حمـــاس و"الدولـــة الإسلامـيـة": المواجهـــة القادمــة

20151506211953
حجم الخط

16 حزيران 2015

طرأ مؤخرا تصعيد ملموس في المواجهة بين حماس وبين عناصر الجهاد السلفي، «مناصري الدولة الاسلامية» في قطاع غزة. الاحداث التي وقعت في الاسابيع الاخيرة شملت حوادث إطلاق نار من اسلحة خفيفة وزرع عبوات في المباني العامة وإطلاق قذائف داخل مدن القطاع وبإتجاه اسرائيل. المواجهة التي وقعت بين افراد الدولة الاسلامية وبين الفلسطينيين سكان مخيم اليرموك للاجئين في سورية، ومن بين افراد من حماس، كانت ايضا هي شاهد آخر على التوتر المتصاعد بين الطرفين . على هذه الخلفية اعتقلت قوات الامن التابعة لحماس في غزة العشرات من النشطاء السلفيين كما قاموا بهدم مسجد سلفي في دير البلح. وردا على اعتقالهم هدد ناطقون من قبل جماعة انصار الدولة الاسلامية انه اذا لم تطلق حماس المعتقلين (خلال 72 ساعة، حسب ما جاء في البيان)، فإنهم سوف يفتحون معركة شاملة على جميع الجبهات ضدها، الا ان ذلك لغاية الآن لم يتم تنفيذه.
ليس التوتر بين حماس وبين المنظمات التي تنتمي للتيار السلفي – الجهادي في قطاع غزة وتعمل في إطاره وتحت سيطرته، بالظاهرة الجديدة. فالفوارق الايديولوجية والتي تتعلق بطريقة ادارة الحياة في غزة- بين حماس البراغماتية، والتي تنتمي لتيار الاخوان المسلمين، وبين المنظمات التي تنتمي للتيار السلفي الجهادي، الذين يطالبون بالتطبيق الفوري وبالقوة لقوانين الشريعة الاسلامية على سكان القطاع- كانت قد ادت في الماضي لخلافات حادة وكذلك لمواجهات عنيفة بين المعسكرين. والابرز من بينها هو الذي حدث في شهر آب من العام 2009 في مسجد رفح، الذي كان يديره الشيخ عبد اللطيف موسى، والذي كان يقف على رأس تنظيم انصار الله. فقد اعلن عبد اللطيف عن إقامة امارة اسلامية في غزة الامر الذي شكل تحديا لهيمنة حكومة حماس على القطاع. كما حاول الشيخ المتمرد توحيد جميع الفصائل السلفية في غزة تحت سقف واحد. وردا على ما اعتبر من قبل حماس تمردا على سلطتها، قامت وبواسطة قوة عسكرية ضد الشيخ ورجالاته وقتلت منهم نحو عشرون شخصا. ومنذ ذلك الحين حافظ الطرفان على حوار متوتر، شهد صعودا وهبوطا واستند اساسا على موقف الجانب السلفي – الجهادي بضرورة عدم شد الحبل على الآخر مع حماس.
لقد ادى اعلان ابو بكر البغدادي عن إقامة «الدولة الاسلامية» وعن نفسه كخليفة، قبل نحو السنة، بمجموعة من التيارات السلفية – الجهادية في قطاع غزة،  للاعلان عن دعمها للدولة الاسلامية. كما منح جزء منها الولاء للبغدادي. ومن بين هذه التيارات «مجلس شورى المجاهدين» «انصار الدولة الاسلامية»، «انصار الشريعة – بيت المقدس»، «النصرة المقدسية للدولة الاسلامية». ومع ذلك، فإنه لغاية الان لم تنجح هذه التيارات في ان تتوحد تحت قيادة واحدة، لكي تحظى بدعم الدولة الاسلامية ، ولكي تتحول الى جزء من الخلافات- مثل «ولاية سيناء» (التي يقودها انصار بيت المقدس) و»ولاية غرب افريقيا» (التي يقودها تنظيم بوكو حرام). والسبب في ذلك هو التشرذم والانقسام، الذي يميز التنظيمات العاملة في قطاع غزة، وعدم قدرة هذه التنظيمات على تأسيس منطقة حكم ذاتي تسود فيها الشريعة الاسلامية وفقا للتفسيرات والطريقة التي تقود فيها الدولة الاسلامية، وكذلك – قتالهم غير المجدي مع اسرائيل او مع حماس.
بشكل عام، القومية الدينية الفلسطينية، كقضية منفصلة، مرفوضة من قبل «الدولة الاسلامية». ووفقا لرؤيتها، فإن الحل  يأتي عبر تطبيق الشريعة على منطقة الصراع باكملها، ربما كجزء من «ولاية سيناء». ويشار بهذا الصدد، ان اشخاص من غزة، جزء منهم اعضاء سابقون في حماس، يشغلون مواقع قيادية في «ولاية سيناء». كما يستخدم التنظيم قطاع غزة كقاعدة للتجنيد، وللتدريب وكذلك كمأوى. فعلى سبيل المثال، افادت التقارير ان شادي المنيعي، من قادة انصار بيت المقدس، وكذلك عبد الله الاشقر، من قادة «مجلس شورى المجاهدين» يختفون في غزة من امام القوات المصرية. وهذا يشكل الخلفية، انه في هذه المرحلة نرى، ان تقديم الدعم للدولة الاسلامية واشهار التأييد معها من قبل التنظيمات السلفية – الجهادية في غزة ، لا يتم الرد عليه بتصريحات دعم من قبل قيادة «الدولة الاسلامية»، او من الفصائل في غزة الذين يحظون بدعمها العسكري والاقتصادي في المعركة، التي يديرونها امام حماس او اسرائيل. كما ان الهجمات المتفرقة من منطقة شبه جزيرة سيناء، التي قام بها تنظيم انصار بيت المقدس خلال المواجهة التي دارت بين حماس واسرائيل في صيف 2014 تعبيرا عن مناصرة اخوانهم في الجانب الفلسطيني، لا يمكن اعتبارها كدعم فعلي للصراع الفلسطيني بشكل عام وللمنظمات الجهادية السلفية بشكل خاص. وعلاوة على ذلك، فإنه لغاية الآن لا يعرف اي نشاط كبير من قبل الدولة الاسلامية، هدفه تعزيز المعركة ضد اسرائيل من اراضي قطاع غزة.
كما هو معروف فإن لاسرائيل اهتمام كبير في الصراع بين حماس وبين العناصر السلفية – الجهادية وخاصة حول امكانية، ان يتأسس على ارض القطاع خلايا او مبعوثين «للدولة الاسلامية» بحماية البغدادي. التطورات بهذا الاتجاه من شانها ان تؤدي الى التعبير عن ذلك في اراضيها ايضا. ويجب ان نذكر هنا ان جزء من ادعاءات المنظمات السلفية – الجهادية تجاه حماس تتركز على مطالبتها بترك سياسة ضبط النفس العسكري والابتعاد عن وضع العراقيل امامها من اجل القيام بعمليات لاطلاق الصواريخ على اسرائيل والقيام بالاعمال الارهابية ضدها. وعلى الرغم من النشاط العدائي لحماس ضد معارضيها من التيار السلفي الجهادي في قطاع غزة، فإن المواجهة بين المعسكرات من شأنه ان يؤدي الى رفع اصوات الانتقاد، التي تسمع بين السكان في القطاع تجاه حماس، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في المنطقة وبسبب الجمود في اعمال إعادة اعمار غزة من الدمار الكبير الذي وقع هناك خلال عملية الجرف الصامد. تزايد الانتقادات والدعوات الاحتجاجية من قبل افراد المعارضة في القطاع، من شأنها ان تضيف مؤشرا آخر للضغط على قيادة حماس لتسخين المنطقة الحدودية مع اسرائيل، من اجل ان ترسل لها بإشارات واضحة ان الوضع الاقتصادي والانساني في القطاع وغياب اي علامة للتغيير القريب لا يمكنه ان يستمر طويلا وبلا حدود، وان خيار تجديد إطلاق الصواريخ من قبل العناصر المختلفة التي تنشط في القطاع، ومن بينها المنظمات الجهادية – السلفية، ما زال قائما.
ان الوضع المعقد والتهديدي في الشرق الاوسط الذي خلقه صعود الدولة الاسلامية، خلق ديناميكا من التقاء المصالح، الذي شمل دولا وتنظيمات، التي لا تحظى بالمشروعية الدولية، مثل حزب الله وحتى القاعدة ومبعوثيها في سورية من «جبهة النصرة». التعبيرات المختلفة لالتقاء المصالح هذا، عرفت مثلا على خلفية الحرب الاهلية في سورية. 
  هكذا، هو حال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، من جهة، وحزب الله، الذي يقاتل الى جانب قوات لشار الاسد، من جهة اخرى، حيث يقاتل كلاهما ضد تنظيم «الدولة الاسلامية». وبصورة مماثلة تقريبا، فإن اسرائيل وحماس توجدان في نوع من التقاء المصالح، بسبب الاهتمام – كل واحد من وجهة نظره – بمحاربة تأثير «الدولة الاسلامية» في قطاع غزة، الذي من شأنه ان يمتد الى الضفة الغربية.
يبدو انه وفي اطار الجهود لوقف توسيع تأثير «الدولة الاسلامية» في قطاع غزة وسيناء سوف يخلق تعاونا غير مباشر وغير معلن بين حماس ومصر، وبين حماس واسرائيل. وذلك على الرغم من ان مصر تتهم علنا حماس بمساعدة نشاط «انصار بيت المقدس» ، ولكن على ما يبدو، فانه اذا عملت حماس بصورة حازمة، وفاعلة وشاملة ضد نشاطات التنظيمات السلفية في سيناء وداخل قطاع غزة، فسوف يطرأ تحسن تدريجي، حتى ولو متواضع، على العلاقة الصارمة التي يظهرها النظام في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي تجاه حماس. اما بالنسبة لاسرائيل، فإن الوقف التام لاطلاق الصواريخ من غزة الى اراضيها من قبل التنظيمات المارقة وفي مقدمتها تنظيمات الجهاد السلفي، هي بالنسبة لها شرط الزامي لاستمرار التسهيلات التي تتخذها بهدف تحسين الاوضاع المزرية في القطاع.  فإذا اثبتت حماس فعلا، انها على استعداد للدخول في عملية تهدئة طويلة الامد مع اسرائيل وتساعد في المعركة الاقليمية ضد توسع الدولة الاسلامية، فهذا من شأنه ان يسجل نقطة لصالحها، وتخلق توازنا على صورتها السلبية، التي تعاظمت في انحاء الشرق الاوسط في اعقاب المعركة التي دارت في الصيف الماضي مع اسرائيل.   

 عن «نظرة عليا»