د. حسن عبد الله " فنانون كبار غنوا لفلسطين مستجيبين لنداء قوميتهم "

د. حسن عبد الله " فنانون كبار غنوا لفلسطين مستجيبين لنداء قوميتهم "
حجم الخط

شاعران عربيان كبيران استجابا شعراً وإبداعاً للانتفاضة العام 1987. فالأول نزار قباني وقد أبدع قصيدة رائعة بعنوان "يا تلاميذ غزة"، والثاني الشاعر عبد الرحمن الأبنودي الذي أهدى الانتفاضة قصيدة ملحمية بعنوان "الموت على الاسفلت"، حيث ردد الفلسطينيون هاتين القصيدتين في احتفالاتهم ومهرجانتهم، لتعيش القصيدتان المذكورتان معنا حتى أيامنا هذه، في دلالة على أن الإبداع الحقيقي لا ينتهي تأثيره معنى وجمالاً مجرد انتهاء الفعل الشعبي الذي أوحى للشاعر بقصيدته.

 

قصيدتا قباني والأبنودي ليستا الوحيدتين اللتين ولدتا تعاطفاً ودعماً لقضية العرب المركزية، لكن أذكرهما هنا من باب الاستشهاد، لأنهما كانتا الأكثر انتشاراً وتأثيراً.

 

ولم يقتصر الإسناد الإبداعي للفلسطينين على القصيدة، بل كانت الأغنية حاضرة باستمرار في الإبداع العربي، فقد غنت فيروز للقدس بعد العام 1967، بغية مواساة المقدسيين وشد أزرهم، وما زال صوت فيروز يعيش في كل بيت مقدس، وبل في كل البيوت الفلسطينية، نظراً للقيمة الفنية والقومية والإنسانية لما غنت وأبدعت، وغنى عبد الحليم حافظ أغنية "المسيح" من شعر الأبنودي، وأصر على أن يطلقها من بريطانيا بعد نكسة 1967 مباشرة، بالرغم من الحملة التي شنت ضده لمنعه من غناء هذه الأغنية. وقد أظهر عبد الحليم شجاعة منقطعة النظير متجاهلاً الحملة المناوئة وتهديده شخصياً، لتحقق الأغنية على المستوى الشعبي نجاحاً كبيراً، أما سيدة الغناء العربي أم كلثوم فلم تنس القدس وفلسطين، فقد غنت وأجادت وأبدعت، وكان الفلسطينيون يتابعون ذلك من خلال الإذاعات المصرية، وهكذا فعل عبد الوهاب ووديع الصافي ولاحقاً مارسيل خليفة وجوليا بطرس ولطيفة وأصالة وهاني شاكر وعمرو دياب وعمر العبداللات ولطفي بشناق وعاصي الحلاني ووليد توفيق وغيرهم، في تأكيد أن القضية الفلسطينية كانت وما زالت في ضمائر المبدعين العرب.

 

وقد كان هذا الإبداع العربي متكاملاً ومتناغماً مع ما قدمه المبدعون الفلسطينيون في المجالات كافة، في القصيدة والمسرح والرواية والرقصة واللوحة التشكيلية والأغنية، حيث أبدع الكتاب الفلسطينيون نصوصاً قوبلت باحترام وتقدير على مستوى العالم. ولا أقول إن ما قدم هو الأفضل، لأننا نؤمن أن الأفضل ذلك الذي لم يكتب أو يبدع بعد، على اعتبار أن القادم هو الأجمل والأنضج، وإذا لم نؤمن بهذ النظرية الإبداعية، فإننا سوف نتسمر إبداعياً في مرحلة ما ونكف عن الإتيان بالجديد.

 

 

ما الذي يمكن أن يقدمه المبدع في مرحلة النهوض أو الانكسار؟ وهل يمكن لأغنية ما أن تعفل فعل السحر شحناً واستنهاضاً؟

 

 

إن مهمة العمل الإبداعي أسهل في مرحلة النهوض، لكن في مرحلة التراجع والانكسار، تبدو المهمة أصعب وأكثر تعقيداً. والحقيقة أن فكرة هذا المقال قد دهمتني وأنا أتابع عبر "اليوتيوب" مقابلة أجريت مع الشاعر المصري الكبير عبد الرحمن الأبنودي لصالح برنامج أعد في ذكرى رحيل عبد الحليم حافظ.

 

 

وقد فوجئت بتلك الهمة الأسطورية لمبدعين ثلاثة، هم الأبنودي وعبد الحليم حافظ ويليغ حمدي، عندما اجتمعوا في بيت عبد الحليم بعد يوم واحد من النكسة، مطلقين صرخة مدوية" ما العمل إزاء هذا الزلزال الذي هزَّ العرب كل العرب؟، فكان الرد إبداعاً بعد أن أخرج الأبنودي قصيدة بعنوان "عدى النهار".

 

 

الأبنودي كتب وبليغ لحَّن وعبد الحليم غنى، ليؤكد الثلاثة إبداعاً رفض التسليم للانكسار والإحباط، بالرغم من الألم والحسرة والخيبة، وكانت هذه الأغنية أول رسالة فنية تعلن أن مصر ستواجه هذه الأزمة وستقف على قدميها من جديد، للتوازن وتنطلق في مسيرة الكفاح والبناء والتنمية.

 

 

كانت الأغنية تبث من الإذاعات المصرية في الليل والنهار، لتتحول إلى أشبه بنشيد رفض للهزيمة ردده الصغار والكبار، أغنية كان تأثيرها ساحراً، حيث يمكن للمبدع أن يشكل رافعة معنوية استنهاضية لشعبه.

 

 

ثلاثة مبدعين نجحوا في أغنية واحدة، في توجيه رسالة فنية وسياسية ومعنوية وأخلاقية للشعب المصري والشعوب العربية، مفادها لا بد من النهوض، إنها مبادرة يستحق أقطابها الثلاثة أن يخلدوا لأنهم بادروا في لحظة تاريخية صعبة وحرجة.