بأهلها. المطربة «شيرين» أساءت إلى النيل وقالت إن مياهه بـ«تجيب بلهارسيا». «شيرين» رأسها «ملخبط». ولو كان على غير شكل، لأدركت أن ما تقوله عيب، فليس من العقل أن يترخص الإنسان فى الإساءة إلى وطنه، حتى ولو كان ما يردده يعبر عن واقع. كل شعوب الدنيا تحكمها نزعة تعصبية، وتصرفها محبة الأوطان عن رؤية بعض السلبيات. فعين المحبة لا ترى العيوب بنفس الدقة التى ترى بها المحاسن، ويزداد التشبث بفكرة التعصب للوطن إذا كان سياق النيل منه خارجياً، وهو أمر لم تتحسب له المطربة، حين رددت هذه الإساءة فى إحدى حفلاتها خارج مصر، طلب فيها مستمعوها أن تغنى لهم عن مصر التى يحبونها. النوافذ الإعلامية الإخوانية تلقفت «أزمة شيرين» وأخذت فى الدفاع عن المطربة لمجرد أنها أساءت لنيل مصر، واستخدموا الواقعة فى سياق خصومتهم السياسية للنظام الحالى، وكأن النيل «نيل من يحكم مصر» وليس «نيل المصريين». اعتبر الإخوان «شيرين» معارضة سياسية يجب عليهم تبنيها، ولم يفهموا أن المسألة لا تعدو «اللخبطة»، وأن المطربة خرجت للناس معتذرة بعد الواقعة، وأثبتت على نفسها الخطأ. ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.
فى المقابل من ذلك انطلق عدد من الإعلاميين والمتحدثين فى وسائل الإعلام إلى سلق المطربة بلسان حاد، واتهموها بالإساءة للوطن، بل وخيانته، بعضهم طالب بوقفها عن الغناء، وقد كان، ومنع أغانيها، وقد كان، ومحاكمتها، بل طالب عم الشيخ مظهر شاهين بسحب الجنسية المصرية من شيرين، وقال «لو غطلت فى أمى لغفرت لها، لكنها غلطت فى مصر». كلام عم الشيخ وأشباهه يعبر عن حالة واضحة من حالات «اللخبطة». فأمام حالة الشغف بإثبات «الوطنية» يشتط هؤلاء فى ردود أفعالهم. وفى مقابل الحدة التى تعامل بها هؤلاء مع «إساءة شيرين» كانت الخفة فى التعامل مع شأن وطنى وجودى شديد الخطورة يرتبط بمياه النيل التى أصبحت مهددة بفعل الأطماع الإثيوبية والأفريقية فيها. ولو أن «رقاص ساعة» رؤوس هؤلاء انتظم لدقيقة وتخلى عن حالة اللخبطة التى يعانى منها لأدركوا أن مصر بحاجة إلى احتشاد قوى هذه الأيام من أجل مواجهة هذه الأطماع، خصوصاً أن سيناريوهات التعامل مع هذا الملف أصبحت مفتوحة على العديد من الخيارات، ولكن ماذا نقول فى حالة «اللخبطة» التى تصيب الرؤوس، بما فيها رؤوس أصحاب العمائم من أمثال عم الشيخ مظهر شاهين الذى يحفظ قول الله تعالى: «والعافين عن الناس»، وقوله: «وليعفوا وليصفحوا».
فى ضوء حالة اللخبطة التى تضرب رؤوس كثيرين فيما يتعلق بمسألة الإساءة الجاهلة أو الكراهية المريضة أو المحبة المطنطنة للوطن، لا أجد خيراً من استدعاء الأغنية اللطيفة التى غناها حسن كامى فى فيلم «سمع هس» للمبدع رأفت الميهى لتصبح أغنية المرحلة. تقول بعض كلمات الأغنية: «أنا وطنى بنشد وبطنطن.. وأتباهى بمجدك يا وطنطن.. على كل الأوطان متسلطن.. أنا وطنى وطنى ومتحضر.. بالرمل الأصفر متخضر.. وتعيش بلادنا منصورة.. حلوة وجميلة وغندورة»!.
عن الوطن المصرية
