تزايدت في الآونة الأخيرة، الأخبار والتسريبات والتقارير، التي تمحورت حول جهود تبذل للتوصل إلى تهدئة ما بين حركة حماس وإسرائيل، وكأن قطاع غزة ذاهب باتجاه الانفصال عن الضفة الغربية، كما وتمحورت عن إجراءات «أحادية الجانب» تهدف لعزل الضفة الغربية عن قطاع غزة .. قامت جهات سياسية وإعلامية - أمنية وغير أمنية، بتعزيز تلك التسريبات والأخبار، وكأننا قادمون، لا محالة لحالة الانفصال ما بين شطري الوطن.
لعله بات واضحاً، للغاية، بعد الإعلان عن عزم رئيس الوزراء رامي الحمد الله، تقديم استقالة حكومته، للتمهيد لتشكيل حكومة وفاق وطني جديدة، قادرة على معالجة الملفات الشائكة، الراهنة، كيف تم تفسير هذا الإعلان، باتجاهات شتى، تعزيزاً لنهج الانقسام والتباعد ما بين شطري الوطن.
ما أفرزته التوجهات الجديدة، لتشكيل حكومة جديدة، هو حالة من الحراك، وإعادة ترتيب الملفات، باتجاه جدية الحوار الوطني ما بين القوى الفاعلة ميدانياً، وفي مقدمتها حركتا فتح وحماس.
ما جرى من توافقات سابقة، وما أعلن من اتفاقات لم يكن محدداً وواضحاً بما فيه الكفاية. كانت بعض فقراته، حمالة أوجه، وقابلة للتأويل والمزيد من التفسير، ما أوصل الأمور لما وصلت إليه.
الطرفان المركزيان في المعادلة، فتح وحماس، تؤكدان عزمهما على اللقاء وعدم الافتراق، واستبعادهما للانقسام والتباعد.
هنالك فرصة الآن، فرصة تاريخية وذهبية، لإعادة فتح الملفات كافة، بهدف التوصل لبدايات حوار وطني شامل، تشارك به القوى كافة؛ تشارك بجدية ومسؤولية تاريخية، لدرء مخاطر الانقسام القائم، وتجاوز احتمالات تكريسه، كواقع وكمشروع يهدف لتدمير الكيانية السياسية الفلسطينية، بكافة مكوناتها.
الحوار هنا، لا يهدف لخلق حالة من التطابق في الأسس والتوجهات وبالتالي في السياسات العامة، بقدر ما يرمي للتوصل لنقاط عمل مشتركة، تشكل القاسم المشترك الأعظم، ما بين شعب واحد، له قضية واحدة، وله أهداف مشتركة.
اتفاق في ظل الخلاف، وضمن إطار واحد. المسألة هنا، تحتاج إلى مسؤولية عالية، وعلى قدر من تسوية ترفع الجميع إلى مستويات راقية في التعبير السياسي واحترام الآخر، رغماً من الخلاف القائم، والإفساح في المجال لتصارع حر ومسؤول للأفكار والسياسات القائمة.
سبق للوضع الفلسطيني، وأن شهد نوعاً من هذا الحوار، خلال سنوات ١٩٦٩ - ١٩٩٣، في مراحل الإعداد للمجالس الوطنية، وكان عقد المجلس (كل مجلس) بمثابة الإعلان عن توافقات في ظل الخلافات القائمة.
لا بد من تطوير هذا الحوار، وتأطير حالات الصراع السياسي الراقي والمسؤول في آن، عبر حوار يضع نقاط الخلاف على بساط البحث كما يضع نقاط الالتقاء مهما قلت في بدايات الحوار، والشروع بحوار مسؤول. قد يمتد طويلاً وغير محدد بزمن، لكن أسسه واضحة، وآفاقه معلنة، ما سيضع حداً لحالة التردي القائمة، ومؤداها حالة انشقاق ما بين شطري الوطن، لا تحمد عقباها.
هكذا حوار، سيفتح الباب على مصراعيه، للتفكير جدياً بعقد مجلس وطني شامل، تشارك به القوى كافة، ينتج في نهاية الأمر، وثيقة سياسية تشكل برنامجاً سياسياً لتحرك سياسي فلسطيني مشترك.