عكست التطورات المتلاحقة في كل من سوريا والعراق مفارقة كبيرة مرتبطة بداعش، فبينما يستمر التنظيم في السيطرة على مزيد من المناطق في كلا البلدين، بدأ في الوقت نفسه يخسر بشكل لافت قدرته على تحصين صناديقه السوداء.
فالأحداث الأخيرة عكست قدرة متنامية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن على التغلغل إلى أسرار التنظيم المتطرف.
وتعزو صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية الأمر، في تقرير أعده رئيس قسم الشرق الأوسط في الصحيفة جورج مالبرينو، إلى معلومات وصفها بـ"الثمينة" بدأت تصل إلى أيدي التحالف.
ففي 16 من مايو الماضي، استطاعت قوات أميركية خاصة عبر عملية نوعية، القضاء على "أبو سياف"، المسؤول الأول عن تمويل داعش عبر إدارة تجارة التنظيم غير المشروعة للنفط قرب دير الزور. هذه العملية لم يكن "أبو سياف" وحده صيدها الثمين، بل إنها وضعت أيضا في يد قوات التحالف ما قد يصل إلى 7 "تيرابايت" من البيانات، تتضمن ما يعادل تقريبا 2100 ساعة من الفيديوهات المصورة الخاصة بالتنظيم، بحسب ما كشفته "لوفيغارو".
"الخليفة" يجرد رجاله من هواتفهم
قالت الصحيفة إن من بين ما كشفت عنه تلك البيانات، أن زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي يحرص على الاجتماع بشكل دوري بقادة تنظيمه المسؤولين عن مختلف المناطق التي تقع تحت سيطرته، أي ما يطلق عليهم "أمراء التنظيم". تلك اللقاءات تعقد في مدينة الرقة معقله الأساسي شرق سوريا.
وتظهر أشرطة الفيديو التي حازتها القوات الأميركية عبر عملية "أبو سياف" - بحسب "لوفيغارو"- كيف يبعث البغدادي بسائقين لجلب "أمرائه"، وأول ما يقومون به هو تجريد قادة التنظيم المدعوين للقاء "الخليفة" من هواتفهم النقالة أو أي أجهزة إلكترونية أخرى، بسبب خوف البغدادي من وصول الاستخبارات الأميركية لقادة التنظيم وزرعها لوسائل تعقب أو تجسس في تلك الأجهزة.
"فتش عن المرأة"
نساء قادة داعش كزوجة "أبو سياف" التي ألقت القوات الأميركية القبض عليها خلال العملية النوعية في دير الزور، يلعبن أيضا دورا هاما في نقل المعلومات داخل التنظيم، ومن المنتظر أن تجد الاستخبارات الأميركية الكثير في جعبة "أم سياف" التي تخضع حاليا للتحقيق.
ومما ذكرته الصحيفة أيضا، أنه بفضل المعلومات التي تم الحصول عليها من مخبأ "أبو سياف"، تم بعد أسبوعين فقط، استهداف وقتل "أمير" داعش المكلف بالشؤون القبلية والشرعية في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، رغم أن داعش لم يعترف حتى اللحظة بمقتله.
"هفوة" تقنية
من ناحية أخرى، وفي مستهل يونيو الجاري، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تدمير مركز للقيادة تابع لداعش في سوريا، بفضل تغريدة "غبية" لأحد عناصره، نشر فيها صورة له أمام ذلك المقر الحساس بالنسبة للتنظيم، من دون إزالة خاصية تحديد الموقع الجغرافي على "تويتر".
واشنطن اقتنصت "الهفوة" التقنية، وشنت حينها غارات على الموقع بعد أقل من 24 ساعة على نشر تلك التغريدة، بحسب ما كشفته مجموعة "صوفان" الأميركية المتخصصة في شؤون الاستخبارات.
هذا الحادث، دفع داعش إلى منع عناصره منعاً باتاً من التقاط الصور قرب المراكز الحساسة للتنظيم، كما نشر دليلا لمحو هذا الجهل التقني "المكلف" عند بعض عناصره، وتعليمهم كيفية إزالة الصور المحتوية على تعريف جغرافي من حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب ما أضافته المجموعة.
نشاط استخباراتي
في 3 من يونيو، استطاعت غارة أميركية أخرى تدمير أكبر مصنع للسيارات المفخخة في الحويجة العراقية، أحد أهم معاقل التنظيم شمال تكريت، هذا السلاح الأساسي الذي بات يعتمد عليه داعش بشكل كبير لإلحاق الخسائر البشرية بالقوات العراقية.
ويعود الفضل أيضا في نجاح تلك الغارة إلى معلومات استخباراتية موثوقة أمدت بها قوات التحالف شبكة من المخبرين بدأت تجني ثمار نشاطها، كما أنه من أجل القضاء على "أبو سياف" اعتمد الأميركيون على تسلل مترجم عراقي إلى التنظيم، وفقاً لتقرير "لوفيغارو".
فضلاً عن ذلك، شكلت صور الأقمار الصناعية وعمليات اعتراض مكالمات التنظيم من قبل وحدة مكافحة الإرهاب العراقية في قاعدة "عين الأسد" بالأنبار، إضافة كبيرة في هذا الإطار.
وفي الأشهر الأخيرة، تمكنت القوات العراقية من تحديد موقع عدد كبير من قادة الصف الأول بداعش، بعضهم تم استهدافه ضمن قوافل أو تجمعات مثل أبو علاء العفري نائب البغدادي والمرشح الأبرز لخلافته في زعامة التنظيم.
وفي ظل القمع الذي يعيشه أهالي المناطق التي يسيطر عليها داعش، أصبح عدد متزايد منهم أكثر قابلية لنقل معلومات عن التنظيم في سبيل الخلاص من جحيمه.