تقرير مفصل : سيموت والدي ، فيموت حقي في الميراث معه "تتنازل عن حقها بالإكراه"

الميراث
حجم الخط

ظنت "سميرة" للوهلة الأولى بأن إرثها من والدها بعد وفاته سينقذها وسيحميها من شهور وليالي قضتها في استئجار المنازل والسكن فيها، واستبشرت خيرا بانها ستحصل على إرث قد يساعدها على شراء منزل او شقة صغيرة ، وطالبت أخوتها بحقها ، لتتمكن من تحقيق أحلامها فيما اكدت بأن زوجها كان يعمل تاجر لكن بسبب الاحوال الاقتصادية السيئة في البلد خسر كل شي، فوجئت "سميرة" برفض غير معقول وصادم من قبل إخوتها مصرين على ان زوجها هو من يتكفل بالمرأة والإرث للرجال فقط! حاولت بعدة طرق محاولة إقناعهم فحصلت أخيرا على فتات الفتات واضطرت للقبول لأنها لم تكن ترغب في إدخال العائلة في مشاكل وعملت بالمثل الغزاوي "ريحة البر ولا عدمو" .

 

تهديد بالحرمان والقتل وتوقيع بالإكراه

سميرة ليست الاولى ولا حتى الوحيدة التي تنازلت عن إرثها فهناك عدة حكاية لنساء فلسطينيات من المخيمات والقرى حتى المدينة، تنازلن عن حقوقهن المشروعة، إما تحت الإجبار والتهديد أو بطرق أخرى بهدف الحد من المشكلات والخلافات التي قد تستمر لفترات طويلة. قضية ارث المرأة ومظلوميتها في مجتمعنا قضية معقده ومهمة ارتبطت ببعض التقاليد والأعراف الخاصة التي تخالف أسس وقوانين الشريعة الإسلامية،

"أم احمد" واحدة من النساء التي تقتن مخيما للاجئين ويملك والدها اراضي كبيرة تنازلت هي الأخرى عن حقها في الإرث، حيث قالت انها عانات كثيرا وانها وقعت على التنازل تحت تهديد السلاح، اكدت ان اهلها وزوجها ليسوا على وفاق وعندما طالبت بحقها بالميراث بعد موت والدها لتحسين ظروفها المعيشية الصعبة اخبرها أخها الأكبر بالحرف الواحد" لا يحق لك الإرث ولن نمنح أموال والدنا لسارق وحرامي. ويقصدون بالسارق زوجها فهم يعتبرونه محرضا من الدرجة الأولى لأنهم عندما رفضوا منح ام احمد الإرث قامت بتهدديهم بإقامة دعوى قضائية ضدهم للحصول على الإرث فقامو بالدخول على بيتها مثلهم مثل الحرامي وهددوها بالقتل وتنازلت عن حقها تحت تهديد السلاح ,,

غاب القط العب يا فأر ...

في لحظة ما كان اخ "أم احمد" ياخد إرثها بالقوة، لعب "حاتم" لعبة القط والفار وحتى الثعلب الماكر مع إخوته من الذكور والاناث, فعائلته لديها بيتا كبيرا وعلى حد قولهم بيت جميل ورائع، وبعد موت الاب والام استطاع "حاتم" من الحصول على توكيل من شقيقه المغترب للتصرف بحصته فأبتاع حصة أخيه لنفسه بعد أن وعده بتعويضه بقطعة أرض سكنية، بينما راح يخدع ويحكي أخواته الثلاث حتى أقنعهم باسترضائهم بمبلغ من المال يساوي ربع حصة كل منهم بعد أن تباكى أمامهم وأقنعهم بان حصولهم على هذا المبلغ أفضل من بيع البيت بسعر زهيد. وبعد أن باع جميع الحصص لنفسه واجه شقيقه الأوسط مطالبا إياه ببيع حصته لأن أغلب المنزل صار ملكا له وحاول الشقيق الحصول على حقه كاملا بعد أثاره العديد من المشاكل حتى اضطر أخيرا إلى التخلي عن حقه مقابل قطعة أرض سكنية زهيدة، وهذه الطريقة التي تبدو أكثر مكرا ودهاءا وغير مباشرة للحصول على الإرث. وتستعمل بشكل أكثر لأن أغلب النساء يخشين من خسارة الأخ والبقاء وحيدة في مواجهة الزوج والحياة إذا ما رفضت التخلي عن إرثها فتضطر الى الرضوخ مكرهة. كثيرة في القصص التي ترتبط غالبا بقطاع غزة، وفي ذات الوقت هناك قصص أخرى في المدينة غالبا ما يحصل فيه الشقيق الذي يبق في بيت العائلة أخيرا على بيت العائلة تحديدا بعد إقناع أخوته بتضحيته وإنائه الكثير من سنواته في خدمة والديه.

 

مؤسسات داعمة 

قالت ايمان العطوي احدى العاملات في جمعية زاخر التي تحمل عنوان (من حقي ان ارث ) على انهم يعملون من اجل استرداد حق المراة المسلوب في الميراث والعمل على توعية المراة على عدم التنازل عن حقها حتى لو كان تحت التهديد ولو كلفها الامر ما يكلفها ,,واكدت ان المراة باتت تتجاوب معهم حول عدم تخليهم عن حقوقهم وان هناك العديد من النساء حصلو على حقوقهم من خلال التوعية التي حصلو عليها من الجمعية ودعت العطوي المراة الي المحافظة على وجودها ومكانها بالمجتمع فهي اكتر من نصف المحتمع ..

تقاليد هي ام عادات .. ام الاثنان معا

رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان المحامي هاني الدحله، قال ان التقاليد والعادات الدارجة في المجتمع العربي وهو كغيره من المجتمعات الاخري تحصر حق الإرث وخاصة في الأراضي في الأبناء الذكور، وتحرم الإناث في غالب الأحيان، والسبب في ذلك ان العائلة تريد ان تبقي الأرض والعقارات باسم العائلة، ولا تذهب للانسباء والأصهار في حالة توريث البنات، وكانت الأراضي وخاصة الزراعية هي المورد الأكبر وأحيانا الوحيد لإعاشة العائلة ، ولكن هذه العادات والتقاليد بدأت تنحسر قليلا مع التعليم والثقافة وازدياد فرص العمل للنساء، وان كانت سائدة لدى نسبة كبيرة من المواطنين، ورغم ان الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالإرث واضحة في وجوب توريث الذكور والإناث، لذا فإن المواطنين الذين يلجئون لتوزيع أملاكهم قبل وفاتهم على الذكور فقط إنما يفعلون ذلك فقط للأسباب المذكورة آنفا، وللأسف فإن الأخوات لا يستطعن اللجوء للمحاكم اذا ما تم التوزيع في حياة الموروث لأن كل إنسان حر بأملاكه يستطيع ان يعطيها بمقابل او دون مقابل لمن يشاء، ولكن في حالة الوفاة والأملاك لا تزال باسم الموروث فإنها توزع حسب الشرع بين الذكور والإناث ، وهناك حالة استثناء واحدة يمكن فيها اللجوء للمحاكم لإبطال عملية حرمان الإناث، وذلك عند وقوع توزيع الأملاك في مرض الموت وهو المرض الذي لا رجاء من الشفاء منه، والذي يمكن ان يستمر لمدة سنة قبل الوفاة ومن الأمور اللافتة للنظر ان حرمان الإناث يتم في بعض الأحيان بموافقتهن وبطلب منهن لأنهن يردن ان تبقى أملاك العائلة في الرجال فقط. وأخيرا يبقى أن نؤكد على أن المرأة في فلسطين تحتاج إلى تثقيف في جانب الحقوق المادية وعليها ان تكون شجاعة في طرح مشكلتها حتى وإن كانت تمس الأعراف والتقاليد، من خلال إقامة الندوات وورش العمل حول حق المرأة في إرثها وضرورة المطالبة به وعدم الخضوع إلى سلطة الرجل أبا او أخا أو أي من الأقارب في هذا المجال

القانون و الدين..

فسر القرآن الكريم الحق الشرعي للمرأة في كافة الأمور الحياتية ومنها الإرث، وعرفها على حقوقها الشرعية التي يجب أن تحصل عليها شرعا، ولا يرتضي الله سبحانه وتعالى الظلم للمرأة، في الوقت الذي وجد الرجل ليكون حاميا لها ووصيا عليها وسندا لا ناهبا او سارقا لحقها.يتعجب الشيخ "أحمد الحسني" وهو احد رجال الدين تلك الظاهرة التي لا تمت للإسلام بصلة واصفا إياها بالظاهرة المقيتة مؤكدا أن الإسلام يحرم على الرجل ظلم المرأة وسلب حقها في ميراثها الشرعي ولا يجوز له ذلك. ويضيف القاضي مرعي وبالنسبة للحكم الشرعي فان مغتصب حقها مجرم شرعاً وحرام قطعياً والعقوبة كبيرة في يوم القيامة اليوم الذي لا ينفع به مال ولا بنون ودستورية حين يثبت موقعها كأخت وزوجة وأم يأخذ الشرع حقها غير منقوص. ونرى إن المرأة في فلسطين يجب الوقوف إلى جانبها لنرتقي بها لمصاف المجتمعات الراقية في العالم. القاضي مرعي يؤكد على عدم وجود نص في القانون يشير الى سلب حق المرأة في الميراث.

 

حق من حقوقهم ضاع ...  

سهير البابا الخبيرة القانونية في قضايا حق المرأة بالميراث قالت أن مئات السيدات تعانين من الحرمان من الميراث، مؤكدة أن جهود أهلية وقانونية حثيثة تجري لتمكين المرأة من حقها عبر مشاريع عدة. وبينت البابا أن أهم التحديات التي تواجه النساء للحصول على حقهن في الميراث المعيق الاجتماعي الناجم عن الثقافة الذكورية السائدة في المجتمع، ونظرة العيب والتخجيل التي تمنع المرأة من المطالبة بحقها بالميراث، بالإضافة إلى خوفها من مقاطعة أهلها أو إيذائها. كما وأوضحت أن المعيق الثاني يتمثل في المعيق القانوني والمتمثل بعدم وجود نص صريح يجرم حالات الاحتيال والإكراه التي تمارس ضد المرأة لحرمانها من ميراثها, وغياب قوة الردع القانوني بعدم وجود عقوبات مشددة لمن يحرم المرأة من ميراثها، بالإضافة إلى عدم وجود نصوص تفرض للمرأة تحصيل حقها بالميراث بقوة القانون. وأشارت أن المعيق الثالث يتعلق بالمعيقات القضائية والإجرائية والتي تتمثل بطول إجراءات المحاكم بالنسبة لقضايا الميراث، والتي تؤدي إلى موت القضية وضياع حق النساء، بالإضافة إلى الإجراءات القانونية المعقدة التي تستغرق وقتاً طويلاً، لافته في الوقت نفسه أن من المعيقات التي تحرم المرأة من حقها بالميراث المعيق الاقتصادي موضحة أن الرسوم المرتفعة والتي تفوق إمكانيات العديد من النساء، كذلك أتعاب المحامين في قضايا الميراث، مما يدفع الكثير من النساء إلى التنازل عن أجزاء كبيرة من حقهن.  

الوضع النفسي والاثار النفسية ...  

يبرر الدكتور محمد أيوب أستاذ علم النفس الآثار النفسية التي تترتب على المرأة عند فقدانها لإرثها مشبها فقدان الإرث بفقدان الثقة بالأهل والشعور بالوحدة والإحساس المباشر بالضعف أمام الزوج، مشيرا إلى أن الظاهر قد تكون مخفية ولكنها مبطنة في دواخل المجتمع الفلسطيني وتحتاج إلى إدراك وفهم حقيقي لحقوق المرأة، وتبتعد غالبية النساء عن تقديم شكوى حفاظا على شكل العائلة والعلاقة بالأشقاء ولكن الآثار النفسية تبقى شاخصة ولا يمكن نسيانها