18 حزيران 2015
على ارتباكه يزداد المشهد السياسي الفلسطيني ارتباكاً، من خلال المزيد من الخطوات الدراماتيكية، التي تصدر عن طرفي معادلة الانقسام، وكأن كل طرف يرد على الطرق الآخر، بعبارات متماثلة من حيث أهميتها.
منذ بعض الوقت تنقل وسائل الإعلام الإجنبية والعبرية والعربية اخبارا عن عديد الوسطاء في مفاوضات غير مباشرة بين حركة حماس، وإسرائيل، بشأن صفقة تنطوي على هدنة طويلة، ما يعني ضمان امن إسرائيل، مقابل فتح المعابر، واقامة ميناء عائم والسماح بتدفق مواد البناء.
هذه الصفقة جرى التحضير لها اعلاميا ونفسيا حتى قبل ان يتحدث الدكتور الفاضل احمد يوسف عن «الدردشات»، ما يعني ان الجمهور الفلسطيني وغير الفلسطيني لن يجد نفسه امام خبر صادم.
عملية التحضير النفسي والإعلامي لا تزال جارية، فالبعض مثل القيادي في حماس أسامة حمدان يعترف بأن الحركة تسلمت افكارا مكتوبة من الطرف الإسرائيلي وهي بصدد الرد عليها، والبعض الآخر ينفي وايضا من مستويات قيادية رفيعة في «حماس».
المشكلة الرئيسية ازاء هذه الصفقة المحتملة، هي في كونها قرارا وتصرفاً أحادي الجانب من قبل حركة حماس، الأمر الذي يبرر شبهة تسهيل المخططات الاسرائيلية التي تسعى لعزل وفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي ان وقع فإنه سيؤدي الى كسر ظهر المشروع الوطني الفلسطيني، ويضعف عملية التضامن التي تتسع يوما بعد آخر مع القضية واهلها.
حركة حماس لا تتوقف عن رفضها مخطط دولة غزة، وتتحدث عن التزامها بالإطار الوطني ازاء هذه الصفقة المحتملة مع إسرائيل، ولكن أحدا لا يكلف نفسه تفسير كيف ستكون هذه الصفقة في الإطار الوطني خاصة في ظل تعطل المصالحة وتردي العلاقة مع حركة فتح والسلطة.
لقد نجحت حركة حماس في اختراق حالة العداء مع مصر، وبتبديل المناخات السلبية بمناخات واعدة، عبرت عنها مصر بفتح المعبر طيلة هذا الاسبوع، والسماح بتمرير الإسمنت الى قطاع غزة، وايضا من خلال تهدئة الجبهة الإعلامية.
لم يكن هذا النجاح، بسبب التصريحات الإيجابية، ولا علاقة لها بالأخلاقيات، والأرجح ان «حماس» تمكنت من إقناع الشقيقة مصر وعمليا، وليس نظريا، بأنها حريصة على الأمن القومي المصري، وبأنها مستعدة للتعاون من اجل حماية الامن القومي المصري، وبأنها لا تتدخل ولا مصلحة لها للتدخل في الشؤون الداخلية المصرية.
في ضوء هذه المناخات الواعدة عادت «حماس» لتكثف من خطابها بشأن أهمية الدور المصري إزاء ملف المصالحة وإزاء ملف المفاوضات مع إسرائيل، ما يؤشر الى إمكانية تنشيط الدور المصري إزاء هذه الملفات.
في المقابل فجر الرئيس محمود عباس قنبلة من عيار ثقيل حين تحدث عن استقالة او إقالة حكومة الدكتور رامي الحمد الله بدون العودة الى التوافق الوطني، وفي خطوة اعتبرتها حركة حماس أحادية ومرفوضة.
تفجير هذه القنبلة جاء بعد شائعات ترددت عن احتمال إجراء تعديلات واسعة على حكومة الوفاق، هي الأُخرى كانت تستدعي العودة للحوار والتوافق الوطني، ولكن هذا التوافق يغيب في الحالتين، حالة التعديل وحالة التبديل.
موضوعيا، فإن حكومة الوفاق، تجاوز عمرها المدى الزمني الذي تم التوافق عليه، وكان من ستة اشهر الى عام، انتهى عمر الحكومة زمنيا، وانتهى دورها عمليا الى فشل في تنفيذ ما اسنده الوفاق اليها من مهمات، حتى باتت وكأنها طرف في معادلة الانقسام، رغم انها بريئة من هذه التهمة لان فشلها يعود الى المستويات السياسية في حركتي حماس وفتح.
الرئاسة على لسان الناطق باسمها نبيل ابو ردينة كانت قد باركت فكرة الهدنة، ولم تسجل اعتراضا واضحا على الجانب الذي يتصل بالمفاوضات بين حماس وإسرائيل، وانما سجلت تحذيرا من الانزلاق نحو دولة ذات حدود مؤقتة وتقصد «دولة غزة» التي تسعى إسرائيل لفرضها.
وموضوعيا، ايضا قد اصبح الفلسطينيون بحاجة الى تغيير أشكال ووسائل معالجة ملفي المصالحة، والصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ما يعني اننا فعلا بحاجة الى حكومة سياسية، حكومة فصائلية بمشاركة الكل، هي الأقدر على التعامل الإيجابي والنشط مع هذين الملفين، من الواضح ان اختلاف الظروف بين ما كانت عليه ابان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية، وما هي عليه الآن حيث ان المجتمع الدولي والإقليمي بات اكثر استعدادا للتعامل مع حكومة تشارك فيها «حماس» خصوصا بعد ان وصل المجتمع الدولي الى قناعة بان إسرائيل من يتحمل مسؤولية فشل المفاوضات، وان حركة حماس تشكل لاعبا أساسيا من غير المنطقي تجاوزه او التصادم معه. نحتاج الى حكومة سياسية ونحتاج الى هدنة ولكن هذه الحاجات مرهونة بالحاجة الى حوار وطني من جديد وتوافق وطني جديد يصحح اعوجاجات السياسة الفلسطينية، ويوقف هذا التدهور المتسارع في الأوضاع.