15 حزيران 2015
14 حزيران: يصعب على الفلسطيني أن ينسى هذا التاريخ او ان يمر مرور الكرام دون ان يستذكر تلك اللحظات الأليمة التي أريق فيها الدم الفلسطيني وسفكت الحرمات وصار الاستيلاء على السلطة غاية النضال والتحرير ، والهدف الذي يتصدر البيانات وترفع من اجله الأشرعة وتسدد البنادق. كما ان ما حدث ترك آثاره على الجسد الفلسطيني حيث يصعب ان لا يكون لأحدنا ذكرى سيئة معه او مصادفة قاسية ومؤلمة مع احداثه. حتى الفلسطيني الذي يعيش خارج فلسطين تأثر إيما تأثر بتداعيات هذا التاريخ الموجع وانعكس ذلك على الكثير من تفاصيل حياته. بعبارة قصيرة فإن حزيران شهر النكسة جلب معه أيضاَ نكسة جديدة للمشروع الوطني الفلسطيني وللروح الفلسطينية الباحثة عن الشمس التي توارت خلف عتمة الإنقسام البغيض.
يمكن الحديث مطولاً عن الآلام الكثيرة التي صاحبت اختفاء شمس ذلك النهار القائظ من شهر حزيران، وهي آلام الكثير منها شخصي والكثير منها عام، كما أن الكثير منها تجاوز حدود التفاصيل الذاتية والقدرات الفردية وأصاب عصب النسيج المجتمعي والوحدة الأسرية والتكافل الاجتماعي. إنها الآلام التي سنكتشف بعد مرور ثماني سنوات أنها عصية ليست على النسيان ولكن على التجاوز، حتى يصل بنا القول لقد وسع الخرق على الراتق، أو ان مكابدة الجرح أكثر ألماً من الجرح ذاته. إنها الآلام التي لن تغفرها الذاكرة الجمعية والوطنية.
لكن أيضاً يظل البحث في الماضي من أجل تغيير مسار التاريخ عملاً عبثياً، إذ أن التاريخ لا يعود للوراء، ولا يمكن لعجلته ان تحمل لنا تفاصيله بصيغة مختلفة. فقط الروائيون يفعلون ذلك، اما التاريخ فهو عصى على التغير كما هو عصى على النسيان. إذ ان الحكمة من قراءة ما جري تكمن في استخلاص العبر والبحث عن النتائج التي ستحدث في المستقبل لا حرف مسار الأحداث ولي عنق الماضي من أجل خلق عالم يوتوبياوي مختلف. وعليه فإن تلك الآلام وحدها قادرة على ان تكون الزيت الذي يضيء القنديل الذي نحمله ونحن نتجه نحو المستقبل من أجل ان نغير مسار التاريخ الذي سيكون وليس التاريخ الذي كان.
وإذا كان الأمر كذلك فإن السؤال الكبير الذي قد يتعلق بالماضي لكنه يحمل بذور المستقبل هو هل كان ثمة جدوى وراء كل ذلك. بمعني هل حقاً كان ما حدث يستحق كل هذا الألم؟ هل يمكن مقايضة كل هذه النتائج الكارثية التي يعيشها شعبنا نتيجة ما حديث يوم 14 حزيران بالأهداف التي وقفت خلف الاقتتال الحاد والسعي المحموم وراء الاستيلاء على السلطة وتدميرها لصالح بناء سلطة جديدة ستتحول مع الزمن إلى سلطة غزة فقط وبالتالي يتم تعزيز فصل غزة عن مجمل المشروع الوطني، وهو فصل لا يختلف اثنان انه يخدم مصالح الاحتلال وتطلعاته وتصوراته حول مستقبل غزة.
بالطبع السؤال في جزء كبير منه إن لم يكن في كله يتعلق بحركة حماس التي عليها أن تجيب على علامة الاستفهام التي لابد انها تخطر الآن في بال الكثير من قيادتها: هل كان هذا يستحق ما حدث؟ هل فعلاً كانت النتيجة التي تحققت هي الرغبة المرجوة من وراء الفعل الذي تم؟ هل من الممكن الآن وبعد مرور ثماني سنوات على الإنقلاب على السلطة أن نقول بقليل من الثقة – وليس بالكثير منها- إن الوضع الفلسطيني أفضل حالاً من ذي قبل؟ وهل يمكن لعاقل أن يرسم صورتين للمشهد الفلسطيني واحدة قبل 14 حزيران وأخرى بعده ويقنع مجموعة من المجانين مثله بأن الصورة الثانية أجمل؟
أظن ان البحث والتفكير في النتائج يساعد كثيراً في تجنب المزيد منها، إذ أن الإنقسام لن ينتهي بزواله حتى، حيث أن نتائجه ومفاعليه ستستمر في الاعتمال في رحم الوضع الداخلي وستخلق أجنة مشوهة حتى امد ليس بالقصير مثلما تفعل القنبلة النووية والأسلحة الفتاكة. لكن يظل التنقيب عن المستقبل الأفضل يتعلق بتغير واقع الحال وليس بالإبقاء عليه. وحتى إن حدث ذلك فإن النية الصادقة التي لا تستند ولا تنطلق من ضيق الحال وصعوبة الوضع، بل من الشعور بان ما تم كان خطأ كبيراً وكارثة وطنية، وحدها قادرة على التأسيس لمرحلة جديدة يتم فيها تجاوز المطالب الحزبية والأطماع الحزبية التي قادت للكارثة التي تمت. تخيلوا مثلاً كيف، بعد ثماني سنوات، يرتبط مصير الشعب الفلسطيني بالسيطرة على المعابر وعدم التخلي عن ثكنة وحاجز هنا وآخر هناك.
كما أظن أن حماس بحاجة لاجراء جملة من المراجعات العميقة التي تتعلق بمجمل سياستها ومواقفها المتعلقة بالصراع الداخلي أو بالسياقات الإقليمية، والأهم بتعاطيها مع القضايا الوطنية والعلاقات الداخلية. إن هذه المراجعات لا تعيب حماس بل هي تساعد في الكشف عن الاخطاء والبحث عن حلول تكون فوق حزبية لأزمات كان للأطماع الحزبية جزء كبير في خلقها. جزء كبير من هذه المراجعات لابد أن يرتبط أيضاً بالعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين والتنظيم الدولي، إذ أن الأساس هو تغليب المصالح الوطنية على الارتباطات والتشابكات الخارجية.
إن جوهر السؤال يجب أن يكون أن سنوات ثماني لم يحقق فيها الشعب الفلسطيني الكثير من الانجازات رغم المعارك البطولية التي خاضها شعبنا في صد العدوان المتكرر على القطاع وآخره عدوان 2014 وفي المعركة الدبلوماسية في أروقة المؤسسات الدولية من اجل انتزاع الاعتراف بدولة فلسطين. ما عدا ذلك فإن الوضع في قطاع غزة تحديداً لا يسر صديقاً ولا يغيظ عدواً على الصعد كافة. وإذا كان الامر كذلك فلا بد من الإجابة على السؤال الذي بات مملاً وربما بلا معني بالنسبة للمواطن الفلسطيني: متي سينتهي الإنقسام ؟ دون استخلاص العبر مما حدث والإجابة بشجاعة على السؤال حول جدوى ما حدث وإجراء تلك المراجعات القاسية لكن المثمرة فإن سنوات عجاف أخرى تنتظرنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.