ستة مقومات للتأثير الاعلامي

thumbgen (16).jpg
حجم الخط

 

لا بديل لأي عمل أي كان من التخطيط إن كان الهدف منه أن يُنجر بفعالية ودقة تحقق الانجاز، وعليه فالعشوائية أو الارتجال لا يمكن أن تؤسس لفعالية مُخرَج أو لثبات أو دوام، على عكس العمل المنظم والمؤسسي وهو العمل المرتبط بعوامل استثمار الجهد (القدرات) والمال والوقت والمرتبط بطبيعة الهدف والغاية ثم الخطة الموضوعة ضمن حبل يتجاذبه الفريق بادواره المختلفة.
سواء أكنت تتعامل مع حياتك الخاصة، أومع تنظيمك الاجتماعي كنادي، مجموعة، فريق...، أوتنظيمك/منظمتك السياسي أو الاعلامي فأنت لا تستطيع التقدم بثقة الا إن كنت تعرف أين تضع قدميك، وكيف تعبر الجسر، فلا تخوض بالأحوال أو المستنقعات لمجرد أنك لا تعلم أو لم تفكر أو لم تخطط.
في العمل الاعلامي حديثا وخاصة مع طغيان تأثير الأداة على المضمون والشكل على المحتوى والاستهلاك على القيم والانتشار على حساب الجودة نحتاج لتحقيق التأثير الاعلامي في الجماهير.
ودون الخوض بالترتيب بمنطق الأولوية فنحن نحتاج لتكامل المسارات او العناصر أو المقومات الستة التي نطرحها هنا جميعا.
أولا : المضمون 
بلا شك أن المحتوى أو المضمون الاعلامي له أهمية تنبع من الفكرة المرتبطة بالجمهور المحدّد من حيث العمق للفكرة أو اللطف أو البساطة أو الموثوقية.
إن للمضمون أهمية تتلاقي مع أهمية طريقة العرض، ولكن أن قصرنا حديثنا هنا على المحتوى/المضمون فمما لا شك فيه أنه مرتبط بالفئة المستهدفة، بمعنى أن التوجه لمجموعة من النجارين أو الحرفيين بخطاب علمي حول الفيزياء رغم أهميته الفائقة كمضمون فهو بلا جدوى له، بينما الحديث عن أنواع الخشب والطُرُز الجديدة من الأثاث وكيفية صناعها قد تكون أكثر أهمية.
التوجه للجمهور العام يقتضي منا كتنظيم سياسي أو كعاملين في الحقل التعبوي والاعلامي النظر في تحسين المضمون بل وإحسان استخدامه ما يوجب أن نتعرف بدقة على توجهات واهتمامات واحتياجات الجماهير.
فماذا يعنيني أنا كتنظيم سياسي أن أعدّ برنامجا أو بحثا او دراسة عن دور لينين مثلا في بناء الدولة الروسية أو عن إنجازات فرنسا في الحرب العالمية الثانية على أهمية كل ذلك، بمعنى أن التلاقي بين احتياجات الجماهير والهدف من المضمون وغاية التنظيم بالتوجيه يجب أن تكون واضحة ليصار لبناء المادة (المحتوى) مع الأخذ بالاعتبار أن الجمهور لا يتعامل فقط مع الشأن السياسي، وإنما له من الاحتياجات المتعددة ما يعني ضرورة مخاطبتها اعلاميا سواء في القضايا الثقافية او الاجتماعية أو المطلبية أو التراثية أو الفنية ... الخ ومنطق الأهمية اعلاميا قد يرتبط بالشريحة وبالوقت (المناسب). 

ثانيا : القناة (الوسيلة)
في العمل الاعلامي اليوم تعددت الوسائل وتنوعت الى درجة الطفحان حيث امتلأ الكأس وفاض، فلم تعد هذه الوسائط مقصورة على الاعلام التقليدي (صحف واذاعة ومرئي) وإنما انتقلت بكليتها للشابكة (انترنت) ودخلت عليها وسائل حديثة كثيرة نتعامل معها يوميا.
انتقلت كل الصحف والاذاعات والمرئيات "الأشرطة=الافلام" أو القنوات "التلفزية" لتصبح متاحة وبشكل سلس وسهل من خلال الشابكة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المعروفة (فيسبوك ، تويتر، يوتيوب، سنابشات، لينكدإن...) والتي تفرض على التنظيم السياسي عدم الاكتفاء بالركون للوسائل التقليدية، وإنما ضرورة الدخول بقوة لعامل التفاعل مع الوسائل الجديدة أفراد وجماعات.
إن اختيار الوسيلة هام جدا ، وتنوع صياغة وعرض الخبر عبر كل وسيلة يعني اعطاء لون جديد له دون الأضرار بالحقيقة ، ويعني أنه يصل لقطاع من الناس قد لا يصله مع وسيلة أخرى، ويعني حديثا وعبر التواصل الاجتماعي أننا نبتغي الحصول على الاستجابة وردة الفعل والمشاركة وليس فقط الارسال لجمهور جامد.
إن تبادل الأدوار بالوسائل وطرق تقديمها لذات المضمون أو الخبر بالتناوب بين الوسائل المتعددة ضرورة لغرض الوصول لأوسع قطاع من الجماهير.

ثالثا : طريقة العرض
لربما يعتبر الكثيرون أن فن العرض للمحتوى، أو فن الخطاب أو فن الحديث في المرئي -او الاذاعة اوالاجتماع أو الدورة او المحاضرة أو اللقاء...الخ- وهو الطريقة التي يتم اظهار الموضوع بها قد يعتبره البعض من أهم عوامل نجاح الوسيلة الاعلامية.
وقد يضعون هذا العنصر أو المقوم على حساب المضمون إذ أنك قد تجد مواضيعا ليست ذات قيمة، ولكنها تنتشر كالنار بالهشيم لمجرد إجادة استخدامها أو تسويقها من خلال الوسائل مثل: "يوتيوب" أو "سناب شات" أو"واتس أب" أو "فيسبوك"...) لذا يدخل التنظيم السياسي بمعضلة شعبوية الفكرة الى الدرجة التي قد تهين الفكرة أو الخبر أو رصانة الفكرة مع امكانية عدم الاستجابة لها مما يجعل من فن أو طريقة العرض هنا ذات أساس فاعل قد تجعل من الرصانة شعبية أو العكس.
إن فن المواجهة للجمهور أو فن الحديث أو فن عرض المحتوى أصبح علما قائما لابد للكادر الحركي التنظيمي -ولا بد للاعلامي ولا بد للمحاضر- من الاطلاع عليه والتدريب على اتقانه فلا يكفي أن نقتبس بضع مقولات وننشرها كمنشور على حوائطنا في "الفيسبوك" أو المجموعات، ولن يكفي تكرارها أو تنويع وسائل عرضها على أهمية ذلك، إن لم نتقن طريقة أو فن العرض الذي يخاطب الجمهور بالمضمون واللون والحجم والصورة ... الخ.
من المهم الإشارة إلى أن طريقة العرض كفن تحتاج لكثير أركان من أبرزها: الجاذبية والتأثير وفن التخاطب أو بناء الرسالة، والمصداقية، والمباشرة، والبساطة غير المخلة، وطبيعة المرسل، اضافة لحسن استخدام الخيال والحقائق والعواطف دون اسفاف، والاقتران بالموضوعية من حيث الاستدلال بالدراسات والاستطلاعات والأمثلة.

رابعا : توافق الاحتياجات
إن الناس خلقوا مختلفين فلا يوجد لشخص واحد نسختين أبدا في ظل تنوعاته الذاتية الكثيرة، ومن هنا تعددت الشخصيات ودراستها تعد أحد أهم الأسس لفهمها ثم طريقة التعامل معها.
وهذا يفرض على التنظيم السياسي فهم جمهوره علميا عبر الاستفتاء والاستطلاعات واللقاءات والاجتماعات الدورية والزيارات ورصد المتغيرات والمقارنة بين أهداف التنظيم ومتغيرات توجهات الناس أو الأعضاء.
إن الجمهور بحاجة لإشباعات قد تكون حسيّة فيزيائية، أو عاطفية أو فكرية أو روحية، وحين يهمل التنظيم أي منها فإنه يفقد جزءا من شخصية الجمهور الذي سرعان ما يتجه لما يُشبع حاجاته لاسيما والباب مفتوح والوسائل متعددة ومتاحة فتراه يضرب صفحا عنك وينخرط بما هو مريح له أو يحقق احتياجاته وأنت وأهداف التنظيم في واد آخر.
إن الاشباعات اليوم (الحسية والفكرية والقيمية والروحية) تحتاج للمشاركة، فلم يعد الناس متلقّين سلبيّين، ولم يعودوا قطعيا يُحبس في فكرة مغلقة، أو شرنقة تربوية انعزالية كما تفعل التنظيمات الفكرانية أوالاستبدادية التي تفقد سيطرتها وبالتالي جمهورها شيئا فشيئا.
إن الاشباعات تقتضي الاهتمام بالمتطلبات كما تقتضي تحقيق المشاركة حتما والا نحن نغنى ولا جمهور.

خامسا : التسويق والتمويل
إن معادلة أي عمل هي معادلة استثمار للجهد (الطاقات) والمال والوقت، وعليه فإن المال يصبح عاملا أساسيا حين توفره ولو بالحد الأدنى مع حسن إدارته.
وللانتشار للفكرة أو الموضوع نحن بحاجة لآليات التسويق والترويج للفكرة كما الحال مع الترويج للمنتج التجاري من ضرورة اشعار الجمهور بأهمية الفكرة / المنتج وبضرورة استيعابها في سياق العملية التنظيمية وانعكاساتها.
إن من آليات التسويق الحديث تشكيل الحاجة لدى الجمهور فلم يعد الامر مقتصرا على طرحها وترويجها فقط.

سادسا: التخطيط والتنفيذ وفريق العمل
إن الجهد ليكون مثمرا يجب أن يكون يوميا متصلا متتابعا، خطوة تؤدي للأخرى في تناغم بين مختلف الخطوات ضمن معادلة الفريق (عمل متواصل + التزام + تناغم = انجاز).
وعليه من الممكن للهدف الشخصي للشخص الواحد أن يتحقق بذلك، ولكنه كتنظيم يحتاج لإدارة واعية وقوية وقيادة تتابع وتوجه وتحفز وإن هي وضعت الخطة أو شاركت الآخرين بها لا تتركها على الطاولة أبدا وإنما تجعلها كائنا يعيش معنا بالتكليف وبناء الفريق الذي سيقوم بالتنفيذ ضمن الوقت والزمن المحدد وبالميزانية الموضوعة.
إن بناء الفريق أيضا علم له الأسس العلمية المختلفة ولكي يكون الفريق مؤهلا لا مناص لكل فرد من التدريب والقراءة والثقافة والتطبيق .