العالم أعطانا... فماذا نعطي القدس؟

التقاط.JPG
حجم الخط

 

ليس المعني بهذا العنوان المواطنون العاديون الذين حموا القدس، في كل موقعة حدثت بشأنها، منذ أن وجدت المدينة الى ما لا نهاية.

المقدسيون الذين شاء الله أن يكونوا ممثلين لكل أمة العرب والإسلام، لم ينتظروا أوامر من أحد، ولا غرف عمليات لأحد، كي يحموا مدينتهم ويبعدوا أذى فقدانها أمام كل الغزوات التي تعرضت لها، وآخرها وأشرسها غزوة الاحتلال.

المعني بالدعوة هم أولئك الذين يعتبرون الصخب والصوت المرتفع وإصدار الأوامر للناس وللعالم، بديلاً عن الفعل البسيط والمؤثر الذي نحن والقدس بأمس الحاجة اليه.

بالكلام كل شيء سهل ومتاح حتى «مرمغة» أمريكا في الوحل، وبالانفعال كل شيء يقال دون التدقيق فيما يُفعل. كثيرون اطلقوا العنان لخطاباتهم فضجت وازدحمت الشاشات حتى خيل لمن سمع ان السماء توشك على الانطباق بالأرض.

حين نتأمل بما فعل ترامب ونستقرئ الدوافع والاحتمالات، وندقق في كيفية الاستثمار الاسرائيلي لما حدث، وهو بالمناسبة ليس استثماراً مموهاً بل في غاية الوضوح، فإن المنطق قبل الواجب يملي علينا حتمية اللجوء الى الحسابات، وتحديد الأرصدة الحقيقية وفصلها عن الأرصدة الكلامية، فلنا في المعركة المفروضة علينا الكثير الكثير مما يتوجب الاستثمار فيه، وتوظيفه لمسيرة من شقين: الأول .. الحفاظ على البنية التحتية لصمودنا في القدس وسائر الوطن، والثاني: التقدم بجرأة نحو الهدف الفلسطيني الذي تكرس عالمياً، وهو كيف تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتنا.

العالم قدّم لنا هدية أثمن بكثير من الهدية المسمومة التي قدمها ترامب لإسرائيل، وحلفاؤنا الأصليون وحتى المؤلفة قلوبهم أجمعوا على حقنا الراسخ وغير القابل للتصرف في القدس، وأمر كهذا لا ينبغي ان يوقعنا في محظور اعتبار الأمر تحصيل حاصل، ذلك أن ما تبلور قد يصبح هباءً منثوراً اذا ما فقدنا التوازن بين ما يجب ان يتم على أرضنا وطليعتها القدس وبين ما ينبغي ان يتم من فعل سياسي وتحالفي أساسه قوة وضعنا على الأرض.

لن نفلح في توظيف الزخم إن لم نقنع العالم بانتهاء الانقسام، وليس هذا فقط، بل حين نوفر لرصيدنا الاستراتيجي في القدس ما يلزم من مقومات الصمود والاستقلال عن الحبال البغيضة التي فرضها الاحتلال لربط حياة المقدسيين بالمحتلين.

ربما تكون إسرائيل قد استطاعت الاحتفاظ بالاحتلال نصف قرن، وانفقت على هذا الاحتلال مئات مليارات الدولارات وخصصت للقدس ما يوازي دولارا لكل حجر، فما هي النتيجة ؟

العقلانيون في إسرائيل وعلى قلة تأثيرهم، يرون ان كل ما فُعل في القدس ذهب هباءً، وان «العاصمة الموحدة» لإسرائيل ما تزال مجرد ادعاء، وان القدس الشرقية التي لم تبتلع ولم تهضم تكرست على مستوى العالم عاصمة للفلسطينيين، هذا هو رصيدنا الأساسي، الذي لا يتناقص مع الزمن ولا ينفذ تأثيره، وانسجاما مع هذه الحقيقة أخلص الى القول: لقد اعطانا العالم كل ما نريد وبقي ان نعطي القدس كل ما تحتاج.