الكاتب: المتوكل طه
يا عهدَ الأسطورة التي نهضت من نسغ الجبال وسخونة البرق ! يا كومة الشمس الذائبة على هامة الجسارة ! يا صوت القادم الراسخ بكل عنفوان النمرة اليافعة ! يا اسم فلسطين الجديد !
أنتِ الذاكرة التي تحرق العَدميّة ، وتؤسّس لبوابة الخلاص الأكيد ، وتبشّر بالأعراس على تلال اللوز ووزهر الرمّان ، وتهجس بمؤاخاة الأيّل مع الفرو الأنيق .
يا عهدَ الطمأنينة لأُمّكِ الأرض ، أُمُّ المناديل والشجن والحنين ، ويا عتبة فلسطين الراسخة نحو مآذن الإسراء وأجراس العودة ! يا عهد تخصيب البلاد بغناءٍ طاهرٍ يتصادى ليستفيق الموتى من رجفة الغياب ، أو تستعيدُ العدالةُ بصيرتها من خلف المصالح الرديئة .
يا عهد الوميض المخزون في غيومنا الساخنة ! ويا دمنا القوي المنقوع في الوجه الفلسطيني الأحلى ! ويا مَن هززتِ التعاقد المسعور بين الاحتلال والفاشية المُهيمنة ! ويا مَن قلبتِ حسابات لعبة المجزرة ! لقد اكتمل قمرُ المَقام فوق زهرة المدائن .. وأصبح الوقتُ يصلح للطقوس الأخيرة وللنوم النقيّ.
ها هي جدائل الشمس تنسرب في الحدّ الفاصل بين السموات والأرض، وتخضّ قارورة الخلود، ليشرب منها العدم فيعود وجوداً. وها هم الشباب يضرّجون الكواكب بأقدامهم المدَمّاة وعجاجهم المقدّس .. وبقي العَلَم مشرعاً في الغبش الواضح .
ستقول أُمُّكِ المطهمة بالضوء؛ إصفعي جلّادكِ لأتحرر من الجمرة الكأداء، التي تخرّ في ليْلك الربيع، وسيطلب أبوكِ الباسمُ إغفاءةً على ذراع الأحراش ، وهي تمضي إلى حليب ذكرياته ، التي يتراءى فيها البطلُ وهو يحزّ عنق العتمة.
أيتها المتوَّجة على يقظة النبيّ ، الحارسة لبوابة الزيتون المتربّع على عرشه الأبدي ! لقد أعدتِ الترياقَ إلى البحر، والنسغَ إلى بيارات الساحل، والغمزةَ إلى عين النرجسة، المتأجّجة بزغب الجَمْر، وحفظتَ حقيقةً لن تموت ، وهي أنّ قدس الذَهبِ والقبابِ ، العاصمة الأزليّة ، ستبقى لنا إلى أبد الداهرين .
وها هي عصاك تضربُ النجومَ، فينقدح الفضاءُ بنثار الحصان الفضيّ، المشرف على تلّة في الجليل .. فليَخسَأ المتبجّح الذي يقوم بيته الأَسودُ على ملايين الجماجم ، وليرحل المستبيحُ الذي يخاف نهضَتكِ العارمة ، وأنتِ تزأرين بجسارة نزار وأحلام وباسم ونور .. فيرتبك الجنود !! فطوبى للخوف الذي بعثتيه في أوصالهم ، إلى أن أصبحتِ أكبر من دولتهم المُلفّقة ، مثلما أنّ أحدث زيتونة هي أعتق وأكبر من ولايات الموت .
لقد آن الأوان يا عهد لأن تضعي النهاية لطريق الهاوية الداكنة ، ولأن تُحيلي الغابة لأفق زجاجي مشرق ، ولأن تتألّق ألعابنا النارية .. لتحترق العتمة ، ويبدأ النهار.
ونحن بانتظاركِ أيتها الملكة الكنعانية ! فصورتُكِ على النجم ، وأنفاسك في الحقول ، واسمك فاتحة الكلام .