إحباط المصالحة وخلفياته والنداء الأخير

تنزيل (1).jpg
حجم الخط

 

 

ربما يمر وقت طويل، قبل أن تتكشف بالتفصيل، حقيقة الموقف الأمريكي من المصالحة الفلسطينية، وهي حقيقة يمكن استنتاجها من منحى موقف الإدارة من القضية الفلسطينية وفي قلبها موضوع القدس. ويمكن لواحدنا، دونما حاجة الى طرح ما لديه من معلومات في حال امتلاكها؛ أن إدارة ترامب، عندما فاضلت بين فريقين من فتح، اختارت مساندة عباس وضغطت في هذا الاتجاه، ورغبت في قطع الطريق على تفاهمات قيادة التيار الإصلاحي مع قيادة حماس في غزة، وسبب ذلك معروف ولا يحتاج الى فطنة لكي يعلمه المراقبون. ولسنا الآن بصدد التعرض تفصيلاً لما قاله الأمريكيون عن تلك التفاهمات وموقفهم منها. فعندما توصل التيار الإصلاحي مع قيادة حماس اليها، دونما اشتراطات تتعلق بالسلاح والخطاب السياسي؛ تحرك الأمريكيون لكي يكون التفاهم بين فتح السلطة وحماس لكي يظل لهذه الاشتراطات سياقها المُبتغى، قبل أن تصل المحاولة الى طريق مسدودة، وهكذا كان.

 فمن نافل القول أن الأمريكيين، كما إسرائيل، يريدون لغزة أن تصل الى الحضيض على كل صعيد، لكي يصبح الخلاص من العذابات هدفاً تهون معه التنازلات الفلسطينية بذريعة الكارثة، وهذا هو ما يفعله العدو والأمريكيون، بأساليب معقدة ومستترة حيال الوضع في سيناء، إذ يريدها أن تصبح عبئاً على المصريين، ونزاعاً دامياً مفتوحاً الى آماد طويلة، وصولاً الى حال اليأس من جدواها للدولة المصرية، وبالتالي التسليم بالمنطق الذي يرى شبه جزيرة سيناء مخرجاً لمأزق العملية السلمية، وأرضاً يمكن استخدامها لتحقيق تسوية تاريخية للصراع، يتقبله الفلسطينيون في غزة المعذبة، ويتقبله النظام السياسي الفلسطيني الذي يكابد مأزقه. ونلاحظ أن إرهاب الأوباش المدنسون، ينشط في مناطق شمالي سيناء التي وقعت عين ضباط العدو عليها لكي تصبح فضاءً موصولاً بغزة!

بإعلان ترامب عن القدس عاصمة لإسرائيل، استفاقت قيادة السلطة الفلسطينية على حقيقة صادمة، وهي أن تماشيها مع الأمريكيين، لم يؤد الى أية نتيجة إيجابية، ولم يكن لموقفها من غزة، أي مقابل، حتى وهي لا تزال تلعب في مشروع المصالحة لكي تستكمل إحباطه. ذلك لأن المكافأة الوحيدة التي تراها إدارة ترامب لرئيس السلطة أكثر من كافية؛ هي إبقاء السلطة على حالها، وإعطاء عباس هامشاً لكي يعبر عن رفضه إعلان الرئيس الأمريكي، على أن تبقى التفاهمات الأمنية مع إسرائيل سارية، وتبقى السياسات الاجتماعية والاقتصادية على الأرض.

مثلما أسلفنا، لا يحتاج الأمر الى فطنة، لاستناج الحقيقة. فالأمريكيون والعدو يعتبروننا جميعاً محض موضوعٍ أمنيْ، وليس شعباً صاحب قضية. ففي موضوع الأمن، أمامهم طرفان من فتح، واحد ذو جذر أمني يُنسب الى بدايات السلطة ومحاولات إنجاح التسوية، وهذا الطرف، كان له موقف مقاوم، عندما انقلب المحتلون على العملية السلمية، فخرج منه الشباب لكي يقاوموا مع إخوتهم من كل الأطياف، وسقط منه الشهداء ودُمرت مقراته في غزة، وأعلن العدو نفسه عن اكتشاف وتدمير معمل لصنع الذخائر والسلاح في مقره الرئيسي، ومن جانب آخر، هناك طرف كانت ولا تزال لهذا العدو معه، تجربة أمنية مختلفة، يتخللها التنسيق الأمني الذي لم يتردد في عمل أي شيء بدون أن تكون هناك عملية سلمية وبغير آفاق مفتوحة، وظل هذا الطرف يباهي بأنه يمنع المقاومة، ولم يسجل مخالفة أمنية واحدة ضد إسرائيل مهما فعلت. فأي الطرفين يناسب الاحتلال والأمريكيين؟ لهذا السبب كان الأمريكون والمحتلون، يريدون للوساطة المصرية أن تكون بين  السلطة وحماس، لا بين حماس وتيار فتح الداعي الى وحدة الحركة والى الثبات على أهدافها!

في هذا السياق، يمكن الاستنتاج بأن فشل المصالحة، سيدفع المصريين الذين يرون في موضوع غزة، شأناً يتعلق بأمنهم القومي وبمعركتهم مع الإرهاب الخياني، وبالتالي سيجدون أنفسهم مضطرين الى وضع النقاط على الحروف، لتحديد الطرف الذي أفشل المصالحة، ولا زال يفاقم بؤس غزة، دون أن يلقى أية مكافأة سوى المزيد من الإهانات والاستهتار.

ما يتوجب قوله الآن قبل فوات الأوان، وكنداء أخير، هو أن غزة تحتضر أمام عيوننا، فإن لم يبادر عباس الى أخذ طريق آخر، وباعادة الحقوق الى سكان هذا الجزء من الوطن، الذين بذلوا الدم وقدموا الغالي والنفيس على طريق الحرية، والى فتح الآفاق الواسعة لمصالحة وطنية شاملة وحقيقية؛ فإن سحر الكيديات والبغضاء واللعب بأرزاق وحياة الناس، سينقلب على الساحر أو السحرة. فحماس رغم أخطائها السابقة ورغم بقايا أخطائها في التفصيلات، هي الأقرب الينا وهي من نسيجنا الاجتماعي، وبالمعيار الوطني هي حركة مقاومة، أما تصحيح الأساليب والسلوكيات، في شأني الحكم ووحدة الموقف الفلسطيني، فهو أمر يتعلق بعملية تراكمية ينبغي أن تتشارك فيها فتح وحماس. كذلك فإن تصويب المسار، يتعلق بعباس أكثر وأعمق وأوسع نطاقاً مما يتعلق بحماس، ولعل هذا هو الواجب الذي يتعين على الجميع القيام به!