صدرت رواية "الرّقص الوثنيّ" للكاتب إيّاد شماسنة عن دار فضاءات في عمّان، وتقع في 317 صفحة من الحجم المتوسّط.
و"الرقص الوثنيّ" هي الرّواية الثّانية للكاتب الفلسطيني إيّاد شماسنة المولود عام 1976 في بيت لحم، فقد سبق وأن صدرت له عام 2014 روايته الأولى"امرأة أسمها العاصمة"، كما صدر له ديوانا شعر هما: "التاريخ السّرّي لفارس الغبار" و"حدائق الكريستال".
أثناء قراءتي لرواية "الرّقص الوثنيّ" وبعد أن انتهيت منها، تذكّرت تساؤل النّاقد المعروف الدّكتور عادل الأسطة أستاذ الأدب العربيّ في جامعة النّجاح أكثر من مرّة وهو: هل أتى الكاتب بجديد في عمله هذا؟
وفي الواقع أنّ الكاتب شماسنة قد أتى بجديد في روايته هذه، من ناحيتي الشّكل والمضمون.
فهذه الرّواية التي يطغى عليها عنصر التّشويق بشكل لافت، جاءت خليطا من الواقع والخيال، خلط فيها العلم بالأدب، بالتّاريخ وبالواقع، علم الآثار وتزييف التّاريخ، تداخل الشّخصيّات اليهوديّة بالعربيّة، ألاعيب الأجهزة الأمنيّة، الصّراع حول الحقّ التّاريخي في فلسطين، الدّين والخرافات، الأخلاق وجرائم الحروب، التّضليل الاعلامي والاعلام الموجّه، الاسقاط الأمني بوسائل شتّى، الضّياع والصّمود. تسخير الأكّاديميّين لخدمة أجهزة الأمن، الانفصام الثّقافي والإثني بين المهاجرين اليهود، ومحاولة التّوفيق بين ما تربّوا عليه في بلدانهم الأصليّة، وبين المطلوب منهم في اسرائيل، العنصريّة بين اليهود والعرب، الحبّ والزّواج المختلط بين عرب ويهوديّات، منظّمات حقوق الانسان بين الوفاء للمبادئ ومحاولة تحسين صورة دولة الاحتلال، الصّراع على الهويّة والانتماء.
وقد استغلّ الكاتب رواية "عائد إلى حيفا" للشّهيد غسّان كنفاني، بطريقة إيجابيّة لافتة، ليبيّن استلاب هويّة وانتماء أطفال فلسطينيين تُركوا أو ضاعوا من ذويهم في نكبة العام 1948، أو في سنوات لاحقة، وتمّت تربيتهم من قبل أسر يهوديّة.
تحدّثت الرّواية عن يهود وعن عرب، وعن الأرمن في القدس، وعن الغجر، دارت أحداث الرّواية بين يافا، تل أبيب، الرّملة، القدس بحاراتها وبعض قراها، حيفا، رام الله وحتّى إيلات. وطرقت جانبا من تاريخ الأرمن في فلسطين، وصدق انتمائهم لفلسطين وللشّعب الفلسطينيّ.
كما تحدّثت عن سرقة الآثار والاتّجار بها. ومرّت على حروب اسرائيل على قطاع غزّة.
واللافت في هذه الرّواية أنّها احتوت على عشرات الشّخصيّات التي استطاع الكاتب أن يربطها ببعضها البعض، بما يخدم النّصّ الرّوائي ّ الزّاخر بعشرات الحكايات والقصص، التي جاءت مترابطة بخيط شفيف، من خلال سرد سلس انسيابيّ متناغم وشيّق.
في هذه الرّواية يلاحظ القارئ أنّ الكاتب على اطلاع واسع بتركيبة المجتمع الاسرائيليّ، وكيف يجيّر فيه كلّ فرد لخدمة الدّولة الأمنيّة. ولم ينس الكاتب آراء بعض اليساريّين اليهود الذين عاشوا في اسرائيل ولم يقتنعوا بالصّهيونيّة، أمثال الرّاحل الدّكتور اسرائيل شاحاك، الذي كان يرأس جمعية حقوق الانسان في اسرائيل.
ورغم أنّ الكاتب استفاد بشكل ملحوظ من رواية "عائد إلى حيفا" للشّهيد غسّان كنفاني، إلا أنّ القارئ يلاحظ أنّه لم يكرّر غيره، وقدّم للقرّاء رواية مدهشة، لم تخلُ من الصّراع الثّقافيّ، ولا من الصّراع على الهويّة.
هذه الرّواية تشكّل إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة بشكل خاص، وللمكتبة العربيّة بشكل عام.