وهن القوة العالميه!

thumbgen (20).jpg
حجم الخط

 

النظام الدولى يمر بحالة من عدم اليقين، والغموض فى عملية التحول فى بنية القوة والفاعلين الدوليين ، والتى باتت لا تخضع لنظريات التفسير الدولية التى إعتدنا على تطبيقها لتفسير حالة التحول من مرحلة إلى أخرى ، فلم تعد النظريات الليبرالية ونظريات الواقعية التقليدية وما بعد التقليدية قادرة على تفسير أو التنبؤ بعملية التحول فى بنية النظام الدولى، وهيكلية القوة الدولية. فالنظام الدولى مر بمراحل من العلاقات الدولية إتسمت بالثبات والإنتظام والإلتزام بقواعد القوة التى حكمت العلاقات بين الدول. فانتقل النظام الدولى من مرحلة التعددية التى سادت الفترة من ظهور الدولة القومية فى القرن السادس عشر،وتركزت العلاقات فى الدول الأوروبيه بإعتبارها الفاعل الرئيس المتحكم فى العلاقات الدوليه على إعتبار ان العلاقات الدولية علاقات أوروبيه حتى نهاية الحرب العالميه الثانية والتى تراجعت فيها قوة أوروبا لتبرز قوة الولايات المتحده والإتحاد السوفيتى كقوتين وحيدتين متحكمتان فى القرار الدولى ، وليسود نظام القطبيه الثنائيه الجامده ولتتطور بعدها للثنائيه المرنه. وأستمرت هذه المرحلة حتى التسعينات من القرن العشرين فى اعقاب سقوط الإتحاد السوفيتى وتراجع القوة الروسيه ، وليسود ولفترة وجيزه نظام القوة الأحاديه الذى سيطرت الولايات المتحده على قمة هيكلية القرار الدولى . لكن سرعان ما دخلت العلاقات الدولية مرحلة جديده من الضبابيه ، وعدم اليقين، والتطورات فى بنية النظام الدولى ببروز الكثير من الفواعل من غير ذات الدول ، كالحركات الإسلاميه بكل تشكيلاتها، والحركات الشعبويه والإنفصاليه فى أكثر من دولة أوروبية. وادى التطور فى وسائل التواصل الإجتماعى ، والثورة المعلوماتيه والرقميه الى إنتشار غير مسبوق فى هيكلية القوة ، لدرجة لم تعد الدولة القومية هى الفاعل الرئيس المتحكم فى القرار الدولى ، وزيادة دور الفواعل من غير الدول ، وتأثيرها فى توجهات القرار الدولى . ولم يقتصر التغير فى بنية العلاقات الدولية على تعدد الفواعل الدولية ، وتنوعها , بل التنوع وتباين الأولويات فى القضايا الدولية ، وبروز قضايا باتت تشكل محورا في كل التفاعلات الدولية كقضايا الإرهاب والعنف الذى لم يعد قاصرا على دولة دون الأخرى ، ولم تعد الحدود القومية قادره على توفير الحماية الذاتيه. ولعل من أبرز التغيرات فى بنية النظام الدولى بداية ظهور الشعبوية الجديده ، وهى صورة قديمه جديده لعودة الروح القومية فى العلاقات بين الدول، كما نرى فى شعار امريكا أولا، وملاحظة ان مفهوم السياده قد ورد22 مره فى خطاب الرئيس الأمريكي ترامب فى الأمم المتحده، وخروج بريطانيا من الإتحاد ألأوروبى، وبروز التيارات الإنفصاليه فى كاتولونيا،وقد تتنامى هذه الظاهرة فى المستقبل لتزيد من تعقيد العلاقات بين الدول، ويلاحظ من التحولات الهامة التراجع فى القضايا ذات الإهتمام العالمى كقضايا المناخ وإنسحاب الولايات المتحده من إتفاقية المناخ، وإنسحابها من منظمة اليونسكو ومجلس خقوق الإنسان، والتهديد بالإستمرار فى تقديم الدعم المالى للأمم المتحده مما قد يؤثر على فعالية ودور الأمم المتحده كمنظمة جامعة للدول ، وكإطار لتحقيق درجة من التكامل الدولى ، مما قد ينعكس على فعالية وقوة الشرعية الدولية. ومن مظاهر التحول والتى إنعكست على وهن القوة احاديه القوة التى أحتكرتها الولايات المتحده، وقبلها ثنائية القوة بين الولايات المتحده والإتحاد السوفيتى وبروز العديد من القوى المتصاعده فى آسيا ، وغيرها ، كالهند وإيران وكوريا الشمالية، وقوة الصين عابرة الحدود، وهو ما ادى إلى تراجع القوة العسكرية الأمريكية والروسية اليوم.وإنتشار واسع للقوى فى يد كل القاعين الدوليين وهذا الإنتشار أدى لزيادة الرغبة فى توسيع مجالات النفوذ للدول الصاعده، مما أوجد معه العديد من الصراع والتنافس فى السيطرة على المناطق الإستراتيجية فى العالم. وصاحب هذا التطور زيادة دور الفواعل من غير ذات الدول التى باتت تقوم بدور الحرب بالوكالة بالنيابة عن دول القوة الصاعده الجديده. ولم يقتصر التحول فى هيكلية القوة على القوة الصلبه ، بل زادت اهمية القوة الناعمه مع تراجع دور القوة الصلبة والتى كانت تحتكرها القوى الكبرى ، وهو ما ادى إلى زيادة دور وتاثير القوى والدول الصغيره، والذى معه لم تعد التصنيفات التقليديه للدول علي أساس معيار القوة صالحه. فقد نجد اليوم دولا صغرى بمكا تملكه من عناصر القوة الناعمة لها تأثير فى القرار الإقليمى والدولى لا يقل اهمية عن قرار القوى الكبرى ، وهذا التحول إنعكس على شكل التحالفات الدولية والإقليمية بشكل كبير لم تصلح معه قواعد ومبادئ التحالفات التقليديه.وتبقى عملية التحول فى بنية النظام الدولى تتسم بالضبابية والسيولة وعدم اليقين لسرعة التحولات ، وعنصر المفاجأة ـ ومع ذلك تبدو فى الأفق بعضا من التغيرات مثل التحولات الفكرية المصا حبة لثورة العولمة والثورة الصناعية الكبرى ، ومع ذلك ما زالت بعض الثوابت قائمه ولو لفترة غير قليله كسيطرة وهيمنة الولايات المتحده كقوة احادية ، ووقوف كثير من التحولات الدولية على الدور الأمريكى ، وهذا قد يكون من أكثر الثوابت فى عملية التحول فى بنية القوة. وتستوجب هذه التحولات على المستوى العربى قراءة دورة القوة ، وتفعيل عناصر القوة الممكنة والمتاحة ـ وتطوير مفهوم القوة الشاملة حتى تاخذ مكانتها فى خارطة العلاقات الدولية المستقبلية ,