تحسين يقين " نائلة والانتفاضة "

 تحسين يقين " نائلة والانتفاضة "
حجم الخط

وجمال ومجد..

 

ونحن!

 

وجوليا باشا أيضا.

 

فيلم، لكنه حكايتنا أيضا، هو فيلمنا، فكيف تكون المسافة في قراءته وهي في الوقت نفسه قراءتنا لأنفسنا! تأملنا وتفكيرنا لما كان يوما وما يكون! بل فيما يكون سيكون التأمل أكثر عمقا، كونه المصير.

 

بين مئات المشاهدين، كنت أرى انفعال كل مشاهد/ة بالفيلم كأنه فيلمه الشخصي، خصوصا لمن عاش تلك الأيام..حتى ولو كان طفلا. إنه عذر لنا، إذا تحدثنا عن الفيلم فنيا وشخصيا ووطنيا معا.

 

هو حكاية نائلة المنتفضة، ورفاقها ورفيقاتها، وشعبها، وحكايات كثيرة، لمئات..آلاف..لا نبالغ إن قلنا مئات الآلاف الذين واللواتي عاشوا الانتفاضة الأولى حيث ظهرت الجموع في المظاهرات والاعتصامات التي اقتبسها الفيلم من الأرشيف الكبير.

 

قصة نائلة عايش هنا بالذات، وهي رفيقة من مناضلات الانتفاضة، لها معنى مميز، حيث تمثّل مواجهة الأسر للاحتلال، هي وزوجها حتى وطفلها، والأمثلة كثيرة حول العلاقة بين نضال الأسر من خلال أكثر من فرد مشارك/ة في العمل الوطني، ومصداقية الخلاص الوطني وليس الفردي.

 

قصة الأسرة، نائلة طالبة مغتربة في بلغاريا تمارس نشاطا طلابيا وطنيا، وطنية، تلتقي الطالب جمال زقوت أثناء الدراسة ليتزوجا بعد عودتهما. وتعتقل نائلة قبل الانتفاضة، وتجهض جنينها أثناء التعذيب، وتحت تأثير الاحتجاج الإعلامي بما فيه الإعلام الإسرائيلي يُطلَق سراح نائلة. وتحمل ثانية، وقبل ولادة الطفل، يُعتقل زوجها ويُبعد للخارج. تستمر في نضالها وتتعرض للاعتقال الإداري، تاركة طفلها مجد وراءها مع جدة كبيرة في السن، وحين يتم الضغط على الاحتلال تجمع سلطات الاحتلال الطفل مع أمه لكن في المعتقل.

 

 

فنيا:

 

اعتمد الفيلم على التاريخ الشفوي المحكي، من خلال الشخصيات التي عاشت تلك الفترة، وكانت فاعلة فيها وبها، ولأسباب ربما جندرية، فقد تم اختيار الشخصيات النسوية. ولعل أكثر المقابلات، أو الصوت فقد كان للشاب مجد بعد هذه السنوات وهو يتأمل ويفكّر في هذه الروايات المتقكعة التي كان يسمعها في اكثر من مرحلة عمرية، وها هي اآن لربما تكتمل.

 

أما عن اختيار أكثر الشخصيات من اليسار الوطني، فربما ان ذلك يعود الى كون بطلة الفيلم نائلة، كانت رفيقة في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

 

اعتمد الفيلم أيضا على استخدام الدراما، أكان ذلك عبر الخيط الدرامي الناظم للفيلم التوثيقي، أو المشاهد التمثيلية داخل الفيلم، والتي غلب عليها التمثيل عبر أسلوب الرسوم المتحركة، ِAnimation.

 

وليس هناك رأي سينمائي محدد بشأن الحالة الدرامية داخل فيلم وثائقي، فهناك آراء متنوعة تبعا لمنطلقات أصحابها، لكن الكلمة الفصل في الموضوع برأيي المتواضع هي في الأثر، أي كيف تم توظيف ذلك شكلا لإبراز المضمون في أجمل حلة. وهنا نزعم أنه تم كما ينبغي لهذا الابداع ان يكون.

 

وهنا، لعلي أصل، إلى أن استخدام الرسوم المتحركة كان الأهم فنيا في الفيلم، ودليل زعمي هو أنه لم تم حذف تلك المشاهد، لخفت القيمة الفنية للفيلم.

 

برغم متابعتنا للرواية الشفوية، إلا أن استخدام فن الانيميشن، كان يؤثر فينا عميقا، بل وددنا لو طالت أكثر؛ حيث أن جانبها الدرامي ربما أغرانا أن نتخيل الفيلم كفيلم درامي لا توثيقي. ولعل المخرجة تبدع لجمهورها فيلما جديدا ترواغ فيه بين الوثائقية والدرامية، تماما كالروايات التي زاوجت بينهما عالميا وعربيا.

 

صاحبت مقاطع الرسوم المتحركة السرد الذي كنا نسمعه، وأحيانا كانت الرسوم هي استئنافا للسرد، أو بديلا له. لقد أبدعت فعلا المخرجة جوليا باشا، وهي تستخدم الرسوم المتحركة لتروي حياة نائلة وأسرتها، ومشاركتها في الانتفاضة، ووصف لحياة طفلها مجد الذي جمع الاحتلال شمله مع والدته الناشطة سياسيا، بها داخل المعتقل.

 

من المشاهد التي رسخت في القلب مشهد رسوم متحركة لمجد الصغير مع الأسيرات في معتقل النساء، وتلك الحركة الدائرية أثناء تشجيعه على المشي، من خلال الإمساك بشعر المناضلات، حين جعلت المناضلات من شعورهن ليس فقط حبالا له يقوى به في القيام لمغادرة مرحلة الحبو على الأرض، بل كشكلا بديلا لألعاب الأطفال، كأنه يتأرجح في حديقة أطفال.

 

تعيد إحدى المناضلات التمثيل، من خلال استخدام شعرة واحدة من تحت منديلها، حيث نرى بصمة الزمن على النفوس والحنين العظيم، الذي أعادها للوراء ثلاثين عاما.

 

أثّرت الكثير من المشاهد التمثيلية في الرسوم المتحركة، منها توزيع الرفيقة نائلة لمنشورات الانتفاضة، وكيف كانت من خلال مصاحبة طفلها لها، تبعد شك الجنود عما تحمله من بيانات وطنية.

 

بقي أن نقول أن إذا زعمنا ان الرسوم كانت العنصر الأقوى في الفيلم، فإن اختيار الحركة النابضة داخل الأجساد باللونين الأبيض والأسود التي أحالتنا الى تأمل حركة الخلية البيولوجية، كانت الأكثر حركة وتحريكا لخلايانا الفكرية والشعورية. وثمة تقاطع هنا بين تلك الخلايا وخلايا العمل الوطني، ولا أدري إن كان ذلك في بال المخرجة.

 

هل من رسائل؟

 

الفن يقودنا إلى الوطن..والقضية الأكثر عدلا ونبلا.

 

والوطن يدعونا للفن دائما..

 

الفيلم في جزئه الأول كان وصفا دراميا لعبقرية النضال، للرفيقة نائلة عايش والمناضل جمال زقوت كعضو مؤسس في للقيادة الوطنية، أي على مستوى الأسرى ومستوى الشعب. ولا أدري لم شعرت أن الفيلم لو توقف هنا لكان أكثر تأثيرا، لما قدم فيه من رواية لاعتماد الشعب على نفسه اجتماعيا وصحيا وتعليميا واقتصاديا كشعب له هوية يطمح للاستقلال.

 

في الجزء الثاني، وهذا ما سيشكل جدلا، ركز الفيلم في أمرين: الأول نقد أوسلو، والثاني في تغييب المرأة سياسيا وتفاوضيا.

 

أما الأمر الأول فصار عاديا ومستهلكا، حيث لن نضيف جديدا الى نقد اتفاقية اوسلو التي مرّ عليها ربع قرن، بل إن ما يمكن أن نضيفه هنا فنيا وثقافيا وسياسيا هو البحث عن بديل، والتي لربما أوحى الفيلم لا من خلال النقد، بل من خلال التذكير بعبقرية الانتفاضة في الجزء الأول والذي اصلا شدنا كثيرا.

 

في الأمر الثاني، لربما كان من الممكن اختصاره، حتى لا يتساوى التناقض مع الاحتلال وطنيا مع وضع المرأة اجتماعيا، والذي يبدو ايضا كاقتتال وتنافس رغم مشروعيته، ودليل ذلك ما حدث من نقاش بعد الفيلم ركز على دور المرأة. نقول ذلك ونحن واعون على دور التنوير الاجتماعي في مراحل التحرر كلها، وأرجو ان يتم قراءة رأيي في سياقه الوطني والفني.

 

لأن الأمور بخواتيمها فلعل الفيلم يعيد استلهام التجربة الاكثر عبقرية لجيل جديد نحرره من عيوبنا، جيل مجد بطل القصة من جهة، والمستهدف من الرواية من جهة أخرى. وأنه باستطاعة الشعوب الإبداع، تلك هي السيرورة والصيرورة معا.

 

نائلة والانفاضة وجمال ومجد ونحن! وجوليا باشا أيضا.

 

هم/ن نحن معا في رحلة تأمل، تصير نائلة قصة وفيلم يطوف العالم، تذكر بعهد ثوري نقي يعود، صارت البطلة الشعبية بطلة فيلم، ينشد خلاص شعب تحت الاحتلال.

 

الذي كان يحبو صار يمشي ويركض ويسمع ويبصر ويتأمل ويفعل..لقد رضع من فعل المناضلات حين ألقين له حبالا له يقوى به لمغادرة مرحلة الحبو على الأرض..للانطلاق في الحياة.

 

كنت ابن 20 عاما، وها قد ابيض شعري اذا دخلت الخمسين..30 عاما ترى ما الذي مرّ هنا علينا فرديا ووطنيا؟ هل كنا نظن ان الزمن سيظل عشرينيا!ّ؟ وأننا لن نكبر سريعا؟ هل مضمون الفيلم هو مضمون يتجاوز الوصف ليكون في العمق مضمونا نقديا؟ وهل من رمز اجتماعي سياسي؟

 

 

الفيلم من إنتاج مؤسسة جست فيجن وهي مؤسسة أمريكية غير حكومية تعني باستخدام الاعلام وبالتحديد الافلام لشرح قضايا العدالة والمقاومة السلمية والشعبية. حيث يركز على دور المرأة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال خلال فترة الانتفاضة الاولى في العام 1987 والذي سلط الضوء على معاناة النساء أثناء الأسر والاعتقال في سجون الاحتلال. أما رولا سلامة المشرفة على الانتاج، فهي إعلامية فلسطينية مديرة للتواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة جست فيجن- فلسطين.