الطفلة الفلسطينية التي لم تبكِ رغم قسوة السجن

767895
حجم الخط

هل القيت حجارة على الشارع؟ «ليس صحيحا»، هل كان وجهك ملثماً؟ «كذب»، هل رميت السكين على الأرض؟ «كذب». وبعد برهة: «ربما ظنوا أن قلمي سكين، وأن دفتري حجر». هل حاولت الهرب من الشرطة» «لم أخف ولم أهرب.»
ملاك الخطيب، المعتقلة ابنة الـ 14 سنة، صغرى  المعتقلات الفلسطينيات، عادت إلى بيتها. بعد ان حكمت بالسجن لشهرين بتهمة القاء الحجارة وحيازة سكين، وقد أطلق سراح طالبة الصف التاسع يوم الجمعة بعد ان تم تخفيض فترة الحكم لأسبوعين، تم استبدالهما بغرامة 6000 شيقل دفعهما والدها. وكان والدها علي يوسف الخطيب نذر بأن يحلق لحيته عندما يطلق سراحها، التقيناه، هذا الاسبوع، حليق الذقن، في ذات الشرفة المغلقة في بيته حيث قابلناه قبل اسبوع. كانت ملاك جالسة بجواره. العصفور الذي رأينا في زيارتنا الاولى وحيدا في القفص المعلق على الجدار انضم اليه عصفور آخر، وكلا العصفورين صدحا بالغناء.
بدت ملاك اكثر جمالاً من صورتها التي ظهرت في المنشورات الداعية لاطلاق سراحها على جدار بيتها. استبدلت بمنشورات التهنئة بمناسبة عودتها. البيت يكتظ بالضيوف. اثناء وجودنا جاءت كافة طالبات صفها سوية مع معلمتهن. أظهرت ملاك شوقا كي تكون معهن اكثر من رغبتها في البقاء معنا.
غمزة لطيفة، بعض علامات البلوغ الصغيرة، وابتسامة ساحرة علت على شفتيها بين الفينة والاخرى، ظهرت وكأنها طفلة ممتلئة ثقة بالذات، طلبت من ابيها ان يكف عن التدخين بجوارها، كانت بعيدة عما وصفها به القاضي العسكري، المقدم رونين عصمون، قاضي محكمة الاستئناف العسكرية، والذي كتب عنها باعتباره خبيرا في نمو الاطفال وجيل البلوغ: «مجمل الظروف التي وصفتها أعلاه تنتج صورة عن فتاة صغيرة ولكنها مستقلة، إلى درجة اتخاذ القرارات. لا تخضع لاوامر من هم اكبر منها سنا في – ليس لوالديها، ليس لمديرة مدرستها، وليس لمحاميها. سلوكها أثناء التحقيق وفي المحكمة أشار إلى ثقة في النفس مبالغ بها وعلى اصرار وعدوانية.»
ثقة مبالغ بها في النفس؟ ما الذي يجعل الثقة بالنفس لابنة 14 معتقلة داخل السجن مبالغا بها، ألأنها ما انهارت وما تذللت امام المحققين والقضاة؟ وقد وردت اقوال القاضي عتصمون اضافة إلى مقتبسات عديدة نشرتها النيابة العسكرية نهاية الاسبوع الماضي على صفحة النيابة العسكرية الاكترونية. تحت عنوان «المعالجة القضائية لملاك الخطيب» حاولت النيابة العسكرية الاجابة مطولا على الادعاءات التي خرجت في البلاد والعالم ضد المنظومة القضائية العسكرية المتعلقة بظروف اعتقال ومحاكمة ملاك الخطيب ابنة الـ 14 عاما.
ولكن الاسئلة الثقيلة ما زالت هي هي: مع استثناء موضوع القاء طفلة من جيلها داخل السجن، تم الحقيق مع ملاك دون وجود والديها ودون حضور محاميها – كما يتطلب القانون فيما يتعلق بالاولاد الاسرائيليين – وحسب اقوالها، اجبرت على التوقيع على أوراق بالعبرية دون ان تعرف ما هو مكتوب فيها. وكانت هذه إفادة الاعتراف الخاصة بها، والتي بناء عليها ادينت وحكمت بالسجن لشهرين، في ختام جلسة التماس وقعت عليها. محاميها، جواد بولص، قال لنا، الاسبوع الماضي، انه وافق على جلسة الالتماس لانه تم تمديد التوقيف حتى نهاية الاجراءات القضائية. كان واضحا له أن الاجراءات القضائية تستغرق وقتاً اطول من الحكم الذي صدر بحقها. اما النيابة العسكرية فقد ادعت بان كافة الاجراءات تمت وفق القانون ودللت على ذلك بما صرح به القاضي.
الحطة على كتفيها، شعرها الناعم مُلْتَم ومكشوف، قصت علينا ملاك انه بعد ان غادرت حصة امتحان الانجليزية يوم الاربعاء المرير، اليوم الاخير من العام 2014، خرجت للتنزه على طول شارع 60، كعادتها يوميا بعد مغادرة المدرسة، وبالذات بعد الامتحانات. وكما ذكرت انكرت ملاك ان تكون قد القت حجارة على الشارع، ونفت ان تكون تلثمت كما ادعى الشرطيون الذين اعتقلوها، وانكرت انها حاولت الهرب من امامهم أو ان تكون قد القت سكينا على الارض، كما تم الادعاء في شرطة لواء القدس، والتي ارودناها في هذه الصحيفة، الاسبوع الماضي.
وكما قالت ملاك، خرج اربعة من رجال الشرطة من سيارة دورية كانت مارة في الطريق، اندفعوا باتجاهها، قيدوها وادخلوها في السيارة. أخذوها إلى مركز بنيامين، وهناك تم  التحقيق معها نحو ساعتين. وفقط بعد التحقيق معها سمح لها بمقابلة والديها والذين تم استدعاؤهما للمركز، وقد استمر اللقاء بضعة دقائق، كما ذكر والدها في الاسبوع الماضي. اما ادعاء الشرطة بأنه عُرض عليها التشاور مع محاميها عبر الهاتف قبل بدء التحقيق وبأنها رفضت هذا العرض، فقد انكرته ملاك.
كما اوردت ملاك انه في نهاية التحقيق قدم لها المحقق اوراقا مكتوبة بالعبرية كي توقع عليها وكان ردها انها لا تستطيع ان تفعل ذلك لانها لا تعرف ما هو مكتوب فيها. لكن المحقق أبلغها أنها إذا لم توقع فلن تستطيع العودة إلى عائلتها. لذلك، وبعد أن سمح لها بمقابلة والديها إثر التوقيع على الاوراق، كانت واثقة بأنه سيطلق سراحها. لكنها بدلا من ذلك نقلت إلى سجن هاشارون. عندما تتطرقت إلى ذلك، قبضت على يد والدها، فهي آخر العنقود.
في السجن وضعت مع ثلاث شابات فلسطينيات، كلهن اكبر منها. قضين فترة اطول داخل السجن، علمنها كيفية التعامل، حذرنها من السجانات وقلن لها بأنهن عدوانيات ودائمات الصراخ، وعليها ان تحاول الابتعاد عنهن قدر المستطاع وان لا تتحداهن. قالت ملاك ان الجو كان باردا في الليل، إذ اعطيت بطانية واحدة كغطاء وان الطعام كان قليلا ورديء الطعم.
اما الايام الاصعب فقد كانت عندما اخذت إلى المحكمة: مغادرة بوابة السجن في منتصف الليل والعودة في ساعات المساء في اليوم التالي، كانت معظم الوقت مقيدة بيدها ورجليها. لصقة طبية على كاحلها اخفت جرحا لم يشف بعد تسبب مواصلة تقييدها بالحديد في رجليها. أُخذت ملاك ست مرات إلى المحكمة خلال اعتقالها، إلى ان تمت إدانتها. تسليتها الوحيدة كانت بالعمل اليدوي في الخرز الذي زودته بها جمعية الصليب الاحمر الدولي. لكن شيئا لم يخفف من فصلها عن ذويها، كما قالت، كان هذا هو الاصعب في الاعتقال. لكنها لم تبك في السجن ولو مرة واحدة. «مكاني في البيت، في المدرسة، ولكن ليس في السجن»، قالت مكررة ذلك مرة تلو الاخرى.
صبيحة يوم الجمعة الماضي قالت لها السجانة بأن تجمع اغراضها لاطلاق سراحها. نحو الساعة ال 11.5 أطلق سراحها على حاجز جبارة، حيث كان ينتظرها والديها وأخوتها وجمهور غفير، بما فيهم الوزير الفلسطيني لشؤون الاسرى، محافظ طولكرم وآخرين. للحظة تحولت ملاك إلى رمز. «عدت إلى العائلة»، قالت بصوت يابس. وفقا لاقوالها، لا تستطيع النوم جيدا حتى الان لانها تفكر في مصير صديقاتها الماكثات في السجن. «انهن يحتجن لتفكيري» قالت ملاك، والتي قررت دراسة القانون عندما تكبر.
هل تغيرت؟ «في السجن رأيت حقيقة الاحتلال»، قالت. «ادركت بأن الاحتلال اكثر عدوانية مما ظننت، ولكن هذا الاعتقال جعلني أكثر قوة». الآن هي مشتاقة جدا للصعود الى الطابق الثاني، في شقة الجيران، هناك ينتظرنها صديقاتها من المدرسة، فقد غابت عنهن شهرين. دخلت ملاك إلى الغرفة كبطلة، سلمت على كافة البنات، قبلتهن وحضنتهن، بينما كانت أمها توزع الحلوى. منذ الآن هي ملكة الصف، أصغر الأسيرات العائدات إلى البيت.

 عن «هآرتس»