انتهى الكاتب د. حسن عبد الله من إعداد كتاب خاص سيصدر خلال الأيام القليلة القادمة عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ويتضمن 50 حواراً مع كتاب ومثقفين ومبدعين فلسطينين استضافهم في برنامج "عاشق من فلسطين"، الذي قام بإعداده وتقديمه في فضائية معاً الجهة المنتجة للبرنامج.
وحول الهدف من هذا الإصدار قال د.عبد الله إن البرنامج في الأساس جاء تتويجاً لنقاشات جرت بينه وبين مدير عام فضائية معاً محمد فرج ومدير عام الشبكة رائد عثمان ورئيس تحرير معاً د.ناصر اللحام، لإنتاج برنامج ثقافي إبداعي يقوم على أساس عرض تجارب ثقافية وإبداعية فلسطينية، وطرحها للجمهور الفلسطيني للتعريف بمحطات مهمة في هذه التجارب.
وخلال عرض هذه التجارب قوبلت باستحسان وتشجيع المتابعين، لأن التجارب التي تم اختيارها كانت جدية وعميقة وأثرت في المشهد الثقافي والإبداعي الفلسطيني وأثرته، حيث تم اختيار الضيوف من الضفة والقطاع ومناطق الـ 48 والشتات، في تأكيد على الوحدة الثقافية والإبداعية والنفسية للفلسطينيين، بالرغم من تعدد الساحات.
وأضاف د. عبد الله" تبلورت فكرة تحويل الحوارات إلى اللغة المكتوبة،بعد أن طرح رئيس "جمعية الرازي" جميل دويك تقديم هذه التجارب في مسابقة كتاب وقارئ السنوية، ليتسنى للطلبة التعرف على تجارب المبدعين الفلسطينين وتحليلها ونقدها، وأعلن دويك إدراج الكتاب في المسابقة، حتى قبل أن يتم إنجازه، في اجتماع واسع عقدته الجميعة بمشاركة مدراء المدارس وبحضور ممثلين عن وزارة التربية والتعليم العالي.
وأوضح أن عملية تحويل الحوارات التلفزيونية إلى اللغة المكتوبة استغرق عاماً كاملاً من العمل والتفريغ والتحرير والتنقيح، خصوصاً أن اللغة التلفزيونية أحياناً ما تجمع ما بين العامية والفصحى، ما تطلب وضع الحوارات في لغة فصيحة مع الحفاظ على سلاسة الأسلوب، لينسجم ذلك مع مستويات الطلبة في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وأن عملية التفريغ والتنقيح تمت بالتنسيق والتشاور مع ضيوف الحلقات، لضمان الحفاظ على روح ومضامين المادة التي أعدت للكتاب.
وأشار د. عبد الله إلى أن الجديد في هذا العمل" إنني في نهاية كل حوار قمت بكتابة تعليق يركز على الحلقة المركزية في تجربة كل واحد من الضيوف، حيث لخصت أهم ملامح التجربة بطريقة أدبية، واستندت إلى الحوار ذاته، وإلى معرفتي الشخصية بالضيف من خلال الاحتكاك والتفاعل المباشر عبر سنوات من العمل الثقافي، ومن خلال قراءاتي ومتابعاتي الشخصية لنتاجات الكتاب الثقافية والإبداعية الفلسطينية منذ أربعة عقود، إضافة إلى أنني خرجت في نهاية الكتاب بخلاصة ثقافية إبداعية اعتماداً على المشترك في أفكار وآراء واقتراحات الضيوف".
وبخصوص إصداره من قبل هيئة شؤون الأسرى والمحررين، أوضح أن ذلك جاء في سياق أن 50% من الضيوف تشكلوا ثقافياً وإبداعياً خلال فترات اعتقالهم، وتثقفوا وكتبوا وأبدعوا وتخرجوا ثقافيا من "مدرسة الاعتقال"، وبذلك خصص البرنامج مساحة مناسبة للتجربة الثقافية والإبداعية في الاعتقال، وعلاقة الخاص بالعام في التجربة الكلية، أما القسم الآخر من الضيوف فقد تفاعل ثقافياً وإبداعياً مع القضية الفلسطينية وعبر عن مراحلها وتطوراتها، وقد أبرز رئيس الهيئة عيسى قراقع ذلك في تقديمه للكتاب.
أما لماذا حضر "المكان" بقوة في الحوارات التلفزيونية والمكتوبة، بين" لعل القارئ سيلاحظ أن المكان استحوذ على حيّز واسع في الحوارات، ولم يأت التركيز على المكان عفوياً أو أن تكرار ذلك مرده صدفة عابرة، بقدر ما جاء وفق منهجية، انطلقت من أن المكان هو عامل شديد الأهمية في السياقات الحياتية، في إطار التفاعل مع الوجود الاجتماعي بعناصره ومكوناته. لذلك حاولت في الحوارات، أن استنطق المكان، أن أؤنسنه، من خلال الضيوف، بمعنى عندما يستدعي الضيف ذكرياته، وكأن المكان عكف على تقليب صفحاته. المكان هو ليس حجراً أو شجرة أو شارعاً أو ملعباً، وإنما حاضنة ومواقف ورؤى، حاضنة فرح وحزن، ففي علاقات الناس بالمكان، كل حجر في البيت أو رصيف أو ملعب، يرتبط بمواقف في ذاكرة الإنسان، وتصبح شجرة معمرة في حيٍ ما على سبيل المثال عاملاً مشتركاً لقصص وذكريات لأناس من أعمار مختلفة، تفاعلوا مع المكان ذاته".
وأضاف" حينما شرعت في تجميع رسائل المعتقلين وأنا بصدد التحضير لدراستي أثر الرسالة في حياة المعتقلين الفلسطينيين، فوجئت من تكرار ذكر النخلة في رسائل معتقلي عسقلان، كانت النخلة دائمة الحضور في المواقف والذكريات والتوصيف والإيحاء. فقد توسطت ساحة الفورة مشرئبة إلى السماء، كأنها تعلمت من المعتقلين السمو وعدم الانحناء، أو ربما شكلت لهم مثالاً على الارتفاع والثبات، فاستمدوا منها عزيمة أضيفت إلى عزائمهم التي تقوّت واشتدت من روافد الانتماء لقضية وطنية عادلة. تحت هذه النخلة ولدت مئات القصص وآلاف المواقف وعقدت الاتفاقات التنظيمية واطلقت النكات وتقبل المعتقلون العزاء بموت أقاربهم. كان المعتقلون يبدأون يومهم بالنظر من فتحات الأبواب والشبابيك إلى الساحة حيث النخلة، ويشربون شايهم وهم يحدقون النظر إلى ساقها وسعوفها، وعندما رغبت في الكتابة عنها، عنونت نصي بـ(النخلة – الغابة) فهي بالفعل عالمهم الوحيد في هذا المعتقل المغلق، نخلتهم التي ترمز للحياة والاخضرار والزراعة، إنها غابتهم التي لا أجمل ولا أبهى".
وأكد أن السجان قد حكم على هذه النخلة بالموت عندما تأكد عبر السنين أنها مصدر فرح وحب وأمل، مؤكدا أنه من تصادق مع النخلة من المعتقلين القدامى وتحرر وأُعيد إلى المعتقل ذاته بعد سنوات، تألم وربما بكى حينما وجد الساحة المغلقة خالية منها.
وقال" وبالتعمق أكثر في تجربة المعتقلين في المكان، نجد أن العلاقة أكثر تعقيداً وتناقصاً من أية أمكنة أخرى، فالمكان في المعتقل مفروض، وأبعاده محدودة، والحركة فيه تخضع للمراقبة، فقد زج بالمناضل المعتقل في هذا المكان، في الأصل كعقوبة، ليتحول المكان إلى قامع ومحبّط، لكن المناضل الفلسطيني، نجح في قلب المعادلة، من خلال إخضاع المكان وتطويعه وتحويله من قبر للأحياء إلى مكان للتفاعل والنقاش والإنتاج والتعليم الذاتي وعقد الدورات وإقامة المحاضرات، حيث يمكننا أن نفهم حزن مناضل لدى نقله من معتقل إلى معتقل آخر، ومرد حزنه بانتزاعه من ساحته من بيئة شكلها بإرادته وإصراره. فأي تناقض هذا ؟، أيحب الإنسان مكاناً أعد لتكبيله وقمعه؟، وإذا كان "مكان الاعتقال" بالنسبة إلى المناضل والسجان مكاناً واحداً، من حيث المساحة والأسوار والأسلاك الشائكة، فهو في مخيلة الاثنين عبارة عن مكانين، لأن مكان المناضل من حيث قدرته على تطويعه وبعث الحياة فيه، هو غير مكان السجان الذي أعده وجهزه كمدفن، ولا لغة له فيه سوى لغة القهر والاستبداد وشتان ما بين مكان الإنتاج الثقافي والتنظيمي والفكري من منظور المناضل، ومكان الإذلال والتفريغ والكبت من منظور السجان".
وبين أن النظرة إلى المكان في حال ضيوف الحلقات لم تكن متشابهة في كثير من الحالات فطفولة المخيم في تجربة صالح أبو لبن على سبيل المثال، طفولة فرح وانطلاق والمخيم المكان في طفولة ناصر اللحام مجافٍ وقامع، سيد الموقف فيه العراك والقوة الجسدية، مكان خشن لا مجال فيه للرومانسية أو لنعومة الطفولة، ونحن هنا نتحدث عن مكان واحد "مخيم الدهيشة"، لكن من منظور كاتبين عاشا طفولتيهما فيه، والمكان في تجربة الضيوف يصبح مكاناً جميلاً حينما كانت حارات القدس القديمة مسرحاً للطفولة، وعلى ذلك أجمع الضيوف، وأما القرية – المكان، فقد كانت ساحةً مفتوحة، من عصافير وجبال وسهول ووديان وأغنام وزهور برية.
خسمون تجربة ثقافية وإبداعية، تعددت فيها الأمكنة الصغيرة، لكنها تداخلت وامتدت في المكان الكلي "فلسطين"، بتنوع جغرافيتها ومناخها، لذلك فإن المكان في الحوارات المضمنّة في هذا الكتاب هو "البطل".
يذكر أن الكتاب سيتم إطلاقه فور صدوره بحضور أصحاب التجارب الخمسين ومشاركة ورعاية المؤسسات ذات الصلة هيئة شؤون الأسرى جهة إصدار الكتاب وفضائية معاً صاحبة المشروع الأصلي ومنتجة "برنامج عاشق من فلسطين"، والكلية العصرية الجامعية التي فتحت أبواب قاعاتها وقدمت كل الإمكانيات لتصوير الحلقات وجمعية الرازي الجهة التي ستنظم مسابقة كتاب وقارئ في الكتاب، إضافة إلى مؤسسات ثقافية وإبداعية ذات علاقة بالعمل.