رغم الأجواء العسكرية ظهرت الفتاة الأسيرة عهد التميمي، أثناء نقلها للمحكمة للنظر بطلب الإفراج عنها، وهي في كامل طفولتها وجمالها مرتدية معطفاً شتوياً وبنطالاً خمري اللون، وجرابات حمراً، وحذاء رياضة أسود، ولأن الطفلة الصغيرة لا تمتلك مشطاً في الزنزانة الانفرادية في سجن هشارون البعيد داخل إسرائيل، بدا شعرها ملبداً.
وقررت محكمة الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، رفض طلب الإفراج عن الطفلة عهد التميمي، عقب تأكيد والدها باسم التميمي انقطاع الاتصال مع ابنته المعتقلة في السجون الإسرائيلية.
ويحتجز الاحتلال الإسرائيلي الطفلة عهد التميمي هي ووالدتها وابنة عمها، إلا أن عهد تم احتجازها في زنزانة مع القاصرات الفلسطينيات، ولكن وسط الجنايات الإسرائيليات، كنوع من أنواع الضغط عليها.
وفي تفاصيل المحاكمة، قال الصحفي محمد دراغمة علىى صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، إن "الطفلة الصغيرة عهد التميمي وقفت في قاعة المحكمة العسكرية، مقيدة الرجلين بسلاسل داخل قفص حديد، ومحاطة بأربعة حراس من الشرطة الإسرائيلية".
وأوضح أن التعب رسم خطاً أسود تحت عينها اليسرى، وبدت مشدوهة قليلاً أمام المشهد الغريب للقضاة بزيّهم العسكري، والحراس بأزياء الجيش والشرطة، والمحامين وبعضهم يهود وآخرون من فلسطينيي الداخل، حملة الهوية الإسرائيلية.
وتابع: "ابتسمت عهد عندما التقت عيناها بعيني والدها باسم التميمي (50 سنة)، الذي خبر السجون الإسرائيلية طويلاً، فهو اعتقل تسع مرات، أما والدتها ناريمان (40 سنة)، فلم تأتِ إلى المحكمة لأنها اعتُقلت في اليوم نفسه عندما حاولت أن تزور عهد في مركز الاحتجاز، وإمعاناً في معاقبة الطفلة وأمها احتُجز كل منهما في سجن مختلف".
وقال والد عهد لطفلته: "ابتسمي وافردي شعرك، كوني أنتِ، فأنتِ بطلة، أنتِ رمز الجيل الجديد من الفلسطينيين الباحثين عن الحرية. جيلنا انتهى أمره، وأنت حاملة الراية"، مضيفاً: "فابتسمت عهد بثقة من دون أن تعبأ بالحراس الذين نهروهما ومنعوهما من الكلام".
وطلبت المحامية الإسرائيلية غابي لاسكي التي تعمل لدى مركز "بتسيلم" لحقوق الإنسان، من القاضية العسكرية أن تفرج فوراً عن الطفلة لأن "حالها لا تستدعي توجيه قوات كبيرة من الجيش إلى بيتها بعد منتصف الليل من أجل اعتقالها، بل كان يمكن استدعاؤها إلى مركز الشرطة والتحقيق معها وإعادتها إلى البيت، وفي حال وُجد ما يستوجب إحالتها للقضاء يمكن استدعاؤها إلى المحكمة، وفي حال إدانتها يمكن اعتقالها، أما ما جرى فهو انتهاك صارخ للقانون، إذ جرى اعتقال فتاة قاصر من بيتها، وترويعها وأسرتها، واحتجازها في السجن من دون إدانة".
وأشارت لاسكي، إلى عشر حالات لفلسطينيين جرت محاكمتهم في ظروف مشابهة، ولم يجرِ اعتقالهم إلا بعدما قضت المحكمة بسجنهم فعلياً، مثل عيسى عمرو من الخليل، وفريد الأطرش من بيت لحم، ومحمد الخطيب من مخيم قلنديا وغيرهم.
في حين، قال المدعي العسكري، إن الفتاة الصغيرة "شديدة الخطورة، ولدينا ملف سري يتناول اعتداءاتها على الجنود"، رافضاً طلب إطلاق سراحها، فيما استجابت القاضية لطلب الادعاء العسكري، وأجلت البت في طلب المحامية إلى يوم الإثنين المقبل.
وحضر جلسة المحاكمة ديبلوماسيون وناشطون إسرائيليون مناهضون للاحتلال وممثلو مراكز حقوق الإنسان، مثل "بتسيلم" وغيرهم.
وقال أحد النشطاء الإسرائيليين أمام المحكمة: "أخجل من نفسي ومن التاريخ، كيف نضع طفلة جميلة في قفص ونقيّد رجليها بالحدي، هذه محاكمة سياسية، أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت وبنيامين نتانياهو في مواجهة طفلة فلسطينية".
واعتقلت قوات الاحتلال "عهد" في تمام الساعة الثانية من فجر الثلاثاء الماضي، بعد انتشار شريط فيديو يظهرها تطرد جنديين إسرائيليين من ساحة بيتها في قرية النبي صالح شمال رام الله، وتركل أحدهما برجلها وترفع يدها الصغيرة لتصفع وجهه من دون أن تصله، ما أثار ثائرة المتطرفين في إسرائيل الذين اعتبروا ذلك إهانة لجيشهم "الذي لا يقهر".
وأوضح والد "عهد" السيد باسم التميمي، أن ابنته طردت الجنود لأنهم "احتلوا البيت ونصبوا مكمناً لشبان في البيت المجاور قبل أيام، وأطلق أحدهم عياراً معدنياً على الفتى محمد التميمي (15 سنة) اخترق وجهه، وهو يرقد في غرفة العناية المكثفة في المستشفى الاستشاري في رام الله وحاله بالغة الخطورة، ما جعل عهد "تغضب كثيراً ولم ترد السماح لهم باستخدام بيتنا مكمناً لاصطياد مزيد من شبان القرية".
وأصبحت عهد بعد اعتقالها ظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تداول ناشطون فلسطينيون صوراً وفيديوات لها ووصفوها بـ "البطلة ورمز انتفاضة الجيل الجديد".
في حين وصفها إسرائيليون بـ "الإرهابية"وطالبوا بمحاكمتها، وتعهد الوزير نفتالي بينت الذي يوصف بأنه رئيس الوزراء الفعلي بأن تُمضي عهد ما تبقى من حياتها داخل السجن.
يٌشار إلى أن الطفلة عهد، معروفة بمواجهتها الجريئة للجنود الاسرائيليين، إذ ظهرت للمرة الأولى في فيديو وهي تتصدى للجنود عندما كانت في الثامنة من عمرها، وقبل عامين نُشر لها فيديو وهي تعارك جندياً اعتقل شقيقها الصغير محمد الذي كان في الثانية عشرة من عمره، وعندما فشلت في تحريره، عضّت الجندي الذي ظهر يصرخ من شدة الألم.