حصار الدروز في سورية: الجيش الإسرائيلي يستعد لاستيعاب لاجئين.. ولاستخدام القوة الجوية

دروز-سوريا
حجم الخط

20 حزيران 2015

بقلم: عاموس هرئيل
قرية الخضر الدرزية، التي على مسافة رشق حجر تقريبا عن حدود اسرائيل في هضبة الجولان، وقفت هذا الاسبوع في مركز القلق لنحو 130 الف من ابناء الطائفة الدرزية في اسرائيل. ومنذ بداية الاسبوع يوجد نحو 12 الفا من سكان القرية، المواطنين السوريين، في عين العاصفة. ويوم الاثنين، قتل اثنان من الجنود في الجيش السوري – ممن خدموا في الاستحكام العسكري قرب الخضر – قائدهما الدرزي وفرا الى صفوف منظمة الثوار المتطرفة، جبهة النصرة. وفي الغداة استولت منظمات الثوار السُنة على تلال اخرى تشرف على القرية وسيطروا على استحكامين للجيش السوري، بعد أن هربوا منهما جنود النظام. بعض قذائف الهاون التي اطلقها الثوار على مواقع الجيش سقطت في اطراف القرية، وقتلت طفلة درزية وجرح نحو عشرة من السكان.
لم يكن الاستحكامان اللذان احتلا قواعد عسكرية كبيرة، بل مواقع سيطرة أولية للجيش السوري، يعرف كل جندي مشاة في الجيش الاسرائيلي منذ عشرات السنين مناورة السيطرة عليهما. والاحداث في قرية الخضر هي بالكاد مؤشر هامشي على ما سيأتي عند الحديث عن الصورة الكبرى للحرب الاهلية في سورية، حيث يذبح آلاف الناس في كل شهر وهناك ملايين آخرون تحولوا الى لاجئين – احد لا يعرف متى، هذا اذا كان ممكنا على الاطلاق، سيعودون الى بيوتهم. ولكن الاستحكامين اللذين احتلا يقعان على مسافة كيلومتر ونصف او كيلومترين من الخضر، القرية التي تبدو المعارك حولها واضحة من القرى الدرزية في الجانب الاسرائيلي من الجولان ولاسيما من استحكامات الجيش الاسرائيلي في جبل الشيخ. وبعد احتلالهما، أنهى الثوار عمليا حصار الخضر. ولا يزال يتبقى طريق ترابي، غير مستخدم، يربط القرية باتجاه الغرب، عبر المنطقة الفاصلة نحو الحدود مع اسرائيل. كما يوجد طريق، السفر فيه يعد الآن خطيرا جدا، يؤدي الى الشمال الشرقي باتجاه دمشق.
حاليا، لا يتقدم الثوار نحو القرية نفسها، ومعقول انهم على وعي بحقيقة أن في الخضر يوجد حملة سلاح كثيرون، ينتظمون هذه الايام للدفاع عن عائلاتهم. ويمكن الافتراض بان التحذيرات الاسرائيلية هي الاخرى فعلت فعلها في هذه الاثناء. وفي الاتصالات مع بعض من الميليشيات المحلية في الجولان السوري، والتي تجرى اساسا حول نقل الجرحى والعلاج في المستشفيات في البلاد، تم الايضاح بأن اسرائيل لن تقف جانبا اذا ما جرت محاولة احتلال القرية. ولكن هذه الرسالة بعيدة عن أن تهدئ روع الدروز في اسرائيل. من ناحيتهم، فان المسافة بين الثوار في الاستحكامات الجديدة التي استولوا عليها وبين القرية تعبر عن حجم الخطر؛ بين اخوانهم في الخضر وبين المذبحة – المصير الذي سبق أن شهده ابناء الاقليات في سورية على ايدي فصائل سنية متطرفة كالنصرة او «داعش» – لا تفصل سوى ساعة او ساعتين.
وهذا بالاجمال مسألة قرار. زعيم النصرة، محمد الجولاني، تحدث مؤخرا بانه في الوقت الذي ستدخل فيه منظمتهم القرى الدرزية فانه سيطلب من سكانها الدخول في الاسلام. واذا رفضوا، فسنتعامل معهم حسب الشريعة، قال. من ناحية الدروز، الرسالة واضحة: من يرفض تغيير دينه، يعدم. كما أن هذا كان مصير نحو عشرين من رجال الدين الدروز الذين قتلهم مسلحو النصرة في قرية بمحافظة ادلب في شمال سورية، في بداية الشهر.
الخطر في الخضر هو صيغة مصغرة للدراما الاكبر التي تجري في جبل الدروز، موقع سكن معظم الدروز في سورية، قرب الحدود مع الاردن. فانهيار المنظومة العسكرية للاسد في المنطقة أتاح الآن التقدم الى منطقة الجبل من الغرب. ومن الشرق، من جانب رجال «داعش». في هذه المرحلة يبدو ان وعود الولايات المتحدة والاردن لمساعدة الدروز في الجبل، الى جانب ما هو كفيل بان يتبين كمصاعب تنظيمية للثوار في ضوء حملة تستدعي زخما عسكريا كبيرا، لا تزال تبعد الدروز عن المصيبة. ولكن اذا كان جبل الدروز رمزا، المكان الاهم لابناء الطائفة في سورية، فان اجتياح الخضر سيكون اصبعا في العين من ناحية ابناء الطائفة في البلاد، لأنه سيتم في محاذاة الحدود مع اسرائيل.
بين الخضر والقرى الدرزية الاربع في الجانب الاسرائيلي من الحدود هناك علاقات عميقة. فعندما احتل الجيش الاسرائيلي الجولان في حرب الايام الستة بقيت الخضر خلف الحدود. ولكن على مدى بضعة اشهر، من حرب يوم الغفران وحتى اتفاق فصل القوات، كانت القرية بالذات تحت السيطرة الاسرائيلية. فالهجوم المضاد الذي قام به الجيش الاسرائيل، بعد المفاجأة التي تلقاها من سورية، تضمن سيطرة على اراض خلف الحدود ومن ضمنها الخضر. وقد اعيدت هذه الاراضي الى سورية مع انسحاب الجيش الاسرائيلي. وفي السنوات الاخيرة بذلت حكومة اسرائيل وقيادة الدروز في الجليل وفي الكرمل جهدا منسقا لتقريب الدروز في الجولان من اسرائيل. وكلما احتدم وضع الرئيس السوري بشار الاسد وكلما تورط في اعمال ذبح فظيعة، بدأ الدروز في الجولان يحافظون على مسافة بعيدة عنه. فمثلا من الصعب اليوم ايجاد صورة للرئيس على حيطان المطاعم في مجدل شمس، الامر الذي كان منتشرا جدا حتى اندلاع الحرب الاهلية. ولكن حملة التضامن مع الدروز في سورية تقودها الآن الطائفة في اسرائيل. اما الدروز في مجدل شمس وبقعاثا فيحافظون بشكل عام على هدوء اعلامي.
وكلما تعاظم الفزع عقب التقارير من الخضر، شددت قيادة الدولة في اسرائيل وكبار مسؤولي الجيش الاسرائيلي الجهود لتهدئتهم. فقد قال رئيس الاركان غادي آيزنكوت في الكنيست يوم الثلاثاء ان اسرائيل ستفعل كل ما في وسعها كي تمنع ذبح اللاجئين على حدودها. وفي الغداة، كرر ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي قال «انني وجهت تعليماتي لعمل كل ما يلزم». وفي نفس اليوم ارسل ايضا ضابط كبير في قيادة المنطقة الشمالية لاطلاع الصحافيين على صورة الوضع. «لا صحة على الاطلاق للشائعات عن المذبحة»، قال. «كانت هناك معلومات مغلوطة، فلا يوجد عشرات الجرحى من الدروز ينتظرون العلاج قرب الجدار.

في كل الاحوال، لا توجد لدينا أي نية لأن نكون جزءا من القتال في سورية».
وتحاول سلسلة التصريحات ايجاد التوازن بين قطبين متناقضين: فمن جهة، اسرائيل ملتزمة، قيميا وعلنيا، بما يسمى «حلف الدم» مع الدروز. ومن جهة اخرى فان التدخل العسكري في صالح الدروز سيكون خروجا خطيرا عن الخط الحذر والمتماسك الذي اتخذه نتنياهو على مدى اكثر من اربع سنوات من الحرب في سورية، وبموجبه ينبغي لاسرائيل أن تمتنع قدر الامكان عن التورط في هذا المستنقع المغرق. ولكن يبدو أن في هذه الاثناء لا تحقق الرسائل غايتها. فقيميا، بدأ الكثير من الدروز يشكون بأن نية اصطلاح «حلف الدم» كانت دوما سفك الدم الدرزي دفاعا عن اليهود، ولكن ليس بالضرورة العكس. عمليا، اقوال آيزنكوت والضابط الكبير الآخر فسرت كاعتراف غير مباشر بان الخضر قد تكون أمام مصيبة قريبا.
في بداية الاسبوع، شارك الآلاف من القرى الدرزية في مظاهرات احتجاجية. بل وعلم عن اطلاق نار في الهواء في قرية او اثنتين، وهي الظاهرة التي اختفت من البلدات الدرزية منذ سنين.

وبعد ظهر يوم الثلاثاء تجمع سكان دروز من الجليل لمظاهرة احتجاج على الحدود. وخاف الجيش والشرطة من فقدان السيطرة واعلنوا عن منطقة عسكرية مغلقة شمالي مجدل شمس. وفي الطائفة فسروا بأن معظم المتظاهرين الذين سعوا الى الوصول الى الجدار كانوا «فتيان التلال عندنا»، المتحمسين او العاطلين عن العمل. ومهما يكن الامر، فقد فعل الاعلان فعله. والمتظاهرون لم يأتوا وفتحت المنطقة من جديد.
الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في اسرائيل بدأ مؤخرا يتحدث علنا عن شدة الخطر. ففي مقابلة مع صوت الجيش هذا الاسبوع قال امورا قاسية. اذا لم يتدخل الجيش في صالح الدروز في الخضر كما ادعى، فمتوقع هناك مذبحة. «اسرائيل، مثلما هي دوما، تراهن على الجانب غير الصحيح في المواجهة في سورية. في الماضي ساعدت اسرائيل «حزب الله» و»حماس» على النمو، والآن ترتكب نفس الخطأ مع منظمات الثوار مثل النصرة».
هناك إمكانيتان فقط، اجمل طريف: مساعدة الدروز او المذبحة. وسبق هذا التصريح العلني سلسلة لقاءات عقدها طريف في الاشهر الاخيرة مع مسؤولين كبار في اسرائيل عن الوضع في سورية. فقد اجتمع مع رئيس الدولة، رئيس الوزراء، رئيس الاركان وقائد المنطقة الشمالية. وفي اللقاءات مع الضباط سمع ان سلاح الجو يمكنه أن يوقف تقدم الثوار نحو الخضر، عند الحاجة من خلال القصف، ولكن هذا منوط بتلقي التعليمات من فوق.
يشدد الدروز خطر المذبحة على خلفية دينية ويشبهون ذلك بالقلق الذي يشعر به اليهود في اسرائيل في ضوء العمليات ضد اليهود في الخارج. وعلى مدى الحرب في سورية، قتل، حسب بعض المصادر، قرابة 2.000 جندي درزي في جيش الاسد، ولكن هذا اعتبر جزءا من ثمن الحرب، وحتى عندما قتل اربعة شبان دروز من منطقة الخضر في هجوم لسلاح الجو على الحدود عند محاولتهم زرع عبوة ناسفة هناك بتكليف من حزب الله في بداية ايار، لم يحتج أي من الدروز في اسرائيل. أما الآن، فالقصة مختلفة: المطاردة المقصودة والخطر المحدق بالدروز كطائفة وكدين – ومن هنا احساس التضامن الكبير والى جانبه الفزع.
زعيم الطائفة ورجاله يعرفون السيناريوهات التي يستعد لها الجيش الاسرائيلي من استيعاب سريع للاجئين وتوسيع المستشفى الميداني على الحدود، وحتى التدخل العسكري من خلال سلاح الجو. وحاليا، رغم تصريحاتهم الحازمة، فانهم لا يزالون يعطون ثقة لقيادة الدولة في ان تقوم بالعمل المناسب في نظرهم، عند الحاجة. ولكن مع ان التقارير عن المذبحة في الخضر تبينت هذا الاسبوع كشائعة عابثة، من الصعب التعاطي باستخفاف مع مخاوف الدروز. ومثل كثير من الامور الاخرى في سورية، فان مصير القرية المحاصرة معلق بشعرة.
تغيير حرج في الوضع، يمكنه ان يضع اسرائيل في معضلة فورية من حيث التدخل العسكري المحلي، من شأنه ان يجري في غضون ساعات. وعليه، فان التصريحات الاخيرة للمسؤولين في جهاز الامن عن وضعنا الاستراتيجي المحسن في الشمال تبدو تبسيطية ومبالغ فيها بعض الشيء. الوضع جيد، نسبيا، صحيح حتى صباح اليوم. لا يوجد أي يقين في أن تكون هذه هي الامور غدا أو في الاسبوع القادم.

عن «هآرتس»